قضايا وآراء

حين ينتصر الشعب الفلسطيني ويفرض خطابه على العالم

| تحسين حلبي

تحت عنوان ما هو «الانتصار الحاسم؟» نشرت صحيفة «يسرائيل هايوم» تحليلاً في 27 من شهر آذار الجاري حول ما بعد حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال في قطاع غزة، وهو من أهم المواضيع التي انشغلت بها قيادة جيش الاحتلال وكذلك القيادة السياسية منذ سنوات كثيرة، ولم تعثر في نتائج معظم الحروب التي شنتها وبخاصة بعد هزيمة الكيان في لبنان عام 2000 وكذلك بعد إجباره على سحب قواته ونزع مستوطناته من قطاع غزة عام 2005 على أي انتصار حاسم، وفي التحليل الذي ورد في الصحيفة تعترف الصحفية، نيتسانا دارشان لايتر، أن حرب عام 1948 هي الحرب الوحيدة التي حققت فيها إسرائيل «الانتصار الحاسم»، والسؤال الطبيعي في هذه الحال هو «على من حققت ذلك الانتصار الحاسم»؟ على شعب أعزل ومجموعات مقاومة تستخدم أسلحة فردية في حين كانت قوات المنظمات الصهيونية العسكرية قد جرى تسليحها بدبابات وعربات مسلحة وطائرات ومدافع بريطانية خلفها جيش الاحتلال لهذه العصابات منذ سنوات كثيرة، أما ما تطلق عليه إسرائيل الانتصار على جيوش 13 دولة عربية في عام 1948، فالحقيقة واضحة وهي أن كل الدول العربية كانت تحكمها في ذلك الوقت قوات الاحتلال البريطاني والفرنسي باستثناء سورية ولبنان اللتين استقلتا قبل أقل من عامين، وفي أطول الحروب التي يشهدها الكيان الآن ضد قطاع غزة تستشهد الصحيفة بقول أحد القادة العسكريين إن «إنشاء المستوطنات في القطاع في المرحلة التي ستلي هذه الحرب سيعد انتصاراً حاسماً على الفلسطينيين»، وبهذا المضمون لم يشهد الكيان أي مظهر من مظاهر الانتصار الحاسم على الشعب الفلسطيني الذي أرغم جيش الاحتلال على سحب قواته ونزع مستوطناته من القطاع ولن يحلم بقدرته على حمايتها من المقاومة إذا ما قرر حقاً بناء مستوطنات في القطاع، وإذا كانت حكومات العالم في عام 1948 قد سلمت نتيجة خضوعها للاستعمار بما فعلته بريطانيا والمنظمات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، فإن قوى الاستعمار في عالم اليوم تآكلت قدرتها على فرض ما تريد على الشعوب أو على حكومات حرة مستقلة تناهض سياساتها ولن يكون بمقدورها حماية آخر الكيانات الاستيطانية العنصرية، وحين تهزم المقاومة والشعب الفلسطيني هذا الكيان وعنصريته، فلن يبقى قائماً، وبهذا المضمون يحقق الشعب انتصاره الحاسم عليه ويفرض زواله المحتم لمصلحة الشعب الفلسطيني وكل شعوب المنطقة والعالم، ويبدو أن ما نعتقده بهذا الشكل أصبح بعض الإسرائيليين يدركونه ويحذرون منه، ففي صحيفة «ماكور ريشون» العبرية يعترف الكاتب، يائير شيليغ، علناً بأنه «بعد 76 عاماً على وجود إسرائيل بدأنا نشهد تغيرات عميقة في المجتمع الإسرائيلي وفي العالم ليس في مصلحتنا، وكل ذلك بسبب الحرب التي طالت ضد قطاع غزة وعجزنا عن حسمها».

ويحذر، شيليغ، من مضاعفات زيادة نسبة عدد الدول التي بدأت تناهض إسرائيل الآن في حين تشعر دول أخرى بعدم قدرتها على تبرير هذه الحرب أو حماية إسرائيل من نتائجها، ولعل أكثر ما يخيف الإسرائيليين الآن هو أنهم أصبحوا مدانين ومتهمين بارتكاب جرائم علنية لإبادة شعب شاهد العالم كله مظاهرها طوال ستة أشهر بعد أن كانوا قد فرضوا على العالم أن يرى فيهم ضحية لجرائم النازية في القرن الماضي، وبلغ الذعر أوجه لدى كبار المسؤولين في الكيان، فاتهموا علنا وبشكل غير مسبوق الأمم المتحدة وأمينها العام بمعاداة السامية، لأن مجلس الأمن الدولي تمكن بعد جهد كبير من التأكيد على مطالبة إسرائيل بإيقاف كل عملياتها العسكرية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بل أصبحت كل الشعوب التي نددت بإسرائيل وحربها على القطاع في المسيرات التي نظمتها، مدانة بمعاداة السامية، وهو ما لم تتوقعه الحركة الصهيونية في كل تاريخها، وبهذا الشكل لا يمكن إعادة عجلة التاريخ إلى المرحلة التي هيمن فيها الاستعمار وخطابه الإعلامي الذي فرضه باسم معاداة السامية لتبرير سرقة وطن الشعب الفلسطيني ومنحه للحركة الصهيونية واليهود، وبهذه النتيجة أصبح الصهيوني من بين اليهود أمام العالم مجرد مجرم غير قادر على إقناع الرأي العام بأن من يكرهه يجب وصفه بمعاداة السامية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن