بدعوة من دائرة المسرح المدرسي في مديرية التربية في حمص، قدم العرض المسرحي سهرة مع أبي خليل القباني على خشبة مسرح الشهيد عبد الحميد الزهراوي بحضور جمهور من المهتمين ومتابعي الأنشطة الثقافية، وهو من تأليف سعد اللـه ونوس وإعداد وإخراج محمد خير داغستاني.
يسلط العرض على شخصية أحمد بن محمد آغا القباني الذي عرف باسم أبي خليل القباني (1833-1903) رائد الفنون في سورية ومؤسس المسرح الغنائي في الوطن العربي، والذي لعب دوراً ريادياً في تأسيس المسرح الدمشقي خلال النصف الثاني من القرن العشرين وأثر كثيراً بالفن المصري من خلال سنوات عمله في القاهرة، ومن خلال عمله في بداياته بالمسرح في الوقت الذي كان العمل في المسرح مستهجناً وخروجاً عن الإطار العام للعادات والتقاليد في ظل رفض رجال الدين لعمل القباني في المسرح ورؤيته الحضارية لدور المسرح في المجتمع السوري، لذلك لم يخضع لرجال الدين الذين حاصروه بتهديداتهم في ظل الدعم الذي كان يلقاه من الولاة الذين تعاقبوا على دمشق الأمر الذي دفعهم في النهاية إلى حرق مسرح القباني، ومع ذلك استمر في العمل المسرحي بقوله: إنه لا يجب التوقف لأنه لو توقف فلن تقوم أي قائمة لدمشق، بمعنى أنها ستبقى منغلقة ولن تشهد أي تطور أو حضارة في أي مجال من مجالات الفنون.
جهد المسرح المدرسي
العرض المسرحي الذي جسده طلاب وطالبات من المرحلة الثانوية لم يكن بذلك العرض المتميز على صعيد التمثيل والإخراج، فقد كنا أمام مواهب تمثيلية من الشباب الذين جهدوا لتقديم عرض مسرحي ناجح لكن إمكاناتهم كانت أقل من طموحهم المسرحي الذي ظهر على خشبة المسرح.
استخدم المخرج لعبة الراوي الذي يمهد للعرض المسرحي ويعلق في بعض الأحيان ويقدم للمشاهد في أحيان أخرى من خلال الراويين اللذين ظهرا عن يمين ويسار المسرح وقد كان دورهما مساعداً في تسليط الضوء على الكثير من النقاط التي ارتكز عليها العرض في النص المعد لخشبة المسرح، وقد كان واضحاً تركيز المخرج على مسيرة القباني وجرأته في العمل المسرحي من دون التعرض للقصة التي كانت بالنص الأصلي والتي كان الاتكاء عليها في تقديم الأفكار والرؤى التي تشكل جرأة واضحة في المجتمع السوري آنذاك، حيث كان يسار المسرح مخصصاً لحركة الممثلين الذين يروون قصة القباني وتاريخه المسرحي، على حين خصص يمين المسرح لحركة الناس أو المجتمع الذي يمثل الأفكار التقليدية آنذاك ومعارضته لنهج القباني المسرحي، وهذا التقسيم بين يمين ويسار يكشف الهوة التي كانت قائمة آنذاك، في الوقت الذي جعل منطلق رجل الدين من عمق المسرح عبر الصومعة التي كان ينطلق منها وكأنه يقول إن رجل الدين كان صلة الوصل بين العادات والتقاليد القديمة والأفكار الحضارية التي كان يحملها القباني، ولكن الواقع الذي قدمه العرض لم يكن كذلك بل كان على النقيض الذي يرفض الفن والأفكار التي يقدمها المسرح، في الوقت الذي طلب من القباني أن يعود إلى حلقة الذكر التي كان يقيمها رجل الدين.
تقنيات مناسبة للعرض
استخدم المخرج أسلوب البقع الضوئية في معظم زمن العرض المسرحي ليسلط من خلالها على الحدث الذي يجري سواء على يسار أم يمين المسرح أو في العمق أو في مقدمة المسرح، إضافة للإضاءة البقعية على الراويين اللذين مهدا للعرض ورافقاه في بعض الأحداث التي قدمت على الخشبة.
الرقصات التي قُدمت من الفتيات قبل ختام العرض كانت تشي بما يقدمه القباني من فن مسرحي راق لكنه لم يكن ليعجب رجال الدين، لذلك أقدموا على إحراق المسرح في الوقت الذي لم ييئس القباني وأصر على مواصلة الطريق في العمل المسرحي.
أخيراً عرض سهرة مع أبي خليل القباني قدم مواهب مسرحية جيدة ولكنها تحتاج إلى الكثير من العمل على صعيد الشغل على الممثل بالأداء والتدريب على الصوت الذي لم يكن في أحسن حالاته عند الكثير من الممثلين الذين قدموا ما عندهم من أداء مسرحي يحتاج جهوداً كثيرة لصقل موهبتهم وتقدمهم بشكل أفضل على خشبة المسرح.