قضايا وآراء

نمرٌ من لحمٍ ودم

| علي عدنان إبراهيم

نشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية في السادس من الشهر الجاري، أي بعد أيام قليلة على العدوان الإسرائيلي الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق وأدى لمقتل عدد من كبار المستشارين العسكريين الإيرانيين، كاريكاتيراً ساخراً يظهر رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقد علّق على كتفه بندقية أميركية من طراز «إم 16» وأمامه نمر من ورق يحمل 3 ثقوب جراء إطلاق النار عليه من بندقية نتنياهو وكُتب عليه «إيران»، فيما ظهر نتنياهو كالمنتظر لرد فعل هذا النمر الورقي.

أيام قليلة أعقبت نشر هذا الكاريكاتير الساخر، حتى بدأت الولايات المتحدة تحذيراتها أن الرد الإيراني أصبح واقعياً أكثر من أي وقت مضى، وقد يحدث في أي ساعة، من دون أن تنشر أي تفاصيل إضافية حول شكل الرد ومكانه، وهل سيكون مباشراً أو عبر حلفاء إيران في المنطقة، وهل سيستهدف كيان الاحتلال مباشرة أم إنه سيستهدف إحدى سفاراته أو مكاتبه القنصلية في دولة ما ؟ والحقيقة أن إيران نفسها أخبرت دول الجوار وحتى الولايات المتحدة أنها ستوجه ضربة قوية للكيان خلال 72 ساعة بهدف وضع هذه الدول في صورة ما قد يحدث لاتخاذ تدابير الأمن اللازمة كتعليق الملاحة الجوية لساعات، وكذلك تنبيه الولايات المتحدة من أي رعونة قد تبديها كي لا تكون قواعدها العسكرية في المنطقة هدفاً آخر لإيران، وجاء ذلك واضحاً على لسان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي أكد في تصريحات أعقبت الهجوم بساعات أن طهران أبلغت جيرانها بالهجمات قبل 72 ساعة من شنها على إسرائيل.

عبد اللهيان أكد أيضاً أن بلاده تحلت بضبط النفس بعد ضربة القنصلية إلا أن إسرائيل فهمت ذلك خطأً وتمادت في اعتداءاتها ما جعل من الرد القوي ضرورة لا مفر منها، ليأتي هذا الرد قوياً ومزلزلاً من عدة نواحٍ:

أولها أنه هجوم مركب بمئات الصواريخ والمسيّرات في آن واحد ومن الداخل الإيراني حيث تعمد منفذوه رسم عشرات الخطوط لسير هذه الصواريخ والمسيرات وبارتفاعات متفاوتة وفي أجواء دولية متعددة لإحداث أكبر خلل وارتباك داخل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية حيث نقلت وسائل إعلام الكيان عن مسؤول كبير في وزارة الحرب الإسرائيلية قوله إن الهجوم الإيراني كان من أحد أعقد الهجمات التي يواجهها نظام الدفاع الجوي في العالم، وكان بمستوى أعلى مما كانت السلطات الإسرائيلية تتوقعه.

وثانيها أن هذا الهجوم يعتبر الأول من نوعه الذي تشنه دولة قائمة بكل قوتها على كيان الاحتلال منذ حرب تشرين عام 1973.

وثالثها أن هذا الهجوم أرسى قواعد اشتباك جديدة يرجّح أن إسرائيل ستلتزم بها مرغمة على اعتبار أنها رأت بأم العين حجم القوة الإيرانية والردع الذي يمكن تحقيقه.

وفور انتهاء جولة الرد الإيراني حاول البعض التسويق لكون هذا الرد مسرحية متفقاً عليها من الطرفين بشكل مباشر أو عبر وسطاء، وحجتهم في ذلك أن الهجوم لم يوقع قتلى في صفوف الإسرائيليين ولم يحدث أضراراً بالغة في منشآتهم العسكرية، إلا أن هذه الحجة تبقى ضعيفة أمام التفاصيل التالية، فوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أكد أن العملية العسكرية الإيرانية ضد إسرائيل كانت محدودة أي إنها لا تتجاوز كونها رسالة تحذيرية وإعادة رسم للخطوط الحمر التي تجاوزتها إسرائيل مؤخراً باستهداف منشأة دبلوماسية إيرانية، وكذلك استخدام الجيش الإيراني لطرازات وأنواع مختلفة من أسلحته المطورة ذاتياً واختبارها بمعركة جوية حقيقية مع العدو الحقيقي يرفع معنويات الجيش وحلفائه ويوجه ضربة معنوية قوية للمستوطنين وسلطات الاحتلال التي أيقنت أنها تقع في دائرة الاستهداف الصاروخي الإيراني، إضافة لذلك فإن اشتراك كل من الولايات المتحدة وبريطانيا باستهداف المسيرات والصواريخ الإيرانية في أجواء سورية والعراق عبر مقاتلاتهما التي انطلقت من عدة قواعد في المنطقة يؤكد قوة الهجوم الإيراني الذي لم يكن لإسرائيل وحدها أن تصده، والأهم من هذا وذاك ما كشفته صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية عن تكلفة الاعتراضات الجوية للهجوم والتي تجاوزت مليار دولار أميركي في عدة ساعات، الأمر الذي يعني أن دخول الطرفين في حرب واضحة المعالم سيتسبب بنزيف اقتصادي غير مسبوق لإسرائيل وللولايات المتحدة التي تمدها بالمضادات الجوية.

الرد الإيراني جاء مختصراً وواضحاً وأكثر قوة مما كان متوقعاً، ومن الملاحظ أنه أرضى الشعب الإيراني الذي طالب جيشه بالثأر لجريمة القنصلية فخرج بالتزامن مع انطلاق الصواريخ في مسيرات فرح تعبيراً عن تشجيعه ورضاه، ولعل إجبار حكومة الاحتلال على تعليق الملاحة الجوية لساعات وتوقف القصف الجوي المستمر على قطاع غزة منذ 6 أشهر خارج نطاق الهدنة وإجبار جيش الاحتلال على الانشغال بالدفاع عن نفسه بدلاً من شن الهجمات والغارات والاعتداءات، أمور تكفي لشكر إيران على هذا الرد والتأكد أنها تقول وتفعل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن