من دفتر الوطن

بين الحوار والشجار

| حسن م. يوسف

قبل ثمانية وعشرين عاماً وقع اختيار المعهد الدولي للمسرح التابع لليونسكو، على المبدع السوري الكبير سعد اللـه ونوس لكي يقوم بكتابة (رسالة يوم المسرح العالمي)، وقد تُرجمت رسالة ونوس إلى مختلف اللغات، وقُرئت على مسارح بلدان العالم في اليوم العالمي للمسرح 27 آذار 1996.

في مستهل كلمته قال ونوس: «لو جرت العادة على أن يكون للاحتفال بيوم المسرح العالمي، عنوان وثيق الصلة بالحاجات التي يلبيها المسرح، ولو على المستوى الرمزي، لاخترت لاحتفالنا اليوم هذا العنوان «الجوع إلى الحوار»، والحوار الذي عبر ونوس عن جوعه وجوعنا له، لا علاقة له بالنزاعات الفكرية والمهاوشات السياسية، بل هو الحوار الفكري الذي يهدف لإيجاد بيئة حضارية واعية، تجعل الأفراد قادرين على إدراك مصالحهم المشتركة ودور كل واحد منهم في خدمة أمته ومجتمعه.

أمس أرسل لي الصديق المحامي باسل كريم ديوب رده على مقال د. مهدي دخل اللـه عن «الفن الذي وحّد العرب يوم فرقتهم الإيديولوجيا»، والحق أنني ما كنت لأقف عند هذه المسألة لو لم يبلغني الصديق باسل في رسالة لاحقة أنه «مهتم بمعرفة رأيي الشخصي».

أعتقد أن الدكتور دخل اللـه كان في مقاله صحفياً أكثر مما كان سياسياً، صحيح أن انتشار الفضائيات العربية أوصل الدراما السورية والعربية إلى مختلف أنحاء الوطن العربي، أي إنه خلق وحدة حال مؤقتة بين المشاهدين، لكن الدراما لم توحد العرب دائماً، بل كانت ولا تزال ميدان صراع بين وجهات نظر مختلفة، وأحياناً يتجلى هذا الصراع على الشاشات كما حدث في رمضان 2020 عندما عرض في الموسم نفسه مسلسلنا «حارس القدس»، ومسلسل «أم هارون».

من تقاليد الصحافة ألا يتجاوز الرد حجم المقال الأصلي، إلا أن رد المحامي ديوب جاء أكبر من مقال الدكتور دخل اللـه بأربع مرات! ونظراً لأن الدكتور دخل اللـه أشاد بدور الفن الموحد للعرب، فقد قفز المحامي ديوب إلى النقيض، واصفاً الفن الحالي بأنه «أداة تجهيل وإبعاد عن الوحدة العربية»، وأنه «يسيطر عليه فريق يتفرج على مذبحة أهله في غزة بل يشترك في قتلهم بشكل أو بآخر».

اعترف أنني لا أتفق تماماً مع أي من وجهتي النظر السابقتين، فالفن لم يوحد العرب كما يرى الدكتور دخل الله، رغم أنه قرب المسافة بين شعوب الوطن العربي إلى حد كبير، وهو ليس «أداة تجهيل» كما يرى المحامي ديوب.

أحسب أن المحامي ديوب قد أفرط في المبالغة عندما وصف مقال الدكتور مهدي دخل اللـه بأنه «السقطة المعرفية الكبرى»، غير أن العبارة لم تستوقفني لأننا تعودنا المبالغات، لكنني استأت حقاً من قوله: «… ملتمساً له عذراً عاملَ السنّ، وربما ضغط الوقت بإنجاز مقالة سريعة»!

أحسب أنه قد آن الأوان كي نكف عن اجتزاء كلام من نختلف معهم في الرأي، وكي نضع حداً لمظاهر الحرب الأهلية المتفشية في فكرنا التي تتبدى في شخصنة خلافاتنا الفكرية والتأكيد على كل ما هو سلبي لدى الطرف الآخر وتضخيم ما هو إيجابي في وجهة نظرنا، وقد سبق لي أن قلت في كتابي «عبثاً تؤجل قلبك» الذي نشر في دمشق قبل ربع قرن، «الحق موزع في الناس، لذا يحسب كل منهم أن الحق معه».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن