رياضة

المنتخب والدوري صنوان لا يفترقان … التحول من الهواية إلى الاحتراف يمر بمخاض عسير … نمتلك المال ونفتقد الفكر الاحترافي

| ناصر النجار

ربما الجلبة التي حدثت قبل لقاء الإياب مع ميانمار تفرض علينا تسليط الضوء على بعض النقاط الضرورية في مسيرة كرتنا ليست على صعيد المنتخب الأول فحسب، بل على كل الصعد، تبدأ من المسابقات الرسمية ولا تنتهي بالمنتخب الأول، فتطور الكرة مرهون بتطور كل مفاصلها وكل من يعمل بها، فلا يكفي أن يكون لنا منتخب محترف يلبي الطموح إن لم يكن لدينا دوري محترف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

التطور بحاجة إلى منظومة عمل كاملة متكاملة، تبدأ من العمل الإداري الصحيح، وهذا ليس مختصراً على اتحاد كرة القدم وحده، بل يجب أن يكون هذا العمل الإداري المحترف موجوداً في الأندية أيضاً وفي كل اللجان سواء اللجان العليا التابعة لاتحاد كرة القدم، أم اللجان الفنية الموجودة في المحافظات.

وللأسف فإن كرتنا لا تملك الفكر الاحترافي المطلوب، وكل الخطوات التي سلكها اتحاد كرة القدم ينقصها العقل الاحترافي، صحيح أن اتحاد كرة القدم يجتهد لإحداث نقلة نوعية في المنتخب، لكن هذا لا يكفي، لأن القائمين على المنتخب حسبوا أن التطور والنهوض يأتيان من خلال التعاقد مع مدرب محترف له اسمه في العالم، واستقدام لاعبين يفوقون لاعبينا مستوى وخبرة وكفاءة، ولكن هذا بالمجمل لا يكفي، لأنه يحتاج إلى خطوات تترافق مع هذه الاختيارات والتعاقدات.

وحتى لا نبخس القائمين على كرتنا حقهم فإننا نذكر العديد من الجهود المبذولة في هذا الشأن وأولها توفير كل ما يلزم للمنتخب، ومنح العاملين فيه كل التسهيلات والضمانات والإجراءات من أجل استقدام أي لاعب من أصل سوري مؤهل ليكون في عداد المنتخب، والغاية من ذلك رفع مستوى المنتخب واستعادة هويته وتحقيق ما عجز منتخبنا عنه منذ ولادته الأولى.

هذه الخطوات في استقدام اللاعبين جيدة ورافقها سلوك انضباطي في كل المعسكرات والمباريات الأخيرة وهذا ما كنا نفتقده على الدوام.

لكن الملاحظات السلبية على المنتخب باتت أكثر من ذي قبل، ولو أننا تجاوزنا الكثير من العثرات لكان الوضع أفضل وأجمل، ونلخص بعض هذه الملاحظات بالآتي:

أولاً: ليس من المنطق بعالم كرة القدم إذا استقدمنا مدرباً عالمياً أن نرضخ له وأن نقول له (آمين) على كل شيء، فالمدرب مهما بلغ من شهرة فهو ليس بالمحصلة قديساً ولا معصوماً عن الخطأ، ويجب مناقشته في الأمور التي نراها غير منطقية أو لا تتناسب مع سير المنتخب ومستقبله.

وقبل البحث في بعض الأمور هذه يجب أن ندرك أن صلة التواصل مع المدرب الأرجنتيني هيكتور كوبر مقطوعة، لأنه لا يوجد تواصل مباشر، فالمدرب المصري محمود فايز الذي يتقن الإسبانية هو صلة الوصل بيننا وبين كوبر، أي إن زمام الأمور بيده، ولو أن اتحاد كرة القدم أوجد مترجماً فربما كانت الصورة مختلفة، وربما تبين لاتحادنا الكثير من الحقائق، وهنا فإننا لا نطعن بالمدرب المترجم، لكننا نعرف أن مصلحته مع كوبر متلازمة لكونهما فريق عمل واحداً، فهل عمل اتحادنا على إيجاد مترجم لتكون المعادلة صحيحة، وليكون المترجم من صفنا ينقل إلينا ما يريده كوبر من دون زيادة أو نقصان؟

ثانياً: وهو أمر مهم، من الذي يقيم عمل المدرب وفريقه العامل معه؟ هو سؤال مهم، لا أجد أحداً قادراً على الإجابة عنه، وربما قال البعض: هذا مدرب محترف عالمي، ومَن عندنا بمستواه ليقيم عمله؟

وهذا الرد يدل على جهل مطبق، والمفترض أن تمارس لجنة المنتخبات دورها في عمل المدرب، قد لا تتدخل في صلب الأعمال الفنية والأسلوب المتبع، لكن يمكنها التدخل بمسائل كثيرة هي في غاية الأهمية.

وعلى سبيل المثال: إن استبعاد عمر السوما غلطة لا تغتفر، ويمكن أن نغفرها للمدرب لو أنه أحضر لنا مهاجمين بمستوى السوما، لكنه للأسف أحضر لنا مهاجماً في النهائيات الآسيوية تبين لنا أنه ليس بمستوى السوما فضلاً عن أنه مصاب (كما قيل) وهو بابلو صباغ، وللأسف فإن الخيارات المحلية لم تكن صائبة، وكأن هناك من يهمس في أذن كوبر ليستدعي هذا اللاعب أو ذاك، وقضية استدعاء مرديك مردكيان كانت فضيحة تعادل فضيحة التعادل مع ميانمار، وخصوصاً أنه مع حطين في سبع مباريات لم يثبت وجوده ولم يسجل أي هدف سوى هدف بمباراة الكأس مع فريق جبلة في دور الـ16، ولم يكن ضمن التشكيلة الأساسية وقيل إن عقده مع الحميرية الإماراتي (درجة ثانية) تم فسخه لأن اللاعب مصاب.

الكثير من اللاعبين الذين تم استدعاؤهم ما زالوا على الانتظار ولم نرهم كل هذه الفترة كأنطونيو يعقوب وغيره.

في عملية اختيار اللاعبين وجدنا أن أكثر اللاعبين يشغلون مراكز في خط الوسط، وعلمنا من بعض المصادر أن اهتمام كوبر يتلخص في الاعتماد على اللاعبين الذين يميلون إلى الأداء الدفاعي، وهذه ثغرة واضحة، فالفكر الذي يُبنى عليه منتخبنا هو فكر دفاعي بحت، وقد يكون هذا الأمر ناجحاً في بعض المباريات الثقيلة، لكنه غير ناجح في مباريات كثيرة ويمكننا القول إن الأسلوب الدفاعي ينجح في مواجهة فرق الصف الأول في آسيا كاليابان وكوريا الجنوبية ومن في حكمهما، لكن المفترض عندما نواجه أربعين منتخباً آسيوياً غير هؤلاء أن تكون الكلمة لمنتخبنا، وها نحن نرى كيف فزنا بصعوبة على الهند واعتبرنا الفوز إنجازاً، وأتبعناه بتعادل في ميانمار، وفي المباريات الودية السابقة لم نر النزعة الهجومية في لقاءات منتخبنا مع منتخبات الصف الثالث والرابع في آسيا.

على الصعيد الدفاعي وهو اختصاص كوبر فإنه يلعب بأربعة مدافعين نجحوا إلى حد ما، لكن نسأل: من بديل أيهم أوسو إذا أصيب؟ خط الدفاع لا يوجد أي لاعب بديل بمستوى الأساسيين، وأغلب البدلاء (أكل عليهم الزمن وشرب) للأسف، ومن جرّب المجرب عقله مخرب، وها هم البدلاء لم يكونوا مبرزين مع أنديتهم في الدوري المحلي، لذلك نقول: إن وراء الأكمة ما وراءها في اختيار بعض اللاعبين!

في القضايا الأخرى فإن موضوع إصابات اللاعبين أمر فيه (إنّ) وكأن الموضوع صار عذراً شرعياً لاستبعاد أي لاعب، والمشكلة أن العالم صار ملعباً مفتوحاً أمام الجميع، فعندما نرى الخريبين ومحمد عثمان يلعبان مع ناديهما ويتألقان وعندما تأتي أيام الفيفا يصابان فهذا يعني أن هناك أمراً مخفياً يجب أن يتم تحديده والإعلان عنه.

وهنا نجد أن التعامل مع بعض اللاعبين ينقصه الحكمة أو لنقل إنه تعامل غير احترافي، وهذا ينطبق على العديد من اللاعبين الذين ذكرناهم، ومنهم عمر السوما، وكان من المفترض قبل استبعاد السوما أن يتم الاجتماع معه والاتفاق معه على بنود وشروط، فكما قيل: إن السوما غير منضبط (مثلاً) ويمكن أن يتم تفصيل ذلك وتوضيحه والتفاهم مع اللاعب حول الملاحظات التي عليه تفاديها، ومثل ذلك مشكلة الداهود.

إذا كنا واقعيين فعلينا أن نعترف أن كوبر وفريق عمله يهتمون بعقودهم وبالشروط التي وضعوها، ويعتبرون أنفسهم الطرف الأقوى في أي مخاصمة، لكن علينا أن ندرك أن المنتخب منتخبنا ومصلحته أكبر من أي مصلحة أخرى، لذلك يجب أن يتدخل اتحاد كرة القدم عندما يكون التدخل في مصلحة المنتخب.

الفترة المقبلة يجب أن تكون فترة دراسة لأوضاع المنتخب، على أن تكون الدراسة متأنية وهادئة لمعالجة كل السلبيات والثغرات، لا نريد أن نخسر أحداً، ولا نريد أي تغيير، وكل ما نريده أن يتم إصلاح كل الأخطاء حتى يستمر منتخبنا بسيره الصحيح.

العلاقة المتلازمة

تأسيس منتخب وطني بمدرب محترف ولاعبين من مختلف أصقاع العالم لا يعني أننا صنعنا منتخباً محترفاً، المنتخبات التي دخلت عالم الاحتراف كإيران والمغرب والجزائر ومصر عملت على تأسيس قاعدة احترافية متينة داخلية صدّرت من خلالها لاعبين إلى الدوريات الأوروبية الكبرى، ولنا في محمد صلاح خير مثال، ومثله الكثير من لاعبي المغرب العربي وإيران وكوريا واليابان.

العلاقة بين الدوري والمنتخب علاقة متلازمة فهما صنوان لا يفترقان، فكلما كانت الأندية والدوري قوية كانت المنتخبات قوية، لكننا للأسف نسير (مكانك سر) وحتى الآن لم نجد المنتخب (أولمبي، شباب، ناشئين) الذي يسر أو يدفع إلى التفاؤل به، وكل ذلك لأن أنديتنا فهمت أن الاحتراف مال ولم تقتنع أن الاحتراف فكر، ولعل فاقد الشيء لا يعطيه، لذلك ما دامت أنديتنا تسير على الشاكلة هذه فلن تتغير مسيرة كرتنا وستبقى منتخباتنا على حالها تحاول الصمود أمام منتخبات الجوار كالأردن والعراق ولبنان وفلسطين.

كرتنا بحاجة إلى تدخل مسؤول، وبحاجة إلى فكر احترافي قادر على صناعة كرة محترفة ضمن ضوابط بات يعرفها الجميع وليست مخفية على أحد.

الدوري بكل درجاته وفئاته فاشل بأسلوبه وطريقة التعامل معه، ومن يظن أن 28 نادياً في الدرجة الأولى أغلبها من أندية الريف الفقير وأغلب لاعبيها من ملاعب الأحياء الشعبية قادرة هذا الدوري على صناعة كرة قدم فهو غير جدير بمهامه، فكرة القدم بحاجة إلى مقومات وإلى قوانين تضبط المسابقات وتضبط الاحتراف في الأندية، ولابد أن نقتنع أن أي بلد ليس له دوري محترم لن يكون لديه منتخب محترم.

الدوري في أسبوع

تستأنف مباريات الدوري الكروي للمرحلة السابعة من الإياب يوم السبت القادم، فيلعب الفتوة المتصدر على ملعب الجلاء مع الحرية ويلتقي في حلب على ملعب الحمدانية أهلي حلب مع الساحل، وفي حمص على ملعب الباسل يتقابل الكرامة مع الطليعة ويستقبل جبلة على ملعبه فريق الجيش ويلتقي في اللاذقية قطبا المدينة حطين وتشرين، وتختتم المباريات يوم الأحد على ملعب الجلاء في دمشق بلقاء الوحدة مع الوثبة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن