منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى قبل نحو 6 أشهر وتوحيدها العمل في جميع ساحات المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي، واظب رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزراؤه على القول إنهم يحاربون على 7 جبهات هي غزة والضفة الغربية ولبنان وسورية واليمن والعراق وإيران، إلا أنهم غفلوا عن الجبهة الثامنة وهي الحرب التي بدؤوا بخوضها ضد المستوطنين الذين ضاقوا ذرعاً بفشل هذه الحكومة المتطرفة التي لم تتمكن بعد أشهر طويلة من القتال من إنقاذ أسرى أو القضاء على فصائل المقاومة أو حتى منع إطلاق الصواريخ نحو المستوطنات.
وبشكل تدريجي بدأت هذه الجبهة تتوسع وتأخذ منحى عنفياً أكثر فأكثر ضد نتنياهو وحكومته المنقسمة على نفسها، وبعد أن كانت مجرد احتجاجات صامتة من ذوي الأسرى الموجودين لدى المقاومة في غزة، باتت اليوم حراكاً واسعاً ومنظماً يجوب شوارع المستوطنات الكبرى والمدن الفلسطينية المحتلة وينادي بإسقاط نتنياهو وإجراء انتخابات مبكرة والتوصل إلى صفقة فورية لإخراج الأسرى مهما كلف الأمر، حتى ولو كانت التكلفة برأي هؤلاء انسحاب جيش الاحتلال من غزة بشكل كامل ووقف دائم لإطلاق النار وهو ما تسعى إليه المقاومة حالياً كاعتراف بانتصارها وبالهزيمة الإسرائيلية.
نتنياهو ومجلس حربه المشكل من وزراء اليمين المتطرف قرر مواجهة هذه التظاهرات بالعنف لتبدأ معركته الحقيقية في الداخل المحتل والتي تأتي استمراراً لما سبق طوفان الأقصى، حيث ظلت الاحتجاجات تعصف بالكيان لعام ونصف العام محاولةً منع نتنياهو من تمرير مشروع قانون التعديلات القضائية قبل أن تصدم ضربة المقاومة في الـ7 من تشرين الأول الكيان كله وتوحده مباشرة خلف حكومته الدموية بعيداً عن أي صوت دبلوماسي يسعى لتجنب الحرب ودخول مفاوضات تعيد الأسرى من دون المغامرة باجتياح غزة والغرق في مستنقعها وخسارة التأييد الأعمى من المجتمع الدولي، إلا أن إدارة المقاومة للحرب بطريقة صحيحة رغم الهمجية الإسرائيلية وحفاظها على حياة الأسرى في حين كان القصف الإسرائيلي هو من يقتلهم وما نقله الأسرى الذين خرجوا في صفقة التبادل عن مشاهداتهم لحسن تعامل المقاومة معهم وحرصها على سلامتهم جميعها أمور غيرت المعادلة بشكل كامل، ودفعت الكثيرين للنزول إلى الشارع للمطالبة بصفقة تبادل أخرى تمنح فرصة الحياة لمن بقي في الأسر، إلا أن هذه المطالبة قوبلت بالرفض واستمرار القصف ما أدى لمقتل عدد كبير من الأسرى وثّقتهم المقاومة بالاسم وأكدت أنهم قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي لتثير سخط المستوطنين على نتنياهو وحكومته وتخلق جبهة لم يحسب لها الأخير حساباً وقد تكون هذه الجبهة هي من أهم المسامير التي تدق في نعش هذه الحكومة.
تعاظم الاحتجاجات أيقظ معارضي نتنياهو ضرورة استثمارها لمصلحتهم، ليحمّلوها إلى جانب المطالبة بصفقة فورية غير مشروطة مع المقاومة، مطالب أخرى كإسقاط نتنياهو والذهاب لانتخابات مبكرة، حيث أكد رئيس وزراء الكيان السابق والمعارض الحالي يائير لابيد في تصريحات وسط تظاهرة بالقدس المحتلة أن ما يهم نتنياهو شيء واحد فقط وهو البقاء في منصبه وتمسكه بكرسيه، وأن الذهاب لانتخابات مبكرة لن يشل «الدولة» فهي مشلولة الآن، وتأكيداً على هذا الطرح أعلنت 200 شركة إسرائيلية منحها إجازة للموظفين للمشاركة في الاحتجاجات، حيث إن مواصلة الحرب تسرع من انهيار الاقتصاد الإسرائيلي وبات التوصل إلى حل ضروري وحيوي لإنعاش هذا الاقتصاد، الأمر الذي يقف نتنياهو حائلاً في طريقه.
وإلى جانب تظاهرات ذوي الأسرى والمعارضة، خرجت إلى العلن بقوة احتجاجات أكثر تأثيراً يقودها «الحريديم»، أي اليهود المتدينون، الذين باتوا في مرمى التجنيد الإجباري لسد النقص الحاصل في الجيش إمعاناً من نتنياهو في مواصلة الحرب، وكل هذا لئلا يفقد منصبه عند توقف الحرب ويحال للتحقيق بتهم ليس آخرها الفساد، ما يعني نهايته السياسية بأسوأ الطرق الممكنة.
وَعلى اختلاف هذه الجبهة عن الجبهات السبع الأخرى المتحدة في العقيدة السياسية والهدف السامي وطريقة ضرب الكيان، إلا أن الجبهة الثامنة قد تكون الأشد خطراً على نتنياهو وحكومته المتطرفة التي في حال سقوطها سيعلن بشكل رسمي انتصار المقاومة، حيث ستضطر أي حكومة قادمة على الرضوخ لشروطها لاستعادة من بقي من الأسرى، وفي حال واصلت الحرب كنتنياهو، وهو احتمال ضعيف، فلا شك أنه سيكون للمقاومة النصيب الأكبر في حسمها لمصلحتها بعد تحقيقها الانتصار المعنوي الأهم وهو الإطاحة بنتنياهو وحكومته ودَبُّ الضعف وفقدان الثقة في قلب الجيش الإسرائيلي الذي أخفق في كل شيء سوى في قتل وجرح أكثر من 100 ألف من الأبرياء.