قضايا وآراء

«قرصة أذن» فقط!

| هديل محي الدين علي

ليلة الرعب التي شهدها الكيان الصهيوني كان وعداً صادقاً من طهران وعقوبة، وكما يقال: «قرصة أذن» فقط لكيان مارق على الشرعية الدولية ومواثيق الأمم المتحدة، ويحظى بكل الدعم من الغرب المتوحش الذي يتلطى خلف شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان.

المستوى العالي الذي أظهرته الجمهورية الإسلامية في إيران خلال معاقبة الكيان الصهيوني على جرائمه العديدة يعرب عن قوة محور المقاومة بأكمله من عدة مسارات، أولها الحرب النفسية التي أحدثت التأثير المطلوب في الداخل الإسرائيلي وخارجه لدى الداعمين، والمسار الثاني المتعلق بالعمل الدبلوماسي والسياسي لجهة سد الذرائع واستنفاد الفرص لدى الأطراف الأخرى، أما المسار الثالث فهو متعلق بالتكتيك العسكري من حيث استخدام الوسائط النارية المناسبة كمَّاً ونوعاً والتغلب على تحدي المسافات والدقة العالية.

مسار الحرب النفسية الذي أطلقته طهران حتى قبل بدء عملية الوعد الصادق ومنذ اليوم الأول الذي تلا العدوان الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق، أغرق الكيان في حالة من الرعب حول طبيعة الرد وتوقيته ومكانه، حيث استخدمت طهران الإعلام كأداة لتحقيق هذه الغاية بطريقة احترافية أفضت إلى نتائج مذهلة، بدت واضحة وجلية من خلال استنفار العدو وداعميه لمدة عشرة أيام وحالة الترقب لدى الجبهة الداخلية، وخاصة عند بدء العملية الجوابية على الاعتداءات الصهيونية، فعمدت طهران إلى إعلان توقيت صريح يظهر الثقة والاقتدار، رافقه بيان عملياتي علني متلفز ومكتوب، لحقه تفصيل التكتيك العسكري القائم على موجات ومراحل تتابعية، ختمها بإعلان بعثة إيران في الأمم المتحدة بانتهاء العملية.

المسار الثاني هو المسار الدبلوماسي الذي بدأ بمحاولة استصدار إدانات للعدوان الصهيوني على القنصلية، لسد الذرائع على الغرب ولمنع توسع دائرة العمل العسكري، إلا أن الغرب صاحب أكبر كذبة في التاريخ حول الديمقراطية وحقوق الإنسان تجاهل هذه المحاولات الإيرانية، لذلك استخدمت إيران وأثناء تنفيذ عملية الوعد الصادق مسار العمل السياسي المكثف لشرح أحقيتها في الدفاع عن النفس ضمن الأنظمة والقوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة، من خلال التركيز على المادة 51 من الميثاق، تبعه تكثيف العمل السياسي إزاء مواقف الدول من العملية على المستويين الإقليمي والدولي.

المسار الثالث والذي كان مفاجئاً للعدو الصهيوني وداعميه هو العملية بالمعنى العسكري التكتيكي، من حيث أن العملية مركبة تعتمد على الذراع الطويلة عالية الدقة، تجاوزت عائق المسافة التي تصل إلى 2200 كم، وبتكنولوجيا حديثة تنبئ أنها غيض من فيض قدرات الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي كانت تعي كل مرحلة من مراحل العملية العسكرية، والتي أظهرت أنها تستطيع ابتلاع الكيان الصهيوني منفردة جغرافيّاً وديموغرافيّاً واقتصادياً وعسكرياً وتكتيكياً ومسحه عن الوجود.

العجز الإسرائيلي عن التصدي للقوة الإيرانية عبّرت عنه منظومة القوى الغربية الداعمة لإسرائيل، والتي فشلت بمساعدة مباشرة بريطانية- فرنسية- أميركية عن منع تحقيق عملية الوعد الصادق لأهدافها، فتناقضت التصريحات الغربية مع تصريحات المسؤولين الرسميين الإسرائيليين بطريقة مضحكة تعبر عن مدى تخبط الكيان وضعفه منفرداً، حيث انهالت الماكينة الإعلامية الغربية بسيل من التصريحات عن إدانة الضربة العسكرية وطلب إيقافها، فيما عملت الدعاية الصهيونية على رسم سرديات بطولية حول التصدي للمسيرات والصواريخ المجنحة والبالستية بنسبة 99 بالمئة قبل وصولها الأراضي المحتلة، إلا أن وسائل الإعلام الصهيونية فضحت الأمر وقالت: (لقد غرقت إسرائيل بالصواريخ)، إضافة إلى مقاطع الفيديو التي صورها المستوطنون والتي أوضحت دقة إصابة الأهداف وكثافة الوسائط النارية التي وصلت مباشرة من الأراضي الإيرانية.

السؤال المباشر الذي يطرح نفسه بعد هذه العملية العسكرية التي كانت بمنزلة «قرصة أذن» للكيان فقط والتي أعطت كل طرف حجمه الحقيقي، وهو: ماذا لو دخل المحور من كل الجبهات في المعركة بكل قوته وتساقطت على إسرائيل مئات آلاف الصواريخ والمسيّرات والمقذوفات؟

ما بعد عملية الوعد الصادق ليس كما قبله ونهاية الكيان الصهيوني باتت قريبة، وخاصة مع تحول النظام العالمي وتمايز القوى وتعددها، وإنّ غداً لناظره لقريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن