دعوة للحب والانتماء لـ«الوطن» والحفاظ على قدسيته … حب بين الحقيقة والوهم.. رواية تبحث عن الحب والاستقرار بعيداً عن المخاوف
| مصعب أيوب
ضمن مشروع الطباعة والنشر المشترك بين اتحاد الكتاب العرب في سورية والاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق صدرت رواية جديدة للأديبة وحيدة منى حملت عنوان «حب بين الحقيقة والوهم».
هواء عليل
بساطة الريف وجمال السهرات كانا طاغيين على سير حكاية الرواية، ومقارنة ذلك مع المدن الصاخبة التي تفتقد الجمال والرهافة والهواء النقي والطبيعة وما إلى ذلك، ففي القرية الجو يولد الشاعرية والهواء العليل يلهم الإحساس المرهف، كما أن ساكني الأرياف متصلون وملتصقون بالأرض بشكل أو بآخر ويأكلون الخضر والفواكه الطازجة.
عراقة وانتماء
اعتادت الكاتبة القيام برحلات ترفيهية برفقة صديقاتها وأن تمضي معهن وقتاً ممتعاً في ربوع الطبيعة الجمة بالقرب من شاطئ البحر، فقد كانت جلساتهن ورحلاتهن في كل مرة تتمحور حول موضوع ما، بعضها حول مغامرات الفتيات وبعضها حول الارتباط وبعضها حول أعمال المنزل وكذلك عن الصفوف الدراسية والتحصيل العلمي، كما أن وحيدة منى تغنت بجمال مدينتها جبلة وبانتمائها إليها بحيث تربت بين أحضانها الخضراء وعلى شاطئها، وتفخر بها وبعراقتها التاريخية ولاسيما بسبب وجود دور عبادة مهمة وأثرية فيها إضافة إلى ميناء السفن.
حب مسؤول
كل إنسان يبحث عن الحب والاستقرار ويحتاجه كما احتياجاته الأخرى جميعها، فتطرقت الكاتبة إلى الحب بأشكاله وإلى آثاره وأسبابه وتبعاته، وإلى تخوف بطلات حكاياتها من الغوص فيه تجبناً للتعذب بأشواقه وآهاته، فواحدة تخشى الارتباط لأنه مسؤولية وبحاجة إلى عقلانية ولكن الحب يعمي القلوب، لتجيء أخرى وتقنعها بأن الحب قارورة عطر نتعطر بعبيرها وتمنحنا القوة والدفء والاستقرار، كما أن للعشاق مواهب متألقة في بحور الشعر.
الحب الطاهر لا يكتب له الخلود
أشارت وحيدة في صفحات روايتها إلى حكاية إحدى الفتيات التي ارتبطت بأحدهم في علاقة خطوبة تقليدية بعد أن انقطع أملها من عودة مَن أحبت من السفر من أجل التقدم لخطوبتها، وتعزو قبولها إلى أن جميع أقرانها تزوجن فلما تنتظر هي؟ ولكنها ترتبط عن غير قناعة، فأحياناً يأخذ المرء قراراً ضد رأيه رغم معرفته بعواقب الأمور، فتحكي الكاتبة عن ضياعها وخوفها وشعورها بالتخبط بين الأمواج التي تتقاذفها من دون منقذ، تتأفف من حيرتها ووساوسها، ولا تدري إن كانت تساير خطيبها أم تساير نفسها، فهي ترى أحياناً الخطوبة قيداً للنفوس وتعتبر الزواج بداية للمعركة، فتحار في أمرها لأنها قبلت بعرض الارتباط للتخلص من واقعها الاجتماعي الأسري والأجواء المشحونة بالأصوات الصاخبة وإلحاح العائلة عليها في سبيل التفرد في بيت لا يسكنها سوى هي وزوجها، وقد زاد الأمر سوءاً عودة عشيقها من سفره واللقاء به مصادفةً ليزيد ارتباكها وتشعر بالذنب العظيم الذي اقترفته بعد تسرعها في قرار الارتباط، لتعود ثانية وتهون على نفسها بأنه هو من انقطع وهو ما أخلف.
اختلاف فكري وعمري
اعتمدت الكاتبة في روايتها الكلمات البسيطة والعبارات السهلة والمفهومة والواضحة وكذلك الأمر فيما يخص البناء العام لخطوط حكاياتها العريضة، فانطلقت من أصغر تفاصيل الأسرة من السرير والقلم ووعاء الطبخ وتحضير الإفطار ودعوة أفراد الأسرة، ونوهت بعلاقة الأم بأبنائها الذين يتلقون تعليمهم الأساسي والثانوي وتشير إلى الضغوط الممارسة على الأم والسعي المتواصل لتقدم للأبناء أفضل ما عندها، وتصور لنا بعض الخلافات الطفيفة الخفيفة التي تحصل بين الأخوة أو بين الأم والأبناء، ولاسيما أن معظم الأبناء دون الـ١٨ وغير مدركين لتصرفاتهم وقراراتهم وبالتالي يقعون في جدالات كثيرة بين بعضهم البعض وبين أمهم بسبب الاختلاف العمري الذي ينجم عنه الاختلاف الفكري بالطبع، ولكنها مهاترات لطيفة سرعان ما تندثر وتتلاشى.
دعوة للحب
وقد أشارت منى في المؤلف الذي ينتمي إلى القطع الصغير إلى علاقة العائلة بالجيران وأهل الحي، فمعظم السيدات هن ربات منازل، ويزرن بعضهن البعض صباحاً ومساء وفي أوقات الفراغ وبعد انتهاء مهام تنظيف المنزل لتناول القهوة وتجاذب أطراف الحديث فيما يخص ارتباط الفتيات ودراستهن ويومياتهن، ومن تلك السيدات مَن تبرعت في قراءة الفنجان وأخرى تبرعت في تقصي شم روائح الطعام وثالثة يشغلها أن تفرح بابنتها وتزوجها وما إلى ذلك.
ففي الرواية دعوة للحب والتلذذ بالطبيعة الخلابة، وإضاءة جميلة على الحب الطاهر وسموه وعظم شأنه ورسالته السامية، فقدمت لنا منى وجبة أدبية وفكرية لطيفة وخفيفة تسر المتلقي وتداعب عواطفه وتهمس في آذان قلبه أجمل الكلمات وأبهى الجمل، كما تسلط الرواية الضوء على الوطن وقدسيته وكرامة الفرد وعلو شأنه وضرورة تعزيز الانتماء الوطني والرفض التام لأي اعتداء.