من دفتر الوطن

بانتظار الغد

| عصام داري

مع أن همومنا صارت بحجم غابات سوداء لا يصلها نور الشمس، إلا أننا نصنع بأنفسنا حزم نور من شموعنا لتكون المشاعل التي تهدينا إلى الطريق الصاعدة نحو مستقبل نستحقه، وغد مزروع بأزاهير البنفسج والليلك وليلة القدر، وأعرف زهرة تحمل هذا الاسم.

ومع أن قلبي جريح ينزف على مدار الساعة، كأنه يبكي على ما ضاع ولن يعود، لكني لن أرفع الراية البيضاء فأنا أقاوم مع المقاومين، وأحاول الحفاظ على شمعتي كي لا تطفئها العواصف العاتية التي تضرب عالمي المتعب ووطني، فالأمواج تتكسر على شواطئنا وتتحول إلى زبد على الرمل، وألسنة اللهب التي تصلينا ليل نهار، لن يبقى منها إلا رماد.

لا أدري سر هذا التفاؤل الذي صار حلمي الوحيد، وحصاري الأول والأخير، هو حلم من نسيج بديع خيوطه تتوزع على مساحة وطن، وبحجم قلوب أبناء هذا الوطن الصغير حجماً، لكنه وسع الدنيا وصار الوطن الثاني لكل أبناء البشرية كما قال يوماً العالم الفرنسي شارل فيرلو، وكما قال قبله منذ أكثر من ألفي عام الإسكندر المقدوني عندما دخل سورية فاتحاً عام 333 قبل الميلاد، حسب بعض المصادر.

باختصار أنا لا أتخلى عن تفاؤلي بوطن قادم تظلله العرائش، وتحلق في سمائه أسراب السنونو والعصافير والفراشات الملونة، وتنبت في تربته الحنطة والأشجار وحقول الورود، وتعلو فيه أصوات الموسيقا والشعر والزجل، وطن خلق للفرح، ولن يكون إلا مسرحاً كبيراً لهذا الفرح، حلمي ليس مستحيلاً، إنه في متناول اليد، وأراه قريباً، بل أقرب مما يتوقع البعض.

نعيش في هذه الدنيا يوماً بيوم، ننتظر الغد عله يحمل الجديد، لكننا نسير على وقع دقات قلوبنا، ونستعيد ذكريات مضت ولن تعود، وما دمنا غير قادرين على صنع فرح جديد، فلماذا لا نغرق في فرح كان، نكتفي بابتسامة هذا الفرح العتيق، ونطوي دفتر ذكرياتنا، لنعود في الغد لنفتحه، بانتظار فرحة مستعادة من الخيال الكليل.

لكننا ننتظر الغد الآتي، وحلاوة الغد تسكن في حلم جميل نتخيله آتياً إلينا مع جيش من الأزاهير والعطور، الغد الآتي يحمل الحب، والنور والخير، ليزيح العتمة التي احتلت مساحات من الأرض والروح والنفس طوال سنوات خلت. لا نبحث إلا عن ساعة أمان ودقائق حرية وثوان معدودات من السلام، والكثير من الحب الذي صار عملة نادرة في زمن العجائب.

أخيراً أقول: الغياب أحياناً لا يلغي التأثير الذي تركه الغائب في النفوس والضمائر عبر وقت طويل مضى، بل يزيد الغائب حضوراً، وتتفجر ذكراه كقارورة عطر انسكبت في لحظة من دون إذن مسبق، والغياب أحياناً أيضاً هو هروب مقصود قد يطول أو يقصر، وهو حركة نحو زاوية نسيها الزمن، أو مقهى عتيق يغفو على كتف غابة ساحرة تركتها الجنيات من زمن الجدات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن