استعرت عنوان زاويتي هذه من فيلم مصري يحمل الاسم نفسه، لأنني سأتحدث عن دخول السجن بأوامر طبية وليس بأوامر عرفية.
تجد نفسك مكبلاً ومشدوداً بقوة إلى سرير جلدي، وإلى اليسار قربة قماشية تحيط بيدك اليسرى تنتفخ كل دقيقتين وتضغط بشدة على ذراعك فتقطع الدم عن يدك، وهذه مهمتها مراقبة ضغط الدم، وإلى اليمين مجموعة كابلات وخراطيم دقيقة أولها مزروع في الصدر وآخرها في جهاز إلكتروني يبعث أضواء ملونة: الأحمر والأزرق والبرتقالي والأخضر والأصفر والأبيض، كأنها تجسيد لتلون الناس واختلاف بعضهم عن البعض الآخر.
تعرف أنك في العناية المركزة التي كنت تشاهدها فقط في الأفلام والمسلسلات، في هذا السجن الإجباري والاختياري في الوقت نفسه يهرب النوم، فمن أين يأتي النوم وأنت وسط هذه الكابلات والخراطيم ومقياس الضغط وحوارات وأصوات مرتفعة بين المشرفين على أسرة العناية المركزة؟
تدرك أنك تمر بنوبة قلبية، ولنقل بجلطة قلبية، غريب: من أين تأتي الأزمة القلبية وحياتك يغمرها الفرح والسعادة وخالية كلياً من الأزمات والمشاكل اليومية التي يقولون إنها ترافق معظم الناس؟ لكنني أشك في ذلك، فالحياة حلوة، وبكرة أحلى!.
أمام هذه الحقيقة لم يبق أمامي سوى الاعتراف بأنني المسؤول الأول والأخير عن هذه الأزمة القلبية العابرة، أو المقيمة لبعض الوقت، فقد أتعبت قلبي وحملته أضعاف ما يحتمل، وتركت بواباته مفتوحة لكل وافد أو وافدة، فتحول إلى صالة واسعة تتسع جميع الوافدين.
مع أنني أعرف أن القلب ليس مركز الحب والمحبة وأنه مجرد مضخة ترسل الدم في كل الاتجاهات لتصل إلى كل أجهزة هذا الجسم العجيب، مع أني أعرف ذلك، إلا أنني مصر على مسايرة العشاق والاقتناع أن الحب ينبع من القلب ويصب في القلب وأن عذاب الحب يصيب القلب، هنا يتبرع الشعراء بنظم القصائد، وتأليف الأغاني التي تصف آلام الحب وعذاباته، ويا قلبي لا تتعب قلبك، قلبي ومفتاحه، ويا مالكاً قلبي، وهكذا تمتلئ المكتبات الإذاعية والتلفزيونية بمئات الأغاني العاطفية التي ترضي كل الأذواق.
حديثنا الآن ليس عن الحب والعشق والهوى، بل عن «سجن الترانزيت» الذي دخلت إليه بأوامر طبية، وهو محطة من محطات حياتي، فالحياة مجموعة من المحطات المتوالية، والقطار يسير بسرعته المعهودة، وعلينا أخذ العبر من كل محطة نتوقف عندها، لذا أرى أن العناية المركزة هي إحدى تلك المحطات ويجب أن أعرف كيف أفيد من عبرتها.
ربما في حياتي أتعبت هذا القلب، ولم أداره كما يجب، وأقدر الدور الذي يقوم به على مدار العمر ليحافظ على تدفق الثواني والدقائق والأعوام التي هي كل حياتي على هذه الأرض، واليوم لا أستطيع تصحيح الأوضاع وإعطاء القلب ما يستحق من الاهتمام والرعاية التي يستحقها، فمن الواضح أن التعب بلغ مداه، وربما ستكون هناك فرص لبعض الترميمات التي تمكنني من متابعة السفر في قطار العمر.
القصة لم تنته بعد، فمازال في العمر بقية يجب أن تعاش، وفي «الدواية» بقايا حبر تتوق إلى معانقة الدفاتر البيضاء، وفي المسرحية فصل أو فصول لم تكتب بعد، وبانتظار إسدال الستارة.