حلب تودع أحد أعلامها الذين عشقوا التاريخ العريق لسورية … محمد قجة موسوعي حدد منزل المتنبي وأمين حلب عاصمة للثقافة الإسلامية ونال جائزة الدولة التقديرية في النقد والدراسات
| مصعب أيوب
نعت الأوساط الثقافية السورية ممثلة بوزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب، الباحث والكاتب السوري محمد قجة الذي غادرنا أمس الأربعاء عن عمر ناهز 85 عاماً، تاركاً إرثاً ثقافياً ومعرفياً كبيراً بعد أن أمضى حياته في البحث والتقصي والدفاع عن الثقافة ومواجهة كل ما يعترضها.
قارئ نهم
ولد الراحل في حي قارلق بمدينة حلب عام 1939 ومنذ نعومة أطفاره كان محباً للقراءة والأدب ومطلعاً على التاريخ والتراث وقد اتجه إلى حفظ آيات من القرآن الكريم وتعلم في الكتّاب وقد أعجب كثيراً بالمتنبي وبأشعاره وقد دفعه حبه للقراءة إلى قراءة الكثير من الكتب للتوحيدي والجاحظ ولنجيب محفوظ وعمر أبو ريشة ويوسف إدريس والكثير من تاريخنا ومخطوطاتنا العربية والإسلامية، وعليه فقد اتجه إلى دراسة اللغة العربية عام 1959 وثم اتجه إلى التدريس في مدارس عدة أهمها مدرسة المعري، كما بات مديراً لإحدى المدارس.
سافر إلى الجزائر وحصل على درجة الماجستير في تاريخ الأندلس الذي عشقه وهامَ به والذي تمنى لو أنه عاش في عصرها، وعندما عاد إلى حلب كان يحمل في جعبته الكثير من الحب والشوق لبلده، وانتسب إلى جمعية العاديات المختصة بالتاريخ والآثار وبات رئيساً لها 1994 وكان صاحب دور جوهري ومهم في نشاطاتها وفعالياتها، علاوة على أنه أغنى مكتبتها بالكثير من المؤلفات.
كما تمت تسميته بالأمين العام لفعاليات حلب عاصمة الثقافة الإسلامية 2006 وكان أن ساهم في تأليف نحو 170 كتاباً تتمحور في جلّها حول المدينة وتاريخها وعراقة آثارها وحضارتها، كما نظم العديد من المؤتمرات خلال تلك الفعاليات بمشاركة باحثين من دول مختلفة من جميع أنحاء العالم.
إسهامه التراثي
كما تمت تسميته مستشاراً لمنظمة اليونيسكو في سورية لشؤون التراث اللامادي 2010 ورئيس تحرير لجنة السجل الوطني للتراث الثقافي، وكذلك رئيس تحرير مجلة التراث وعضو لجنة ترميم الجامع الأموي بحلب، وعليه فقد كان الراحل علامة فارقة في تاريخ سورية الأدبي والثقافي واسماً لامعاً بين الأسماء الكبيرة من الأدباء العرب والمثقفين والإعلاميين ولاسيما بعد أن جال بلداناً كثيرة وحصل على الكثير من شهادات التقدير والأوسمة محلياً وعربياً وعالمياً.
منزل المتنبي
في عام 2010 وضع قجة دراسة تفيد بأنه استطاع تحديد موقع منزل الشاعر المتنبي في حلب وهو المكان الذي تقع فيه المدرسة الصلاحية، مؤكداً أن وزارة الثقافة سمحت بتحويل المدرسة إلى متحف، لكن الأحداث الأخيرة التي شهدتها سورية حالت دون ذلك.
وفي عام 2016 نال جائزة الدولة التقديرية في مجال النقد والدراسات والترجمة.
كما كان من أبرز المناصب التي شغلها هي: عضو في مجلس أمناء «مؤسسة القدس الدولية»، و«مركز مخطوطات مكتبة الإسكندرية»، و«جامعة إيبلا الخاصة»، وعضو في مجلس خبراء «مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة»، وعضو في كل من «الاتحاد العام للآثاريين العرب»، و«اتحاد الكتّاب العرب»، و«المجلس الوطني للإعلام»، و«الجمعية السورية لتاريخ العلوم»، و«معهد التراث العلمي العربي» في «جامعة حلب»، ولجنة حماية حلب القديمة، ولجنة ترميم الجامع الأموي في حلب.
من أعماله
ومن أبرز مؤلفاته التي تزيد على الأربعين مؤلفاً: حلب مطلع القرن العشرين ودمشق في عيون الشعراء وحلب في كتاباتي وقصائدي وشجرة الدر، وعبد الملك بن مروان، وصلاح الدين، والظاهر بيبرس، وطارق بن زياد، والمنصور الأندلسي، والقدس في عيون الشعراء، وحلب عاصمة الثقافة الإسلامية، كما أن له الكثير من الدراسات النقدية والأدبية والمحاضرات والأبحاث.
يعتبر رحيل محمد قجة خسارة عظيمة للثقافة السورية بحيث استخدم أسلوباً ومنهجاً معيناً للغوص في التاريخ وتقصيه واستقصائه ونبع ذلك من حبه لبلاده وحضارتها وعراقتها.