ثقافة وفن

عشرة أعوام على رحيل صاحب الصوت الرخيم … عبد الرحمن آل رشي.. عاش الحياة بألوانها المختلفة.. وشخصيات كثيرة كشفت له عن دواخل إنسانية متنوعة

| وائل العدس

مرت عشرة أعوام على رحيل الفنان القدير عبد الرحمن آل رشي الذي غادر الحياة عن عمر ناهز الثلاثة والثمانين عاماً، قضى ثلثه على خشبات المسارح وبين أروقة الدراما والسينما، بعد أن وافته المنية إثر أذية تنفسية أسدلت الستار على حياته.

غادرنا نجم ساطع في سماء الفن السوري، فاختتم مسيرة فنية حافلة قدم خلالها عشرات الأعمال، تاركاً أثراً جلياً على وطن تغنى به ومجدّه، علماً أنه عضو مؤسس في نقابة الفنانين، وأثرى الدراما بالكثير من الأعمال السينمائية والتلفزيونية تجاوزت المئة، جمع فيها بين القيمة والمتعة البصرية.

فارق الحياة وقلبه يحترق على بلده الذي أبى أن يغادره مهما صعبت الظروف، فعاش تحت ظلال سورية بحلوها ومرها وبقي متمسكاً بها حتى آخر رمق في حياته، وختم حياته بكلمات مؤثرة قائلاً: «كل شي تدمّر رح يتعمّر»، وخاطب أبناء سورية: «سيبقى الهدّامون يلهثون وراء البنّائين».

حضر آل رشي لدى المشاهد العربي بوصفه ممثلاً ذا كاريزما خاصة وبذكريات عقود من التمثيل وبنبرة صوته الجهوري المميز وأدائه المتقن.

رأساً على عقب

ولد الراحل في حي ركن الدين الدمشقي عام 1943 وسط عائلة ملتزمة، فكان يخاف من والده كثيراً، فتحول عن الفكرة ولم يدخل مجال التمثيل إلا بعد وفاته من خلال النادي الشرقي عام 1955 الذي ضم أعضاء متمكنين في اللغة والأداء والقراءات، ووقتها شعر بأن مستواه الثقافي سيئ عندما توقف تعليمه عند الشهادة الإعدادية فواظب على القراءة وقلب حياته رأساً على عقب، حتى بات يحفظ أكثر من ألف بيت من الشعر العربي.

عاش الحياة بألوانها المختلفة وعوالم كثيرة كشفت له عن دواخل إنسانية متنوعة بفقرها وغناها وسطحيتها وعمقها، فهناك الشخصية الشريرة والنظيفة والتاريخية والمعاصرة وشخصية الحاكم والفقير وغيرها.

لكن اللافت أنه جسد جميع الشخصيات تقريباً عدا شخصية الإنسان الثعلبي الطباع والجبان لأن شكله وصوته لا يتناسبان معها.

بدأ مشواره الفني من خلال محاولة تقدمه لاختبارات الإذاعة، وبالفعل نجح وانضم إليها كمغن، وكان معلمه في الابتدائية قد اكتشف جمال صوته فشجعه، ولكنه انسحب بسبب معارضة والده له.

وشكّل تشجيع أساتذته دافعاً له للتمكن من إتقان اللغة العربية الفصحى مبكراً، ما أكسبه مهارات إضافية، وقدرة على الإبداع في مجالات فنية مختلفة.

كانت مسرحية «لولا النساء» أول عمل مسرحي شارك فيه آل رشي، وعُرضت عام 1957 في القاهرة.

وأول دور بطولة قدمه كان على خشبة المسرح عبر مسرحية «براكساجورا»، وهي العمل الأول لما عُرف حينها بالمسرح القومي في ‏سورية عام 1960. ‏

صوت رجولي

اشتهر الراحل بنبرة صوته المميزة، والكاريزما الخاصة التي منحته تأثيراً لا ينسى في أذهان وأسماع جمهوره العريض، فكان يمتلك صوتاً رخيماً ورجولياً، مكّنه من الغناء.

وكان أبرز محطاته الغنائية الوطنية أغنية «أنا سوري آه يا نيالي»، إضافة إلى مشاركته في الأوبريت الوطني «كل شي تدمّر رح يتعمّر»، برفقة عدد من نجوم الطرب والغناء والفن.

مشاركات متنوعة

تعددت مشاركات آل رشي في مختلف المجالات الفنية، فشارك في السينما السورية، بصورة مكثفة خلال سبعينيات القرن الماضي، وكان بطلاً للعديد من الأفلام السينمائية، نذكر منها «الصعاليك» عام 1968، و»رجال تحت الشمس» عام 1970، فيلمي «الثعلب» و«واحد+ واحد» عام 1971، و«المخدوعون» عام 1972، و«المطلوب رجل واحد» 1973، وأفلام «اليازرلي» و«السيد التقدمي» و«كفر قاسم» و»العار» عام 1974، و«الفخ» عام 1979 و«مجنون ليلى» عام 1989 و«حلاوة الروح» عام 2008.

ومن أعماله المبكرة في التلفزيون مسلسلا «مذكرات حرامي» الذي قدمّه أواخر الستينيات تحت إدارة المخرج علاء الدين كوكش، وتعاون معه مجدداً في أحد أشهر المسلسلات البدوية «راس غليص» أواسط السبعينيات.

كان آل رشي أحد أبرز نجوم الأعمال الشامية، عبر أدوار جسّد فيها قيم النخوة والشهامة والبطولة، ولم يزده دوره في مسلسل «باب الحارة» شهرة أو مجداً فنياً، كما فعل للكثير من الممثلين، لكنه أكد قدراته وكرّسه حالة إبداعية متفردة في الدراما السورية دأبت على العمل الجاد والحضور المتواصل منذ ولوجه مجال الفن.

ومن أدواره في دراما البيئة الشامية: شخصية «أبو جواد» في «الخوالي» عام 2000، وشخصية «الزعيم أبو صالح» بالجزأين الأول والثاني من السلسلة الشاميّة الشهيرة «باب الحارة» عامي 2006 و2007، وشخصية «الشيخ عابدين» في مسلسل «أهل الراية» عام 2008، و«المختار» في مسلسل «بيت جدي» عام 2009، و«المختار» في مسلسل «الدبور» عام 2010، و«أبو بطرس الزكرتي» بمسلسل «رجال العز» عام 2011، وشارك في بطولة «قمر شام» عام 2013 بشخصية «القاضي عبد الغني»،

بينما يعود آخر عمل ظهر فيه على الشاشة إلى عام 2014، حيث انتهى قبل مماته من تجسيد شخصية «أبو سالم» زعيم حارة الشاغور في مسلسل «الغربال».

ومن مسلسلاته الأخرى نذكر: «حمام الهنا» عام 1968، و«حارة القصر» عام 1970، و«السيف» و«الخنساء» عام 1977، و«صقر قريش» و«أبو فراس الحمداني» عام 1979، و«موسى بن نصير» عام 1983، و«الوسيط» عام 1985، و«غضب الصحراء» و«البركان» عام 1989، و«التائب» عام 1991، و«نهاية رجل شجاع» و«جواهر» عام 1994، و«الثعبان» عام 1995، و«إخوة التراب» عام 1996، و«أيام الغضب» و«العبابيد» عام 1997، و«الطير» عام 1998، و«أنشودة الأمل» عام 1999، و«صلاح الدين الأيوبي» عام 2001، و«بقعة ضوء» عام 2002، و«طيور الشوك» و«أهل المدينة» عام 2004، و«أنا وأربع بنات» و«ملوك الطوائف» عام 2005، و«غفلة الأيام» عام 2008، و«بعد السقوط» و«القعقاع بن عمرو التميمي» عام 2010، و«ما بتخلص حكاياتنا» عام 2012.

خفة دم

يمتاز الفنان الراحل بدماثة خلقه وخفة دمه، حيث روى طرفة: بعد الانتهاء من تصوير أي مسلسل، لا أعود أذكر عنه شيئاً.. أنسى كل شيء عنه، ونادراً ما أشاهد مسلسلاً عند عرضه.. وحتى النص الورقي للعمل كنت أعطيه لأولادي حين كانوا صغارا ليكتبوا على الجانب الآخر من الصفحات ما يشتهونه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن