قضايا وآراء

الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الصبر إلى الردع الإستراتيجي

| محمد نادر العمري

التوقيت هو الرابع عشر من نيسان الجاري، المكان ما يطلق عليه منطقة الشرق الأوسط، الحدث هو انتقال الاشتباك بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الإسرائيلي من الظل إلى العلن، هذه التفاصيل الثلاثة من حيث التوقيت والنطاق الجغرافي وطبيعة الحدث، لن تكون مجرد تفاصيل تتصدر وسائل الإعلام كما أنها لن تكون دون تداعيات أو بتداعيات مؤقتة، على العكس من ذلك، فعلى الرغم من إسقاط جزء كبير من إجمالي 350 من الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقتها الجمهورية الإسلامية من أراضيها باتجاه الأراضي المحتلة، ووصف البعض لهذه العملية الإيرانية بمحدودية التأثير، إلا أن القراءة الإستراتيجية تفرض علينا كمتابعين ومختصين ومهتمين للشؤون السياسية والدولية التعاطي مع هذا التطور من حيث التوقيت والمكان والحدث بشكل أكثر موضوعية بكونها تضمنت العديد من النقاط الإستراتيجية التي لا يمكن تجاهلها على مستوى المنطقة بين محور المقاومة بشكل عام والجمهورية الإسلامية الإيرانية بشكل خاص من جانب والكيان الإسرائيلي وداعميه من جانب آخر.

الرد العسكري أو ما يمكن تسميته بالهجوم المركب، لكونه استخدم صواريخ بالستية وطائرات مسيرة، من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية كان تطوراً وفعلاً عسكرياً لابد منه بعد تصاعد وتيرة الاعتداءات الصهيونية، وخاصة أن مبادئ القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية تحفظ لطهران أحقية الرد، ولاسيما أن استهداف تل أبيب لمقر دبلوماسي إيراني في سورية كان يشكل اعتداء مباشراً يمس بالسيادة الإيرانية بصورة مباشرة، لتحقيق غايات سعى لتحقيقها رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للخروج من أزماته الداخلية سواء المتعلق منها بتزايد رقعة الاحتجاجات المناهضة لبقائه في السلطة، أو للتنصل من الضغوط التي يمارسها أهالي الأسرى الموجودين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، أو بسبب ملف تجنيد الحريديم، أو للانتقام من طهران الداعمة بشكل فاعل مؤثر في دعم حركات المقاومة بالمنطقة والتي ساهمت بصورة حاسمة في إفشال نتنياهو من تحقيق أهدافه في غزة على مدى أكثر من سبعة أشهر ماضية، وصولاً للزج بالجانب الأميركي في مواجهة مباشرة مع إيران لتوسيع رقعة الصراع في المنطقة.

أبرز النقاط التي يمكن تسجيلها من خلال العملية العسكرية الإيرانية ضد الكيان الإسرائيلي، تتمثل في مروحة من النقاط الآتية:

أولاً- التهديدات التي أطلقها المسؤولون الإيرانيون وعلى رأسهم قمة الهرم السياسي والديني الممثل بمرشد الثورة علي الخامنئي، وتصريح وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان أثناء زيارته لسورية مؤخراً: «أعلن بصوت عالٍ من دمشق أن إسرائيل ستعاقب» وغيرها من تصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين الإيرانيين، ترجمت برد علني عسكري وليس سرياً، تمثل في طبيعته بالرد المباشر على القواعد العسكرية للقوات الإسرائيلية داخل الأراضي المحتلة انطلاقاً من الأراضي الإيرانية، إذ أرادت إيران من هذا الرد بعد الإعلان عنه، تحقيق مفاعيل لا ترتبط بالجانب العسكري فحسب، بل لتحقيق مفاعيل سياسية وإعلامية تؤكد انتقال إيران من سياسة الصبر الإستراتيجي إلى سياسة الردع الإستراتيجي، في تكريس لقواعد اشتباك جديدة بالمنطقة في مواجهة الكيان ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركية.

ثانياً- ما يسمى إسرائيل في ليلة الرابع عشر من نيسان الجاري اختبرت نموذجاً مصغراً لمواجهة عدة جبهات بأن واحد، لأن الجبهة اللبنانية والجبهة اليمنية ساهمتا في توجيه ضربات للكيان، وهذه الجبهات استخدمت كميات محدودة كماً ونوعاً من الأسلحة التي تمتلكها، دفع كلاً من منسق مجلس الأمن القومي الأميركي للاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض جون كيربي، لوصف الرد الإيراني بـ«الهجوم الجوي الإيراني غير المسبوق»، على حين اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن كيانه عاش «أكثر ليلة دراماتيكية بتاريخها»، وهو ما أوصل رسالة حازمة لتل أبيب ومن خلفها واشنطن، أن ما تمتلكه قوى محور المقاومة هو كفيل بتدمير ما يسمى إسرائيل والقواعد الأميركية في المنطقة، رغم كل الظروف الأمنية والاقتصادية التي تعانيها هذه القوى.

ثالثاً- إخفاق القدرات العسكرية الدفاعية للقوات الأميركية في شرق سورية والأردن وفلسطين المحتلة إلى جانب مساهمة الأردن وبريطانيا وفرنسا من استهداف كل ما أطلقته إيران من الطائرات المسيرة والصواريخ التي، على عكس ماتم ترويجه على وسائل الإعلام الإسرائيلية-الأميركية بأنه تم تدمير 99 بالمئة من الطائرات المسيرة والصواريخ، ويمكن تفنيد ذلك من خلال إصابة العديد من الأهداف العسكرية بما في ذلك قاعدة النقب الجوية وقواعد عسكرية للاحتلال في الجولان المحتل بدقة، إذ إن طبيعة الصواريخ والطائرات المسيرة التي استخدمتها طهران لا تصنف من أكثر الأسلحة تقدماً في مخازن الجيش الإيراني.

رابعاً- استهداف القاعدة الجوية في النقب ونشر معلومات حول دور القاعدة في استهداف مبنى القنصلية الإيرانية بدمشق، يؤكد أن لدى الجمهورية الإسلامية وباقي محور المقاومة قدرات استخباراتية وأمنية وعسكرية عالية الدقة وتمتلك بنك أهداف واسعاً من شأنه إيلام الكيان الإسرائيلي، ولاسيما أن هذه القاعدة إضافة لهذا الدور العدواني فإنها تحتوي على طائرات «35 F» الأكثر تقدماً عالمياً، كما أن إيران نجحت من خلال هذه العملية من كشف ثغرات عسكرية تتعلق بالقدرات الدفاعية للكيان وحلفائه بالمنطقة، وهو ما تم الإقرار به من جنرالات إسرائيليين سابقين عبروا عن مخاوفهم في لقاءات إعلامية مع صحيفة «يديعوت أحرنوت» من استغلال إيران لهذه الثغرات في أي مواجهة قادمة، وفي السياق ذاته فإن الرد الإيراني زاد من تعرية هذا الكيان من خلال ما أظهرته ما يمكن تسميته بمقاربة «الدرع الواقي الغربي» الساعي لحماية إسرائيل مهما كانت طبيعة الخلاف، إذ إن هناك ثلاث دول كبرى على الأقل، الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، بريطانيا، شاركت في إسقاط الكثير من الصواريخ والطائرات المسيرة قبل وصولها للأراضي المحتلة.

خامساً- في الوقت الذي ستفرض من خلاله العملية العسكرية الإيرانية تداعيات إستراتيجية على مستوى النظام الإقليمي، إلا أنها أظهرت في المقابل هشاشة وتصدع المنظومة الأمنية لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها في حال المواجهة الشاملة، والتي لا يمكن لأحد منع حصولها.

سادساً- إدارة الحرب الإعلامية والنفسية من قبل القيادة الإيرانية بشكل لا يمكن تجاهله وإنكاره قبل الرد وأثنائه، في الوقت الذي انتشرت فيه حالة الرعب والهلع في صفوف المستوطنين والتخبط الذي ساد تصريحات ومواقف الساسة والعسكريين الصهاينة.

بالعموم، فإن هذا التطور غير الاستثنائي وضع المنطقة على صفيح ساخن وهناك العديد من السيناريوهات المرتقبة للسلوك الإسرائيلي وخاصة بعد إخفاق مجلس الحرب من تبني سيناريو واضح بعد انعقاده مدة تجاوزت أربع ساعات وسط انقسام ساد بين أركانه حول كيفية الرد وتوقيته، إذ تتمثل هذه السيناريوهات في:

إما أن يبتلع الكيان الإسرائيلي الضربة الإيرانية وهو ما سيجعل هيبة الكيان والولايات المتحدة في موقف محرج وبصورة أقرب للاهتراء وقد تمارس واشنطن كل ضغوطها في سبيل ذلك، لاعتبارات داخلية تتعلق بالوضع الانتخابي للرئيس الأميركي جو بايدن وهو ما ألمح إليه مستشار الأمن القومي الأميركي جون كيربي.

أو أن تسمح الولايات المتحدة الأميركية لقوات الاحتلال القيام بعمليات عدوانية في الدول الحليفة لإيران لإعادة الاعتبار معنوياً لهذا الكيان، مثل منح قوات الاحتلال الضوء الأخضر لشن عمليات عدوانية في لبنان وسورية وإعادة توظيف وتنشيط التنظيمات الإرهابية وممارسة الاغتيالات بالتزامن مع شن حملة دعائية دبلوماسية لإدانة إيران على المستوى الدولي لاستجلاب العطف الدولي كما حصل في جلسة مجلس الأمن التي أقرت بعد ساعات قليلة من الرد، وبيان مجموعة السبع التي عقدت عبر خدمة الفيديو، وقد نشهد خلال هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران، ومحاولة شيطنة دورها في المنطقة، ومنح الكيان المزيد من المساعدات العسكرية، ومسارعة تل أبيب إلى استغلال ذلك لتحقيق بعض أهدافها بما في ذلك إعادة طرحها لتشكيل تحالف لمواجهة الخطر الإيراني في المنطقة، وفق ما طالب به وزير الدفاع الإسرائيلي عندما قال «إن تل أبيب لديها فرصة لإقامة تحالف إستراتيجي» ضد ما وصفه بـ«التهديد الإيراني».

على حين أن الخيار الثالث والأخطر يتمثل في تحقق مخاوف بايدن في أن يقدم نتنياهو على مغامرة بشن عدوان على إيران وهو ما قد يشعل المنطقة بشكل كامل.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن