ثقافة وفن

أول سيدة عربية تصبح ترجماناً محلفاً من العربية للفرنسية … مهاة فرح الخوري.. عشقت دمشق وحملت رسالتها مدافعة عن القضية الفلسطينية بكل إخلاص

| وائل العدس

نعت وزارة الثقافة واتحاد الكتّاب العرب الكاتبة والشاعرة والمترجمة مهاة فرح الخوري عن عمر 93 بعد حياة مملوءة بالكفاح والعطاء ورحلة حافلة بالعطاء والإبداع والتميز الثقافي.

هي واحدة من ألمع الأديبات والمترجمات السوريات، وإحدى أهم المبدعات في الوسط الثقافي السوري والعربي والعالمي.

كان للمرأة حضورها البهي في كتاباتها وترجماتها المتعددة، تماماً كما كان لمدينة القدس خصوصاً وفلسطين عموماً المكانة الأسمى في كتاباتها وترجماتها.

أبدعت الراحلة في الفكر والتربية والدفاع عن الأرض والحقوق العربية المسلوبة، حيث حملت رسالتها منذ وعت الحياة، مدافعة عن قضية الأمة العربية وجوهرها فلسطين وعاصمتها القدس.

ألقت عشرات المحاضرات الأدبية والمداخلات، منها ما تمحور حول الأدب البولوني، ودور المرأة في الأسرة ودور المرأة السورية في السلام، وقضايا الترجمة وأهمية القدس وغيرها.

وصفت دمشق فقالت: «إنها مدينة لها أصالتها، هي جذوري التي لا أنساها، هي في كل كتاباتي، إليها أتى القديس بولس ومنها نشر الديانة المسيحية، لدمشق طابع غير موجود بعاصمة أخرى، فيها الجامع الأموي الذي كتبت عنه وسميته اللؤلؤة».

من دون شهادة

لا تحمل شهادة عليا لكنها تربت في بيت والدها الشاعر والأديب ميشيل فرح، وكأنها رضعت الأدب والشعر مع الحليب، ووالدتها كانت الذاكرة الحاضرة لوالدها عندما يستعصي عليه شيء في كتابة الشعر.

عاشت في منزل يؤمه الأدباء والكتّاب والشيوخ المختصون بالشعر والتاريخ ورجال الدين الإسلامي والمسيحي، وكان أنه لا يعقد أي مجمع مقدس في دمشق، إلا ويرافقه مأدبة عشاء بمنزلها.

تعلمت اللغة العربية في منزل أهلها، وتمكنت من الفرنسية، وتمرست بها في منزل زوجها؛ ذات يوم خطر لها أن تترجم، فأحضرت مصطلحات حقوقية ودرست وحدها وتقدّمت لامتحان ونجحت عام 1974، لتصبح أول سيدة سورية وعربية تكون ترجماناً محلفاً من اللغة العربية للفرنسية.

مارست ذلك لفترة في بيتها، حيث لم يكن عندها مكتب رسمي وكان الناس يأتون لعندها طلباً للترجمة وكانت تخجل أن تتقاضى أجراً، فكان بعد فترة أن توقفت عن الترجمة لكنها تابعت ترجمة الكتب الفرنسية فترجمت ما يزيد على خمسة عشر كتاباً.

سيرة غنية

ولدت الراحلة عام 1930 في القيمرية بدمشق، بدأت دراستها في مدرسة راهبات البيزانسون، وفي الصف الرابع الابتدائي انتقلت إلى مدرسة الآسية التي نالت منها الشهادة الابتدائية ثم الشهادة الثانوية، ثم تابعت دراستها في تجهيز البنات الأولى حتى حازت بعدها البكالوريا – الفرع النسوي عام 1948، تأثرت بوالدها الذي كان خطيباً وشاعراً، وكانت تقرأ كل ما يكتبه من مقالات وأبحاث وقصائد.

نالت شهادة من الجامعة السورية – كلية الآداب، وتزوجت عام 1949 من وديع خوري، مدرّس الرياضيات والفيزياء في ثانويات حمص وكليتها الحربية وأنجبت منه ثلاثة أبناء، وتوفي في 7 شباط 1962، حزنت عليه كثيراً وكانت أولى كتاباتها في رثائه سنة 1965.

نالت في أوائل السبعينيات شهادة ترجمان محلف بين اللغتين العربية والفرنسية، وبدأت الكتابة بالصحافة باسم مستعار «ميم» وفي مطلع الخمسينيات أعدت أحاديث عديدة لبرنامج المرأة الإذاعي بدمشق بعمر 18 عاماً، كما شرعت في الفترة ذاتها بالرد على المقالات التي تنشرها الصحافة.

عملت في مدرسة راهبات الفرنسيسكان ومعهد اللاييك عام 1960، كما مارست تعليم اللغة العربية للطلبة الفرنسيين في المعهد الفرنسي للدراسات العربية، ثم عملت مترجمة في وزارة الإعلام ومحررة مترجمة في وكالة الصحافة الفرنسية والمعهد الفرنسي للشرق الأدنى، وكذلك عملت بالصفة نفسها في السفارة البولونية، وفي المركز الثقافي البلغاري ثم في السفارة الفنلندية، وأسست وترأست المركز الثقافي البولوني بدمشق عام 1972.

وشرعت بتأسيس فرع لدار مكتبة العائلة بدمشق، وظلت تعمل على إدارتها حتى أحيلت إلى التقاعد، وفي الوقت ذاته تدير مكتب مجلس كنائس الشرق الأوسط بدمشق منذ تأسيسه وهي عضو في اتحاد الكتّاب العرب في سورية، كما أنها عضو في مؤتمر السلام المسيحي الدائم.

سُمّيت مديرة لمجلس كنائس الشرق الأوسط في عام 1980.

من مؤلفاتها وترجماتها: «وكان مساء» عام 1965، «الحركة الثقافية في العالم» عام 1966، «النجود البولونية المعاصرة» عام 1970، «حزب العمال البولوني الموحد» عام 1970، «بولونيا وقائع وأرقام» عام 1972، «نيقولا كوبرنيك» عام 1973، «القدس القضية» عام 1974، «الفن في القرن العشرين» عام 1976، «المعاهد الجامعية للتكنولوجيا» عام 1976، «الفن في القرن العشرين» عام 1977، «العصفور البشارة» عام 1979، «عالمنا الرائع في مغامرة الحياة» عام 1981، «بولونيا: عبقريات ورؤى» عام 2002، «سبقن عصرهن» عام 2016.

مكتبة العائلة

أسست الراحلة مكتبة العائلة في ساحة النجمة وأدارتها إلى عام 1997.

كانت المكتبة مجتمعاً ومكتبة لقاء، وقَّع فيها العديد من الأدباء والمفكرين العرب والأجانب كتبهم، إضافة لمعارض الكتاب التي كانت تقام في المكتبة بحضور شخصيات فكرية وأدبية.

تركت العمل بالمكتبة لأن وضعها الصحي لم يعد يسمح لها بمتابعة العمل، لأن العمل بالمكتبة يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين.

تكريمات

كانت الراحلة أول امرأة سورية تحصل على شهادة ترجمان محلف في اللغة الفرنسية عام 1974، وعلى وسام الاستحقاق الثقافي البولوني عام 1973 لدراساتها عن الموسيقار فريديريك شوبان وعالم الفلك غاليليو.

منحتها الحكومة الفرنسية وسام السعف الأكاديمي بدرجة فارس لجهودها في الترجمة.

كرّمها اتحاد الكتّاب العرب بكتاب عن حياتها بعنوان: «مهاة فرح خوري: مسيرة نبل وعطاء» صدر في دمشق عام 2005.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن