من دفتر الوطن

التطرف العاطفي!!

| عبد الفتاح العوض

عندما تتحدث العواطف في العلاقات الاجتماعية وفي رغبات الفرد فإن ذلك يعتبر المكان الطبيعي للخطب العصماء للمشاعر بكل أشكالها وألوانها وأنواعها. ولكن في السياسة فإن أسوأ تحليل سياسي ذاك الذي يبدأ وينتهي بالعواطف. خلال الفترة السابقة بدأنا نلمس أكثر وأكثر رغبة الناس في التحدث بالسياسة وأصبح كل من لديه حساب فيسبوك «سياسي» يتحدث كالخبراء وربما تركوا مهنتهم الرئيسة واتجهوا للقيام بمهمة شرح مواقف الدول السياسية.

مثالنا الطازج عن الرأي العاطفي ما جرى مؤخراً من تباين الآراء حول الرد الإيراني فهذا يدل على أن الموقف العاطفي هو الذي يحدد رأينا من الأشياء الكبيرة قبل الصغيرة وقد أتاح الفيس بوك لكل شخص أن يترك المدى مفتوحاً لعواطفه يطلقها بلا رادع من عقل ولا حدود من منطق ويذهب بها بعيداً باتجاه التطرف العاطفي مشحوناً بآراء تغذيها مجموعات يدعم بعضها بعضاً. حتى ولو لم يكن لهذا الموقف ما يبرره ولا حتى يفسره أخلاقياً وإنسانياً وقومياً كما فعلت دول حجزت السماء كي لا تمر المسيرات إلى إسرائيل، بل في هذا الموقف بالذات تناقض حتى مع العواطف الإنسانية.

في الشكل الطبيعي وعلى مدى سنوات كثيرة اعتبرنا أن الشعب السوري بالذات لديه حس سياسي خاص. صحيح أنه لم يمارس السياسة لكنه شغوف بها ويتابع تفاصيلها. وخلال الحرب بدأت العواطف تتصارع في مساحة صغيرة وبدا الأمر كما لو كان إعلان انتهاء تحكيم العقل في الرأي قبل التحليل السياسي وأصبحنا نتحدث بمشاعرنا لا بعقولنا. ومن المؤسف جداً أن تصبح العواطف هي لغة السياسة فهذه إساءة للسياسة قبل أن تكون خطأ المشاعر ولم ندخل العواطف في هذا الموضوع إلا وكانت النتائج خاطئة وربما كارثية.

سؤال غير عاطفي.. من يحتاج الحرب في هذا المنطقة الآن؟ في السياسة لا نسأل إن كان أحد يحب الحرب أم يكرهها.. بل من يسأل ينبغي أن يحدد من يحتاجها ولماذا وما قدراته عليها وقد رأينا أن الولايات المتحدة وعدة دول أوروبية صارت جزءاً من عملية محدودة.

جانب آخر يجدر التنبيه إليه أنه وفي ذروة تعاطينا العاطفي مع الأحداث حولنا مشاعرنا تجاه الدول والأشخاص.. فكل ما لا يتوافق مع مشاعرنا نرفع في وجهه كرت الكراهية، ومن يدندن مع الموسيقا التي نعزفها نقدم له «كرت الحب».

لا يقتصر الأمر على السياسة في حياتنا اليومية عند نحب شخصاً نحوله إلى ملاك.. وعندما نغضب من شخص نحوله إلى شيطان وقس على ذلك.

في تراثنا الفكري نصائح من ذهب لهذا الموضع.. «حب الشيء يعمي ويصم» «أحبِبْ حبيبك هوناً مَا، عسى أن يكونَ بَغِيضَكَ يوماً ما، وأبْغِضْ بغيضَك هَوناً ما، عسى أن يكونَ حبيبَك يوماً ما.

أخيراً.. التطرف العاطفي مرض.

أقوال:

– درجة عاطفة الفرد ترتبط عكسيا بمعرفة الحقائق. – برتراند راسل.

– وأبسط الناس إذا أعانته العاطفة المشبوبة سينتصر على أفصح الناس.

– من دون عاطفة يستحيل أن تفعل الأشياء العظيمة.

– اتزان العاطفة سمة الإنسان الناضج.. وطغيان العقل يقتل العاطفة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن