في يوم المسرح العالمي ماذا عن واقع المسرح العربي؟ من اليونان إلى الرومان إلى العصر الحديث المسرح يصنع الحضارة والإنسان
| إسماعيل مروة
كما جرت العادة في كل عام، وفي شتى بلدان العالم، يحتفل المسرحيون والمثقفون بيوم المسرح العالمي، وهذا الاحتفال كان يحمل نكهة خاصة حين كان القائمون عليه عالمياً يقومون باختيار شخصيات مؤثرة مسرحياً لإلقاء كلمة يوم المسرح، والتي تكون عالمية، غير إقليمية وغير محلية.. واليوم يأتي الاحتفال بيوم المسرح كأي احتفال بروتوكولي أو اجتماعي، وكأن المسرح ينتظر هذا اليوم ليقوم المحتفلون بتدبيج العبارات المدحية والإنشائية بحقه دون وجود حلول أو اقتراحات للعودة إلى المسرح..!
يمضي العام كله، وقد نجد عرضاً أو عرضين، وصارا مثل عروض السينما وإنتاجها، لأشخاص محددين، وأفكار محددة غالباً، قد يشذ عنها نص كل عامين!
أصالة المسرح
الاحتفال بيوم المسرح العالمي مناسبة غير تقليدية ويجب ألا تمر مثل عيد الأم عند العاقين، فهذا يعقّ أمه طوال العام ليحمل لها قالب حلوى وهدية في يوم عيدها الذي يصادف يوماً قريباً من يوم المسرح العالمي، والمسرح ليس ظاهرة عادية، وليس ترفاً اجتماعياً كما تحاول بعض الإيديولوجيات أن تصوره، فالمسرح حالة حضارية ووجدانية وعقدية طارت باليونان إلى آفاق لا نستطيع إدراكها رغم كل التفوق، ولا نزال عاجزين أمام سوفو كل ويوربيدس، وتبقى أوديب حكاية الوجود إلى اليوم، واستلهمها الكثيرون من اليونان إلى الأوروبيين وهذا ما فعله (أندره جيد) الفرنسي في نصه البديع الذي نقله إلى العربية صديقه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وستبقى هذه النصوص ملهمة للأدباء والنقاد، وحسبنا أن نعلم أن عشرات الدراسات النفسية والاجتماعية أقيمت حول هذه النصوص المسرحية العظيمة، ومن ثم ذهبت دولة الرومان ببطشها وبقي المسرح الروماني بنصوصه، وبعمارته العظيمة التي تليق بالمسرح.. وجاء المسرح الأوروبي الذي كان مبتكراً، وابناً شرعياً للمسرحين اليوناني والروماني، وعرفنا العظماء منهم.. ولا أدل على عظمة المسرح من شكسبير الذي لا تزال نصوصه درة للأدب والحياة وليست مسرحاً فقط، وأقيمت حول مسرحياته دراسات فلسفية ونفسية ونظريات، وما يزال المبدعون يدورون حول ماكبث وعطيل وروميو وجوليت.
المسرح السوري ومهرجان دمشق
المسرح عند اليونان كان أدباً عقدياً تدور فيه الآلهة، وعند الرومان تحول إلى سجل للأباطرة والملوك، وفي العصر الحديث تحول إلى معالجة أمور الناس البسطاء، وفي كل زمن كان المسرح مغيراً ومؤثراً.. وفي سبعينيات القرن العشرين وما تلاها كان المسرح العربي والمسرح السوري في أوجه، والنصوص المسرحية كانت تنجز للتشخيص، والمسرحيون كانوا يتبارون ويتنافسون ويتقاتلون من أجل المسرح وأفكاره وعروضه، وجاء مهرجان دمشق المسرحي الذي كان أهم مهرجان مسرحي عربي، ووصل إلى مرتبة أولى مع مهرجان قرطاج، ولمع المسرحيون السوريون، وقد شهد جيلي عروضاً لهذه المهرجانات المميزة المهمة، ورأينا عروضاً من تونس ومن مصر ومن الكويت، وقدّم صلاح السعدني مسرحية سعد الله ونوس (الملك هو الملك) في دمشق وبرؤية جديدة ومهمة.. وكنت أرى مثقفي سورية يقصدون المهرجان وعروضه، وفجأة توقف المهرجان بصورة مؤقتة، ثم توقف نهائياً، ولم نفكر بعودته، والمهرجانات التي لم تكن موجودة، وأصحابها الذين كانوا ضيوفاً على مهرجاننا صاروا يجودون باستضافة عروضنا!!
المسرح تشخيص على الخشبة
النصوص المسرحية كانت تشخّص ومن ثم تطبع، ولكن توقف التشخيص، وما يتم العمل عليه أحياناً يكون عن نصوص تجريبية أو أجنبية، وبقي المسرح في صورته الأدبية عبر نصوص تطبعها وزارة الثقافة أو اتحاد الكتاب العرب، يتم تمييزها بكلمة (مسرحية) (مسرحيتان) (مسرحيات)!!
لا يكون المسرح مسرحاً بغير التشخيص، وما عداه أدب مسرحي لا يتجاوز الورق، والاحتفاء بالمسرح يكون بإنجاز عروض على مدار العام، وبالعودة إلى مهرجاننا المسرحي الذي يعيد المنافسة على مستوى النصوص والإخراج، ويعيد الحياة إلى مسارحنا، وربما يتم العمل على مسارح جديدة! أين المسرح المدرسي؟ أين المسرح الجامعي؟ أين المسرح العمالي؟ أين المسرح العسكري؟ أين المسرح التجريبي؟ أين المسرح التجاري؟
غياب أهم عوامل الوعي
إن غياب المسرح عن حياتنا الثقافية هو تغييب للوعي، وتعد الدولة مسؤولة عنه لأنه يحتاج إلى دعم مالي وفكري ومعنوي.. وحين ندرك أهمية المسرح في الوعي ونشره ندرك كم خسرنا منذ اللحظة التي أوقفنا فيها مهرجاننا وتبنينا للمسرح..
(أعطني مسرحاً أعطك شعباً) كذلك قال من أدرك أهمية المسرح وتواصله المباشر مع المتلقي دون وجود شاشات كبيرة أو صغيرة، فهل ندرك دور المسرح في بناء شعب وثقافة وحضارة؟
مرّ يوم المسرح العالمي في عربة مزخرفة، ولم يتمكن عشاقه من رؤية مزاياه وجماله!
كل مسرح وأنتم سالمون!
هناك جهود مشكورة من الجهات لإنجاز عروض مسرحية، لكن هذه العروض تبقى فردية ومتفرقة، وإن حصدت الجوائز أحياناً، إن ما يحتاجه المسرح السوري هو نهضة شاملة، ووعي لدور المسرح، لتعود الحياة إلى مسارحنا، وفي التجارب التي نشهدها نجد تعطش الناس للمسرح، وربما كانت العودة إلى المسرح والوعي أقلّ كلفة من الابتعاد عنه.
ما من عبث، القول بأن المسرح يصنع شعباً وحضارة.. وصمت المسرح يفتح أبواباً أخرى للريح التي تعصف بالفكر.