قضايا وآراء

تزايد الدول المؤيدة لبكين في آسيا على حساب واشنطن

| تحسين حلبي

يبدو أن أقدار هذا الكون خلقت للدول الاستعمارية التاريخية في أوروبا منافساً مثل روسيا التي تستند في سياستها منذ ثورة تشرين الثاني الشيوعية عام 1917 على دعم الشعوب المناهضة للاستعمار وتأييد حريتها واستقلالها، وبقيت هذه المعادلة قائمة حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والدول الشيوعية في أوروبا عام 1991، وبقي الصراع بمختلف أشكاله مستمراً بين أوروبا وروسيا حتى وصل الآن إلى المجابهة العسكرية بين روسيا وأوروبا في أوكرانيا، وفي القارة الآسيوية تحولت الصين الشعبية بعد تحررها من الاستعمار الأوروبي والأميركي، إلى دولة كبرى في كل مجالات وعوامل قوة القوى الكبرى، وكان من الطبيعي أن يتولد صراع بين الولايات المتحدة الامبريالية وبين الصين الشعبية التي استندت في سياستها الخارجية إلى دعم شعوب آسيا للتحرر من الاستعمار، وبدأ هذا الصراع يتخذ أشكالاً اقتصادية وسياسية إلى أن وصل إلى درجته الحرجة في احتمال وقوع مجابهة عسكرية بين واشنطن وبكين على موضوع تايوان الصينية ووحدتها الطبيعية مع الوطن الأم في اليابسة الصينية.

وأصبح التحالف بين بكين وموسكو ضد السياسة الأميركية يمتد على قارتين حيث توجد أوروبا وحلف الأطلسي الذي تقوده واشنطن وعلى قارة آسيا التي شكلت واشنطن مع عدد من دولها تحالفات نشرت فيها قوات أميركية مدفوعة الأتعاب مثل كوريا الجنوبية واليابان اللتين تدفعان سنوياً ما يزيد على 14 مليار دولار ثمن هذه الحماية، ومنذ الحرب الأوروبية على روسيا في أوكرانيا أصبح جدول العمل الدولي بين القوى الكبرى يتأرجح بين احتمالين إما وقوع حرب بين هذه القوى أو اتفاق على إعادة صياغة قواعد النظام العالمي بما يحقق التوازن بين دوله الكبرى والإقليمية وبشكل ينهي وجود ما بقي من نظام الهيمنة الأميركية في العالم، وظهر مع تطورات هذا الواقع العالمي، أن التحالف الروسي الصيني والدول الإقليمية التي تستند لتأييده مثل كوريا الديمقراطية وفيتنام وإيران، بدأ يحقق انتصارات نسبية بالنقاط على جبهة الغرب الامبريالية، وفي استطلاع للرأي أجراه مركز أبحاث في سنغافورة في الرابع من نيسان الجاري حول نسبة النفوذ والتأثير التي حققتها الصين في آسيا تبين أن 51 بالمئة من الدول في جنوب شرق آسيا تعرب عن الوقوف إلى جانب الصين وتفضيلها على الولايات المتحدة، علماً أن هذه النسبة بلغت في العام الماضي 39.5 بالمئة تقريباً، وهذا ما يؤكد تعاظم نسبة المؤيدين للصين، وتبين أن 60 بالمئة تقريباً من دول تلك المنطقة تعد الصين أكثر أهمية ونفوذاً من الولايات المتحدة في المجال الاقتصادي على الرغم من قلق بعض الدول من تزايد النفوذ الاقتصادي الصيني، ولا شك أن الصين تدرك أن هذه الدول الآسيوية مثل فيتنام وتايلاند وماينمار تفضل أن تحافظ على الطبيعة المتنوعة لعلاقاتها الاقتصادية التي تتيح لها التعاون مع الاقتصاد الغربي والصيني بشكل متوازن، ولذلك تنتهج الصين سياسة التعاون من دون أي ضغوط تؤثر في استقلالية التوجه الاقتصادي لدول آسيا، وهذا ما يقلق الولايات المتحدة التي تدرك مدى خسارتها على حين تتخذ دول آسيوية سياسة التعاون مع الصين لأن هذه الدول تجد مصلحتها مع هذا التعاون وما يشكله من فرص لا تجد مثيلاً لها عند الولايات المتحدة أو أوروبا، ولذلك بدأت واشنطن ودول حلف الأطلسي بتحريض دول مثل الفيليبين، على اتخاذ سياسة استفزازية تجاه الصين في منطقة البحر الصيني، وبالطريقة نفسها التي حرضت واشنطن فيها أوكرانيا لتجعل منها جبهة حرب ضد روسيا لا تزال واشنطن تحاول تحريض الهند الجارة الكبرى للصين لخلق نزاع لا مبرر له بين الدولتين الكبريين في آسيا، كما بدأت واشنطن تشعر بالأخطار التي تشكلها الدول الإسلامية الآسيوية بسبب الدعم الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل وتشارك معها عملياً في الحرب ضد الشعب الفلسطيني بقطاع غزة وتهديد المقدسات الإسلامية في مدينة القدس، ويذكر أن عدد المسلمين في آسيا يزيد على مليار ونصف المليار من دون حساب الدول العربية الآسيوية وهي تشكل ثالث قوة بشرية كبرى بعد الصين والهند في القارة الآسيوية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن