من دفتر الوطن

36 كيلو إخفاق متري!

| فراس عزيز ديب

جميعنا على المستوى الشخصي لدينا أشياء نحبها وأشياء نكرهها، ولا أتحدث هنا عن أشخاص بكل تأكيد، مثلاً أعترف بأنني أكره الأفاعي إلى حد القرف لدرجةٍ لا أتقبل مجردَ النظرِ إلى صورها أو رؤيتها في التلفاز، هو ليس خوفاً يرتقي لوصف «الفوبيا» لكنها بالنهاية تقلقني حتى لو كانت صورة، ربما هذه الحالة مرتبطة بأيام الطفولة حيث مرت أفعى من بين قدمي من دون أن تؤذيني لكنها بالنهاية تركت أثراً سلبياً على العلاقة بيننا، هذه الحالة وصَّفها لي يوماً أحد الاختصاصيين النفسيين بأنها ليست مجرد حالة تجنب رؤية للأفعى، فالقضية مرتبطة بما ترمز إليه الأفعى، أي الغدر، لكونها غالباً ما تحسن التخفي تماماً كما الأحداث غير المتوقعة، بصراحة لم يقنعني كثيراً هذا الكلام وقلت له بصراحة:

عندما يصل الغدر لدرجة يصفعني بها أحدهم لستة وثلاثين مرة من دون أن أنتبه، عندها لا تكون المشكلة بذكاء من يغدر بل بسذاجة من يتم الغدر به.

بذات السياق، أكره الأماكن المرتفعة، لا أحبها بما فيها، الأبراج السكنية العالية، هو ليس نوعاً من تهيّب صعود الجبال على العكس فأنا سأبقى أعيش الرغبة ذات بالطموح، لكن المختص ذاته وصَّف لي الحالة بأنها نوع من الوهن الذي يصيب شخصاً من بين كل عشرين شخصاً حول العالم عندما يقتربون من الأماكن المرتفعة، هذا الوهن يدفعهم للاعتقاد بأنهم أو المقربين منهم سيقعون، فيحاولون تجنبَ هذه الأماكن، كذلك الأمر لم أقتنع كثيراً بهذا التحليل لكنني توقفت مطولاً عند كلمة «وهن»، بماذا تذكرنا هذه الكلمة؟

نعم، إنها العبارة الغامضة والتهمة الأشهر في شرقنا البائس «وهن عزيمة الأمة»، بصراحة فإن فوبيا الأفاعي أو حتى الأماكن المرتفعة بكامل توصيفاتهما النفسية لا يمكن لهما أن يصلا إلى فوبيا وهن عزيمة الأمة، فوبيا تجعلك تفكر في كل حرف ستقوله ليس لأنك تقول أشياء محظورة أو لأن أحداً يرسم لك حدوداً لما تقول ولما لا تقول لنكن منصفين، لكنها مرتبطة أساساً بالغموض الذي يلف هذا المصطلح، فقد يكون انتقاد سائق مسؤول هو وهن لعزيمة الأمة من وجهة نظر من لا يعجبهم الانتقاد، وبالعكس قد يكون انتقاد المسؤول ذات نفسه هو حرية رأي، أما الجانب الأهم بهذهِ التهمة، فهو حصرها باتجاه واحد، فالمواطن الذي يوهن عزيمة الأمة هناك جهات ستحاسبه لكن من يحاسب أجهزة الدولة عندما تقوم هي بتوهين عزيمة الأمة؟! هذه المقاربة عادت لتراودني عن نفسي وأنا أقرأ الخبر الذي يقول:

سرقة أكثر من 36 كيلو متراً من كابلات التوتر العالي!

فكرت بالرقم، 36 كيلو متراً يعني إن خرجت من مركز مدينة حلب سأصل إلى أطراف «الزربة» أما في اللاذقية فهي المسافة التي تفصل اللاذقية عن بانياس والعاصمة دمشق عن أطراف القطيفة، مسافة تجعلك فعلياً تحسد الفاعلين فهؤلاء اللصوص الذين وصفتهم أحد البيانات الرسمية «كبضعة لصوص!» لا يعانون فوبيا الأفاعي لأنهم سرقوا ما سرقوه بهدوء من دون الخوف من الغدر رغم المسافة الشاسعة، ولا فوبيا الأماكن المرتفعة لأنهم لم يكترثوا لارتفاع الأعمدة، تجنبوا كل هذا وتركوا لنا الفوبيا الأهم.. «وهن عزيمة الأمة»، ترى ألا تصلح أخبار كهذه لتصنيفها تحت هذا البند؟ مسكينة هي هذه الأمة! ونحن أيضاً..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن