البروفيسور الإسرائيلي في علم التاريخ والباحث في «معهد ياخين للأبحاث الإستراتيجية القومية» يائير كلاينباوم، وفي تحليل نشرته المجلة الفكرية الإسرائيلية «هاشيلواح» في كانون الأول الماضي تحت عنوان «وجود كل ما فيه سلبية» قال: «إن القضاء على إسرائيل هو القيمة التي تتشكل لأجلها حركات التحرر الفلسطينية، القومية والدينية، وعدم الاعتراف بهذه الحقيقة هو أساس كارثتنا، فهناك عدد من المفاهيم والافتراضات الأساسية الإسرائيلية التي انهارت في السابع من تشرين أول الماضي أمام خط دفاعها الجنوبي الغربي وهي:
1- الفرضية السياسية القائلة بإمكانية السماح بسيادة فلسطينية غربي نهر الأردن.
2- الفرضية الاستخباراتية القائلة بأن حماس جسم سياسي عقلاني.
3- الافتراضية التكنولوجية التي تستند إلى الثقة بالوسائل التكنولوجية والإلكترونية لتخفيض حجم القوة البشرية العسكرية.
4- الفرضية العسكرية الداعية إلى الاكتفاء بجيش صغير وذكي.
ولقد سبق أن شهدنا تمزقا اجتماعيا طال زمنه ظهر على شكل ثقافة تنظيمية مشوهة أدت إلى إخفاق القواعد الأساسية للأمن وهي: الإنذار المبكر، والردع، والقدرة على الدفاع، وإبادة العدو، ولا بد من مراجعة جديدة لأخطاء هذه الفرضيات التي تعرض مستقبل إسرائيل للخطر».
يعترف كلاينباوم بأن مقاومة الفلسطينيين لإسرائيل تستند إلى مفهوم قومي – عربي وآخر ديني إسلامي وكلاهما يتفقان على عدم الاعتراف بحق إسرائيل بالوجود، ويضيف: «بعبارة فلسفية
ديالكتيكية على مبدأ الفيلسوف هيغيل، تعد إسرائيل النقيض الذي يدفع هذه القوى إلى القضاء عليها، ولذلك يصبح كل توافق أو هدنة بنظر الفلسطينيين مجرد مرحلة ووسيلة لاستكمال التوجه نحو تحقيق الهدف بالقضاء عليها وهو ما يعد الحل الحاسم للتناقض بين فكر الجانبين».
هذه الحقيقة التي يعترف بها كلاينباوم تثبت عملياً أن أي اتفاق يجري التوصل إليه بين إسرائيل وأي دولة عربية لا يعني مطلقا أن هذا التناقض التناحري القومي والديني للحركة والفكر الصهيوني مع نقيضها القومي العربي والديني قابل للحل التوافقي، بل لا يمكن حله إلا بالقضاء على أحد النقيضين، وهنا من الطبيعي الاستنتاج باستحالة القضاء على الحامل القومي والديني للعرب والمسلمين أمام إمكانية توافر كل الشروط المناسبة والطبيعية للقضاء على الحامل الصهيوني الاستعماري بصفته النقيض القومي والديني لأمة عربية وإسلامية تمثل ثلث هذا العالم، وهذا ما يثبته تاريخ أكثر من 75 عاماً من كل أشكال المقاومة التي قام بها الفلسطينيون والعرب لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه ومستقبله.
وإذا كانت بريطانيا الاستعمارية تتحمل مسؤولية كل ما جرى للشعب الفلسطيني من مذابح منذ انتدابها على فلسطين عام 1920 حتى الآن، فإنها في الوقت نفسه هي التي تتحمل مسؤولية كل القتلى من اليهود الذين جندتهم في حركة صهيونية أنشأتها لهذا الغرض منذ منتصف القرن التاسع عشر ونقلتهم للاستيطان في فلسطين لخدمة مصالحها في المنطقة، ولو بقي اليهود في أوطانهم لما تحولوا إلى قتلة ومقتولين في الوقت نفسه، ويؤكد السجل التاريخي على حقيقة أن بريطانيا عملت على تجنيد اليهود الأوروبيين كقوة استيطانية استعمارية في أي بلاد تحتلها لخدمة مصالحها قبل الحرب العالمية الأولى بين 1914- 1918، ولم تقتصر مشاريعها هذه على عرض أراض على الحركة الصهيونية في أوغندا عام 1903، بل كانت قد عرضت على الحركة مساحات أراض في كينيا في العام نفسه بعد الفشل في إقناع البريطانيين على الاستيطان فيها وخصصت للحركة في البداية 8000 كلم2 مع صلاحية غير محدودة لإحضار المهاجرين اليهود.
وزار وفد صهيوني كينيا لهذا الغرض ثم تعطل المشروع بسبب عدم العثور على الراغبين من يهود أوروبا، وفي النهاية تبين أن قلة قليلة من يهود أوروبا قبلت بالانضمام إلى مشاريع الاستيطان في فلسطين وبقيت أغلبية يهود العالم حتى عام 1945 غير راغبة في الانتقال كمستوطنين إلى المستعمرات البريطانية بما في ذلك إلى فلسطين نفسها، وما زال الكيان الإسرائيلي حتى بعد 75 عاماً على وجوده منذ عام 1948 لم ينضم إلى الاستيطان فيه سوى ثلث يهود العالم وبعد استخدام كل وسائل الترغيب والإكرام.
لهذا السبب يعترف كلاينباوم أن استمرار وجود إسرائيل ليس محفوفاً بمخاطر دائمة فقط بل إن حاملها الصهيوني غير قابل للبقاء في المستقبل أمام الحامل القومي والديني العربي في هذه المنطقة، ومفكرون صهيونيين آخرون تطرقوا إلى هذه الحقيقة ومن بينهم عاموس عوز، وهو أهم المفكرين المعاصرين في عام 2015، إضافة إلى مفكرون من اليهود الآخرين وأهمهم الآن بابيه.