قضايا وآراء

سورية وإيران شركاء في المقاومة والشهادة

| محمد نادر العمري

في الوقت الذي تعلن فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي ومن خلفها حكومة اليمين المتطرفة ومجلس الحرب المنقسم على نفسه الانتصار على إرادة جدران مشفى الشفاء، مرتكبة به أبشع صور الانتهاكات الجسيمة ضد البشر والحجر وفق ما كشفته الصور والفيديوهات التي نشرتها وسائل الإعلام وسط صمت دولي صارخ، أقدمت طائرات الاحتلال على شن عدوان جديد على الأراضي السورية، هذا العدوان ليس بجديد ومن المرجح أنه لن يكون الأخير، إلا أنه شكّل تطوراً واضحاً نتيجة عدة اعتبارات تتمثل في أربعة أضلاع متوازية من حيث التوقيت السياسي لهذا العدوان، وكذلك رمزية المكان المستهدف، إلى جانب الشخصيات الذين تم استهدافهم خلال العدوان ودورهم المؤثر في طبيعة الصراع الإقليمي، وما رافق ذلك من ضخ كبير للمعلومات المغلوطة من قبل الجانب الإسرائيلي لتبرير عدوانه فضلاً عن المسارعة للإعلان عن التنسيق مع الإدارة الأميركية لشن هذا العدوان وأبعاد ذلك.

ولكن قبل التحدث بشكل مفصل عن هذه النقاط، كان واضحاً الإرادة المبيتة للاحتلال الإسرائيلي في تصعيد اعتداءاتها على سورية خلال اليومين السابقين اللذان سبقا استهداف مبنى القنصلية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في دمشق، إذ بلغ عدد هذه الاعتداءات خلال يومين خمسة اعتداءات، لتتجاوز بذلك الثلاثين منذ بدء العام الجاري، وأكثر من 72 عدواناً منذ عملية طوفان الأقصى، حيث يعود هذا التصعيد من تدمير لمخازن السلاح الخاص بالجيش العربي السوري أو مواقع الدفاعات الجوية أو استهداف المستشارين الإيرانيين وكبار قادة فيلق القدس المتواجدين في سورية بما في ذلك ما حصل مؤخراً، لتحقيق عدة غايات، منها ما هو متعلق بالأهداف الشخصية لرئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو فيما يتعلق بوضعية الحكومة اليمينية والتعبير عن توجهاتها الإيديولوجية المتطرفة، أو فيما يتعلق بوضعية التوزان والاصطفافات الإقليمية والدولية، وبالتالي يمكن تفنيد هذه الأهداف وفق الآتي:

أولاً- العدوان الأخير ضد مبنى القنصلية وما سبقه من تصعيد واضح في طبيعة الاعتداءات قد تكون بهدف يسعى إليه نتنياهو لجر المنطقة نحو تصعيد يخفف الضغط الداخلي والخارجي عليه من جانب، ويتمكن من خلاله نسف أي محادثات غير مباشرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأميركية لمنع التوصل لأي اتفاق لا يوائم المصالح الإسرائيلية وفي انتظار عودة المرشح الجمهوري دونالد ترامب للسلطة مجدداً من ناحية أخرى، ولجر الغرب ولاسيما القوات الأميركية لخوض حرب بالوكالة ضد محور المقاومة من ناحية ثالثة، وبذلك يكون نتنياهو في حال تحقق ذلك قد ضمن من تصدير أزماته الداخلية بعد إخفاقه من تحقيق الأهداف التي تبناها في غزة وكذلك خفف الضغوط عليه وضمن بقاءه على رأس السلطة.

ثانياً- الاعتداءات المستمرة ضد الجغرافية الإقليمية وخاصة السورية تنصب في سياق الإيديولوجية التي يتبناها الصهاينة عموماً واليمين بشكل خاص في استهداف أي قوة مناوئة للكيان بهدف إضعافها لضمان استمرار التفوق الصهيوني على مستوى المنطقة، فمن خلال تصعيد العدوان يسعى الائتلاف الحكومي لضمان صوت الناخبين وزيادتهم من خلال مزاعمهم وادعائهم بتحقيق إنجازات ولو كانت إعلامية.

ثالثاً- في حال توسع نطاق الصراع على مستوى المنطقة فإن حجم الضغوط الداخلية والخارجية على حكومة الاحتلال ستخف ولو بمقدرات نسبية، ولاسيما جبهة الداخل التي ستضطر للتحالف والتكتل الداخلي لحماية الكيان، وكذلك دفع الدول الغربية لتقديم كل أشكال الدعم لإسرائيل لضمان أمنها والحفاظ على دورها.

وبالعودة للأضلاع الأربعة التي تؤكد خطورة العدوان الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية، وربما قد لا يكون فقط تجاوز لقواعد الاشتباك والخطوط الحمر بل هو أكثر بكثير من ذلك لعدة أسباب نظراً للنقاط التالية:

أولاً- إسرائيل من خلال ما قامت به هي وجهت عدواناً مباشراً للجمهورية الإسلامية الإيرانية لكون القانون الدولي واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 في موادها من 31 حتى 38، وكذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمنع ومعاقبة الجرائم ضد المحميين بالقانون الدولي والاتفاقية الدولية لمكافحة الإرهاب الموقعة 1999، تنص جميعها إلى جانب الحصانات المتفق عليها للدبلوماسيين والمقرات الدبلوماسية، فإنها تتضمن أيضاً على أن هذه المقرات هي تشكل جزءاً من سيادة وأرض الدول صاحبة المقرات الدبلوماسية، وبالتالي فإن السفارة الإيرانية في دمشق تعد جزءاً من السيادة الإيرانية كما هو حال السفارة السورية في طهران، لذلك يمكن القول: إن إسرائيل تجاوزت الخطوط الحمر وقواعد الاشتباك لكون ما ارتكبته أكبر من العملية التي شنتها القوات الأميركية أثناء اغتيال اللواء قاسم سليماني التي حصلت في الأراضي العراقية، حيث إن العدوان استهدف موقعاً دبلوماسي وأدى لاستشهاد قياديين عسكريين ودبلوماسيين على حد سواء.

ثانياً- من حيث التوقيت السياسي فإن العدوان جاء بعد أقل من نصف يوم من تمكن الفصائل العراقية من إطلاق مسيرات متطورة وصلت لتجمعات عسكرية في إيلات، وبالتزامن مع إخفاق المفاوض الإسرائيلي من فروض شروطه على المقاومة الفلسطينية في ظل ازدحام الجبهات الداخلية الضاغطة على حكومة نتنياهو، والأهم من ذلك بعد أيام قليلة من تسريب معلومات أرقت دماغ القيادة الإسرائيلية لكونها تفيد بوجود محادثات غير مباشرة بين طهران وواشنطن.

ثالثاً- ومن حيث طبيعة الشخصيات المستهدفة فإن الشهداء السبعة الذين سقطوا وفي مقدمتهم قائد قوة القدس في سورية ولبنان الشهيد اللواء محمد رضا زاهدي، هم شخصيات بارزة ومؤثرة وفاعلة على صعيدين: الأول نتيجة دورهم في محاربة الإرهاب وخاصة الداعشي المصدر غربياً لاستهداف دول المنطقة، والصعيد الثاني المتعلق بالدور الذي لعبه القادة الشهداء ومن قبلهم اللواء قاسم سليماني في تدريب وتجهيز فصائل المقاومة في لبنان وفلسطين الأمر الذي يتلمسه ويعاني مرارته هذا الكيان.

رابعاً- وهي من النقاط الطارئة وتتمثل في شقين، الشق الأول الخاص بإعلان مصادر مقربة من نتنياهو أن الإدارة الأميركية على علم بهذا العدوان، وهذا الإعلان له منحيان الأول قد يكون صحيحاً يعكس حقيقة الشراكة الاستراتيجية الإسرائيلية- الأميركية على المستوى الأمني، والمنحى الثاني محاولة إسرائيلية لإحراج إدارة بايدن وتعميق الخلاف بينها وبين طهران، أما الشق الثاني الكامن في الشائعات المتتالية التي سربتها وسائل الإعلام الإسرائيلية منها ما هو متعلق بانتظار خروج القنصل للقيام بهذا العدوان، أو أن العدوان استهدف اجتماعاً بين القادة مع ممثلي حركة الجهاد وغيرها، مثل هذه الإشاعات من المؤكد أن إسرائيل روجت لها لتبرير عدوانها على المقر الدبلوماسي لتفادي أي مسؤولية أمام المنظمات الدولية من ناحية، وللإيحاء بأن لها أدوات تجسسية داخل سورية في محاولة منها لإيجاد خلاف وفك الارتباط الاستراتيجي بين سورية وإيران على كل المستويات، وهو الأمر الذي تتبعه حكومة الاحتلال حتى على مستوى الداخل الفلسطيني وخير دليل على ذلك توريط رئيس المخابرات الفلسطيني بتجنيد عناصر في غزة للقيام بأعمال تخريبية وتجسسية.

العدوان لن يمر مرور الكرام بالنسبة لإيران وسورية وباقي المحور والمؤكد سيكون هناك رد حتمي، ولاسيما أن السكوت أو تأخير الرد سيدفع إسرائيل لارتكاب المزيد من الحماقات، الأمر الذي يضعنا أمام عدة سيناريوهات للرد، من بينها الرد العسكري الإيراني المباشر على قوات الاحتلال الإسرائيلي وهو ما قد يستغله نتنياهو للقيام برد مضاد وتوسعة رقعة الصراع، وقد يكون الرد من خلال عودة تفعيل استهداف القواعد الأميركية بسورية أو مقرات الموساد في كردستان العراق وقد يكون من خلال إحدى جبهات محور المقاومة وليست جبهة الجولان ببعيدة عن ذلك.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن