من دفتر الوطن

الجلاء…

| فراس عزيز ديب

حتى الناجي الوحيد لم يعُد كذلك، سنستَعير هذهِ العبارة التي قِيلت في قرية «أم الطنافس» عساها تفيدنا في موضوع هذهِ الزاوية وهي مناسبة عيدِ الجلاء أو ما يمكننا تسميتهُ العيد الوطني للجمهورية العربية السورية، هذه المناسبة التي كُنا نظنها ناجيةً من الانقسام الحاصل في المجتمع السوري لتكون آخر المناسبات الجامعة لكل السوريين مع ذكرى حرب تشرين التحريرية، أو على الأقل كما يفترض المنطق الوطني الذي يوحِّد النظرة تجاهَ عدو الخارج بمعزلٍ عن الخلافات السياسية في الداخل.

ولكن كما جرت العادة بما يتعلق بهذا الإنقسام فإن حساب الحقل لم يوافق حساب البيدر، فجزء كبير من الذينَ يسمونَهم معارضة أو تنظيمات إسلامية لا ترى الكيان الصهيوني عدواً وبالتالي فإنها لو وصلت إلى الحكم لا سمح اللـه لقامت بحذفِ هذهِ المناسبة من تاريخنا ولربما اتهمت الجيش العربي السوري بالإساءةِ للعلاقاتِ الأخوية مع دولِ الجوار!

أما الذكرى الثانية فقد باتت خاضعةً للمقارناتِ التي يُطلقها البعض عن إنجازاتٍ قام بها الفرنسيون خلال فترة انتدابهم على سورية بل وصلت الوقاحة عند البعض للحديث عن أفضلية بقائه، والأهم هو مقاربة الفكرة من منظورِ أن الصراع مع الاستعمار باتَ صراعاً من أجل لقمة الخبز، بالتأكيد هذه الفكرة مرفوضة فالاستعمار يبقى استعماراً ولا يوجد أي ربط بين ما نعانيهِ على المستوى الاجتماعي بحسناتٍ يتمتع بها الاستعمار، حتى إن الكثير من الأعمال الدرامية التي تخصصت بالحديثِ عن البطولات ضد الجيش الفرنسي المحتل قابلتها دراما حقيقية كشفت لنا الصراع مع المشاكل الاجتماعية الحالية، من الفشل الإداري مروراً بغياب الرقابة وصولاً لضياعِ الأحلام! كلاهما لم يجمِّل الحدث.

ولكن على سيرةِ الدراما، فجميعنا لاحظَ ويلاحظ أن التعاطي مع فترة الاحتلال الفرنسي كانت مرتبطة بفكرةِ استعراض البطولات العسكرية للثوار وإن كان الكثير من الحالات تم تهميشها، فعلى سبيل المثال كم عملاً درامياً تناولَ الثورة في جبل الزاوية؟ لكن ما تم تجاهلهُ تماماً في الدراما السورية هي المعركة السياسية التي قادَها الساسة السوريون يومها وأفضت لهذا الإنجاز، قد نتفهم هذا التجاهل في الأعمال التي غطت حقبةَ الاحتلال العثماني القميء لكون الكيان المستقل الإداري والسياسي لسورية لم يكن قد ظهر، قلة قليلة مرت على التفاصيل، لا أدري حقيقةً لماذا يتم تجاهل هذه المعركة السياسية التي لم تقل ضراوةً عن المعركةِ العسكرية؟ وبمعنى آخر:

يقولون إن الدراما انعكاس للمجتمع، يوماً ما كنا بحاجةٍ لدراما ترفع حرارة الانتماء للوطن والتضحية من أجلهِ، هذه التفاصيل كانت تخدم المرحلة، اليوم لا يبدو أن هذه التفاصيل مفيدة لأن الفرز تم وانتهى ومع المتغيرات التي تحصل من حولنا لابد من الإضاءة على المعارك السياسية لأن السياسة في النهاية هي التي تضع تفاصيل اللوحة الأخيرة لأي انتصار.

رحم اللـه كل من خاض معركة سياسية أو عسكرية لأجلِ هذا الوطن الذي لا يموت، وكل عام والجمهورية العربية السورية.. بكامل استقلالها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن