قضايا وآراء

أكبر من معركة بين حربين

| منذر عيد

لا يمكن قراءة العدوان الإسرائيلي الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق على أنه فيض ترف للقوة يعيشيه الكيان في المنطقة، فنوع الهدف المستهدف محمي وفق ميثاق القانون الدولي والأمم المتحدة.

العدوان جاء في وقت يغرق فيه جيش الاحتلال في رمال قطاع غزة، وتقبع جميع قيادات الكيان الصهيوني السياسية والأمنية والعسكرية وحتى المجتمعية والاقتصادية في زاوية العجز وعدم القدرة حتى الآن من الخروج من هول ومفاجأة عملية طوفان الأقصى رغم مضي 179 يوماً عليها، بما يشي بأن ثمة أهدافاً يبتغيها ذاك الكيان من ورائه، وبأن وراء الأكمة ما وراءها.

يمكن قراءة العديد من المؤشرات، والخوض في كثير من التحليلات، وفي عمق العدوان والأسباب التي دفعت برئيس الكيان بنيامين نتنياهو والقادة العسكريين للإقدام على فعل جريمة تعد سابقة، وتجاوزاً صريحاً لقواعد الاشتباك، التي لطالما كانت حاضرة دائماً بشكل أو آخر في جميع المواجهات بين الكيان الصهيوني والمقاومة سواء في لبنان أم فلسطين، كما أنه يعتبر في طبيعته، ومآلاته المتوقعة أكبر من معركة بين حربين.

بعد جميع المواقف الأممية سواء الصادرة عن محكمة العدل الدولية، أو مجلس الأمن، والتي تدعو بشكل صريح الاحتلال الإسرائيلي إلى وقف عدوانه على قطاع غزة، والتوقف عن القيام بمجازر إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، إلى العدوان على القنصلية الإيرانية وارتقاء شهداء، فإن ذلك إثبات على انفلات الكيان من عقال الشرعية، التي لم يقم لها وزناً يوماً من الأيام، وإعلان رسمي عن بدء مرحلة جديدة من العدوان على جميع دول المنطقة، وفق قاعدة اشتباك بلا قواعد، وإصرار من نتنياهو على المضي قدماً وفق مبدأ «إما قاتل وإما مقتول».

استهداف الاحتلال الإسرائيلي المدنيين والمباني الدبلوماسية في سورية، والمشافي ومقار الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية في قطاع غزة، ليكون مجمع الشفاء الطبي شاهداً حياً على إجرام الاحتلال بحق الإنسانية، ليس سوى محاولة من نتنياهو على التغطية على هزائمه، واستعادة هيبة جيشه التي مرغت في تراب القطاع، كما أنه محاولة لتعويض الفشل وعدم تحقيق الإنجازات الإستراتيجية، الأمر الذي أكد عليه الحرس الثوري الإيراني في بيان أن العدوان جاء «عقب هزائم الكيان الصهيوني الوحشي التي لا يمكن ترميمها أمام المقاومة الفلسطينية وصمود سكان غزة والهزيمة أمام الإرادة الفولاذية لمقاتلي جبهة المقاومة الإسلامية في المنطقة».

العدوان الصهيوني على دمشق واستهداف القنصلية أول من أمس، ومن قبله العدوان على محيط العاصمة السورية، وعلى ريف حلب لم يكن ليتم إلا بضوء أخضر أميركي، وهذا الأمر نتاج قناعة مشتركة إسرائيلية أميركية، بأنه من الصعب بمكان هزيمة المقاومة الفلسطينية واللبنانية ودول محور المقاومة، وفق مفرزات الميدان، وعليه فإن جملة الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية واستهداف شخصيات إيرانية، إنما يشكل بلورة لقيام الكيان وواشنطن بالتصعيد وفتح جبهات جديدة، ربما تم تداول الموضوع بين الجانبين عقب سلسلة من الزيارات التي قامت بها وفود إسرائيلية إلى الولايات المتحدة وكان آخرها زيارة وفد برئاسة كل من وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، ورئيس «مجلس الأمن القومي» تساحي هنغبي.

ليس بالمبالغة الحديث بأن الكيان يعيش أزمات عديدة، من خسارة قدرة الردع التي كان يتبجح بها، لحماية مستوطنيه، وهو ما يعكسه خلو المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة من ساكنيها، بفعل ضربات حزب اللـه المساندة للمقاومة والشعب الفلسطيني في غزة، إضافة إلى هروب قرابة ربع مليون من سكان مستوطنات غلاف القطاع، وفي توصيف الوضع لما يكابده الاحتلال شمالاً نقلت قناة «بي بي سي» عن أحد الجنود الصهاينة من محرسه في بلدة المطلة المحتلة مشيراً بإصبعه فوق الخريطة إلى الحدود، ومواقع حزب الله، وقال: «إلى الغرب ربع ميل، وإلى الشمال نصف ميل، ونصف ميل آخر إلى الشرق، فنحن محاصرون بحزب اللـه بزاوية 300 درجة»، ومن نافلة القول: إن في ضوء جميع تلك المآزق التي يعيشها الكيان، فإنه ليس أمام نتنياهو خيار سوى تفجير نفسه والمنطقة للهروب من رؤية حفل النصر الذي ستقيمه فصائل ودول محور المقاومة قريباً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن