شؤون محلية

عودة الروح لسكن الأجيال

| ميشيل خياط

احتفينا بما قرأنا عن تسوية أوضاع المكتتبين على السكن الشبابي والعمالي المتخلفين عن تسديد الأقساط المترتبة عليهم لمدة ثمانية أشهر متصلة وما فوق، خلال الأشهر الأربعة القادمة، لأننا كنا نشرنا في هذا المنبر من جريدة الوطن السورية في 3تموز 2022 مناشدة استناداً إلى شكوى من سيدة في بلدة السودا في محافظة طرطوس، تمنت في سياقها، ألا يرقن قيد من اكتتبوا على السكن الشبابي، لعلة الامتناع عن تسديد الأقساط، نظراً للظروف الرهيبة التي عانى منها الناس في سورية، مع الحرب وويلاتها ومع الغلاء وأوجاعه، ومع الحالة الغرائبية التي عصفت بالسكن الشبابي في طرطوس بشكل خاص واستثنائي، إذ استعصى على الدولة تأمين الأرض لأبنية 3500 مكتتب، ما أشاع اليأس في نفوس عدد غير قليل من المكتتبين «200 تقريباً» وظنوا أنه لن تقوم لذاك السكن قائمة، فامتنعوا عن تسديد الأقساط ثم فوجئوا أن قيودهم شطبت وأنهم فقدوا تلك الفرصة الثمينة.

حقاً إن القرار أكبر بكثير من الرأفة، وصون مدخرات، خفض التضخم المالي قيمتها، وإعادة الحق إلى مستحقيه، كما أنه على الصعيد الوطني، استعادة لأمل امتلاك مسكن للأجيال القادمة، علماً أننا جميعاً ندرك أن البيت حياة وأن لا حياة ولا أسرة ولا عمل من دون مسكن.

وقد يقال لماذا…؟ وما الذي يميز هذا السكن، ويجعل منه أملاً للأجيال، في هذه الظروف التي ازدادت صعوبة على السكن بشكل خاص، فغدا المسكن أكثر من حلم بكثير…!!.

باختصار شديد جداً، طرح المشروع كسكن شعبي في العام 2002، بمساحة تتراوح ما بين 60 إلى 80م2، فرأينا فيه سكنا للعوائل الشابة، ريثما تكبر فتنتقل إلى بيوت أوسع.

وتمنينا على الأستاذ عمر غلاونجي المدير العام السابق للمؤسسة العامة للإسكان في ذلك الوقت، قبول جميع المكتتبين، طالما أن نياتهم صادقة، وقد سددوا السلفة المطلوبة وتعهدوا بالالتزام بشروط المؤسسة.

ولقد حفزنا على ذلك، أن المؤسسة آنذاك، كانت قد نجحت في إنجاز مشروعها المهم- الادخار من أجل السكن- في موعده المحدد.

أضف إلى ذلك أن قبول الجميع يحقق عدلاً مثالياً، وينأى بالاكتتاب عن الازدحام والتدافع البشع للوصول قبل الآخر والظفر بالفرصة الثمينة.

واجتهد الرجل وحصل على الموافقة المطلوبة، وتم قبول 25 ألف مكتتب هم جميع ممن تقدموا للمرحلة الأولى، بدلاً من 15 ألفاً.

بدا المشروع كأعجوبة في حياة ذوي الدخل المحدود «سلفة بسيطة 10 آلاف ليرة للتسجيل، ومدة إنجاز معقولة خمس سنوات، وقسط شهري بسيط ألفا ليرة شهرياً وقرض تحصل عليه المؤسسة باسم المكتتب، يسدد على 25 سنة ويشكل 30 بالمئة من سعر البيت، وهو سعر التكلفة زائد 5 بالمئة أجور إدارية أي من دون أرباح، هي سر غلاء البيوت».

ويمول صندوق الدين العام، أعمال البنى التحتية الخدمية للمشروع من دون فوائد، فإذا بضواحيه المنتظرة جنة اللـه على الأرض.

وتم بالفعل تسليم شقق المحظوظين الأوائل خلال أقل من خمس سنوات، وحظيت السمعة الحسنة للمشروع بشغف عدد كبير من الناس فتم فتح باب الاكتتاب مرة ثانية في العام 2005 وكبر عدد المكتتبين إلى 64 ألف مكتتب في كل المحافظات السورية.

لم تكن كل الصعاب التي واجهت المشروع لاحقاً، بسبب الحرب الجائرة على سورية، وهذا الموضوع جدير ببحث خاص.

ما يهمنا الآن أن الباب فد فتح مجدداً على هذه النعمة، فادخلوه.

وهذا الإجراء سينعش مجدداً، حلم الحصول على بيت بمساعدة حكومية وبسعر لا تلهبه الأرباح الفاحشة.

وما من سبيل آخر، فقرار السوريين أن يستمروا وأن يصمدوا وأن يعيشوا، وهم بحاجة إلى بيوت جديدة، طبعاً بشروط ملائمة للواقع الراهن وحجم القرض ومدته، وهذا كله ممكن عندما تتوافر إرادة المساهمة في شق الطريق أمام الشباب لتأسيس حياتهم، ضمن بيت، وفي سياق قناعة، إن البيت ليس ترفاً استهلاكياً وإنما هو جزء لا يتجزأ من وسائل الإنتاج، لأن الإنسان وحده بين كل الكائنات، لا يعيش ولا يبني عائلة ولا يساهم في الإنتاج الوطني بكل أشكاله دون منزل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن