من دفتر الوطن

عيننا الثالثة

| حسن م. يوسف

ثمة سلسلة من الأسماء تطل بين وقت وآخر من أعماق ذاكرتي أسميها (سلسلة الحسرة)، وهي تضم أسماء أشخاص متميزين كنت قد خططت لإجراء حوارات صحفية معهم، حال دون تحققها التسويفُ، إلى أن سدَّها (هادمُ اللذات ومفرقُ الجماعات). ها أنذا أستعرض السلسلة الآن؛ يوسف حنا، محمد الماغوط، خالد تاجا، محفوظ عبد الرحمن، عادل محمود، حكيم مرزوقي، قمر الزمان علوش… وآخر الحسرات الموسيقار العراقي المجدد كوكب حمزة.

أصارحكم أنني أرجئ كتابة هذه الزاوية منذ أشهر تحت وطأة مأساة غزة والظروف المرة التي نمر بها، لكن السبب الحاسم للتأجيل هو أن الزميل ميشيل خياط كان في كتاباته وتعليقاته يطنب في مديحي ويعطيني أكثر من حقي، ولهذا لم أعطه حقه في الدفاع عنه، كي لا يشعر القارئ بأنني والزميل ميشيل من بيت فستق الذين يتملقون بعضهم، بمناسبة وبلا مناسبة! غير أني حسمت أمري اليوم، وقررت الكتابة عن الزميل الإعلامي ميشيل، خشية أن تنضم ظلامته لسلسلة الحسرة التي تخرش ذاكرتي وتثقل قلبي.

القصة وما فيها أن إذاعة دمشق قررت قبل بضعة أشهر إيقاف البرنامج الأسبوعي «قضية بيئية» الذي كان يعدَّه ويقدمه الإعلامي الأستاذ ميشيل خياط منذ ثمانية عشر عاماً. صحيح أنه لكل ما يبتدئ نهاية، لكن شكل النهاية الذي اختارته إذاعة دمشق لبرنامج الأستاذ ميشيل جاء صادماً، لأن الإدارة لم تكلف نفسها عناء الاتصال به وإبلاغه إيقاف البرنامج، ولهذا لم يعلم بالأمر إلا بعد ستة أشهر من اتخاذ القرار. حاول الزميل ميشيل أن يبلغ ظلامته للمعنيين وهو على ثقة بأن شكواه ستلقى أذناً مصغية، لأنه يتعاون مع الإذاعة من خارج الملاك منذ ثلاثة وأربعين عاماً، لكن المعنيين لم يستقبلوه! ولهول شعوره بالصدمة، أصيب الزميل ميشيل بأزمة قلبية حادة نجا منها بأعجوبة!

صحيح أنني عملت في الصحافة أكثر من نصف قرن غصت خلالها عميقاً في هموم الناس، إلا أنني كنت و ما أزال أغبط الزميل ميشيل خياط على انغماسه في الواقع، وقدرته على التأثير فيه بشكل مباشر، فتحقيقاته الصحفية الميدانية كانت لي بمنزلة عين ثالثة أرى من خلالها أهم القضايا البيئية في مختلف أنحاء سورية.

عندما بدأ مشروع معمل إسمنت طرطوس، رثى ميشيل خياط آلاف أشجار الزيتون التي ستقطع والبيئة الجميلة التي ستلوث. ومن خلال تحقيقاته علمنا بمشروع آبار الضخ العمودي دائمة التشغيل، لإيقاف زحف الملوحة على 125 ألف هكتار من أراضي دير الزور الزراعية الخصبة. ومن خلال متابعاته عرفنا قصة إحياء نهر قويق وكيف «ربحت حلب نهراً في وقت تخسر فيه الكثيرُ من المدن أنهارها».

لقد أسهمت كلمات ميشيل خياط في تحويل أكثر من مئة مجرور عن نهر بردى، وجر مياهها الملوثة إلى محطة عدرا للمعالجة حيث يجري تحويلها لمياه صالحة للسقاية. كما كانت تحقيقات ميشيل خياط طوال نصف القرن الماضي شريكاً أصيلاً في الدفاع عن البيئة السورية وصحة الإنسان السوري.

فتحية له.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن