قضايا وآراء

مجلس الأمن.. لا لعضوية كاملة لفلسطين

| عبد المنعم علي عيسى

كان مؤتمر «مدريد للسلام» المنعقد خريف العام 1991 محاولة لإيجاد حل شامل للصراع الدائر في المنطقة منذ انزراع إسرائيل بين ظهرانيها العام 1948، والمحاولة بدورها حدثت في أعقاب نهاية الحرب التي عرفت بحرب «تحرير الكويت» التي كانت تحت قيادة أميركية وشارك فيها طيف واسع من البلدان العربية التي ارتأت في الغزو العراقي للكويت خطوة من شأنها أن تؤسس لطبيعة علاقات مستجدة من النوع الخطر الذي يمكن له، فيما لو نجح، أن يضيف قتامة على المشهد العربي الذي لم يكن يلزمه الكثير من هذه الأخيرة لكي تتضح معالم السواد التي اتشح بها، المشهد، رغم كل المحاولات الرامية لإضافة زراكش من هنا، وزخارف من هناك، لتحسين الصورة.

شكل المؤتمر فرصة سانحة لتعديل ميزان القوى القائم بين العرب وإسرائيل، والمختل بدرجة واضحة لمصلحة هذه الأخيرة، لكن سرعان ما تكشف أن ثمة رهاناً فلسطينياً كان يقول إن من شأن التفاوض المباشر بين طرفين أن يخلص المفاوض الفلسطيني من «الحمولات» التي تفرضها المفاوضات تلك التي يتم التنسيق فيها بين دول الطوق مجتمعة، هذا الرهان هو الذي أفضى للتوقيع على «اتفاق أوسلو» خريف العام 1993، ولربما كان خير دلالة على الملامح التي سيرسمها هذا الأخير لاحقاً هو قول رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين في معرض رده عن «اتفاق السلام» الذي وقعه مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك ياسر عرفات، رابين كان قد أجاب «لا يصنع المرء سلاماً مع أصدقائه، يصنع المرء سلاماً مع عدوه»، ومن المؤكد هو أن ما قاله رابين كان صحيحاً، إذ كيف يمكن للعلاقة التي تقوم بين مغتصِب ومغتصَب، هي علاقة صداقة، لكن الإفصاح بهذا الوضوح عشية اتفاق كان يفترض أن يؤسس لمرحلة جديدة ذي دلالات دامغة بأن ما حدث لن يغير شيئاً، الأمر الذي تكشف عبر مسار التفاوض المستمر منذ نحو ثلاثة عقود والذي يصح توصيفه بأنه كان تفاوضاً من أجل التفاوض فحسب، وعندما تأكد للسلطة الفلسطينية أن «أوسلو» انتهى إلى إخفاق ذريع لجأت هذه الأخيرة، العام 2011، إلى الأمم المتحدة للحصول على العضوية الكاملة فيها الأمر الذي أفشلته الولايات المتحدة في حينها مفضلة تقديم «جائزة ترضية» عبر منحها صفة العضو المراقب العام 2012، والجدير ذكره هنا أن قرار حصول أي دولة على عضوية كاملة يحتاج إلى 9 أعضاء من بين الـ15 صوت داخل مجلس الأمن على ألا تعترض أي دولة من بين الدول الخمس دائمة العضوية التي تمتلك حق النقض أو «الفيتو»، وفيما إذا تحقق ذلك سيكون على الدولة، صاحبة الطلب، الحصول على موافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة البالغ عددهم 193 عضواً لكي تصبح دولة كاملة العضوية.

أعادت فلسطين، مطلع شهر نيسان الجاري، تحريك طلب العضوية في رسالة موجهة إلى مجلس الأمن الذي بدأ يوم 8 نيسان مراجعة ذلك الطلب، وفي أعقاب الاجتماع الثاني الذي جرى بعد ثلاثة أيام من الأول أعلنت سفيرة مالطا، التي ترأس بلادها مجلس الأمن هذا الشهر، أنه «لم يكن هناك توافق في الآراء»، وعلى الرغم من أن السفيرة لم تعلن عن خريطة التصويت إلا أن تصريح نائب السفير الأميركي روبرت وود كان كافياً لإيضاح ما جرى حين قال في أعقاب الجلسة «موقفنا لم يتغير»، قبيل أن يضيف: إن «الاعتراف بدولة فلسطينية يجب أن يتم في إطار اتفاق مع إسرائيل، وليس في الأمم المتحدة»، وفي معرض تبريره لذاك الموقف قال إن بلاده «مقيدة بالقانون الأميركي الذي ينص على أنه إذا وافق مجلس الأمن على انضمام دولة فلسطينية خارج اتفاق ثنائي، فيجب حينها قطع تمويل الأمم المتحدة»، والكلام هنا واضح وصريح وهو يشير إلى أن الولايات المتحدة سوف تذهب إلى دق الإسفين الأخير في نعش الأمم المتحدة، الذي كثرت مساميره مؤخراً، فيما لو ظلت الأخيرة على «تعنتها» بوجوب منح فلسطين العضوية الكاملة، مع الإشارة إلى أن 139 دولة أعضاء في الجمعية العامة تعترف بها كدولة مستقلة حتى الآن، والرقم الأخير لم يختبر ما بعد 7 تشرين أول المنصرم والراجح أنه سيكون على موعد مع الارتفاع فيما لو حصل الاختبار.

تقول تقارير إن الجزائر، التي تمثل الدول العربية بمجلس الأمن هذا العام، سوف تدعو لإعادة التصويت هذا الأسبوع ولربما سيكون يوم 18 نيسان، والراجح أن حظوظ هذا الأخير لن تكون بأفضل من حظوظ الأول طالما أن واشنطن مستعدة لإدخال الأمم المتحدة إلى «غرفة الإنعاش» فيما لو ذهبت هذه الأخيرة في ما يشبه التمرد على «مدير المشفى».

كان «أوسلو» تعبيراً عن «حسن الظن» الفلسطيني بالسياسات الأميركية، وتلك هي المأساة الكبرى في ذلك المسار الذي لم يكن سوى محاولة لتغيير مجرى الصراع، والشاهد هو أن حسن النيات، أو مهرجانات «السلام» التي تحتوي على مصافحات مزيفة تخفي ما تخفيه، لا تضع حداً لنهايات صراع يحتوي بين طياته على مصائر شعب، بل شعوب، ومعها مصائر هويات ومصائر نهوض، وما يضع لها حداً، فحسب، هو موازين القوى التي إن تكافأت يمكن لها في حينها أن تدفع بذلك الاتجاه سواء أكان ذلك عبر حرب أو من دونها.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن