منذ توليه رئاسة حكومة الكيان الإسرائيلي في شهر آذار عام 2009 أي قبل 15 عاماً اعتاد بنيامين نتنياهو إطلاق أكبر عدد من التهديدات بشن حرب مباشرة على أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية بحجة منعها من امتلاك سلاح نووي، برغم أنها تبعد أكثر من ألف ميل من تل أبيب، وكان هدفه من كل هذا التهديد هو جر الولايات المتحدة إلى شن حرب مباشرة على إيران لكنه لم يتمكن من جرها وخصوصاً بعد عام 2015 الذي شهد اتفاقاً بين الدول الكبرى وألمانيا معهم على معاهدة تؤكد عدم محاولة إيران امتلاك هذا السلاح مع الاحتفاظ بجميع مفاعلاتها النووية المدنية وضمن شروط مقبولة للطرفين، ورفض نتنياهو هذا الاتفاق وشن حملة عليه وأعلن أن «إسرائيل وحدها ستشن حرباً على إيران وتدمر كل مفاعلاتها النووية المدنية»، وها نحن في عام 2024 لا نجد أي حرب مباشرة قد شنت على أراضي إيران من تل أبيب ولا من واشنطن بل إن إيران قبل أيام هي التي شنت هجوماً مباشراً بقواتها بالصواريخ والمسيرات على الكيان الإسرائيلي من جنوبه حتى شماله، وهي التي بادرت إلى هذا الهجوم المباشر رداً على قصف قنصليتها في دمشق واستشهاد عدد من قادة الحرس الثوري، وبقي مشروع نتنياهو بشن حرب وحده ضد إيران مجرد تهديد فارغ أراد منه ردع إيران فإذا به يجد أن إيران هي التي نفذت هجوماً مباشراً لردعه، وبعد هذا الهجوم تحولت المجابهة بين تل أبيب وطهران إلى مرحلة ما بعد الهجوم الإيراني، والسؤال الذي تطرحه هذه المرحلة هو هل ستجرؤ تل أبيب على شن رد هجومي مباشر بقواتها على إيران؟
لقد اعتاد نتنياهو طوال السنوات الماضية على إعداد عمليات استخباراتية إرهابية يستهدف فيها إيران بوساطة مجموعات مسلحة مثل داعش أو غيرها من المجموعات للقيام بعمليات داخل إيران أو عبر حدودها ودون أن يعلن مسؤوليته عنها كما يشن عادة بعض العمليات المباشرة بصواريخ أو مسيرات ضد حلفاء إيران في العراق، ولكن دون أن يجرؤ على ضرب الأراضي الإيرانية، ويبدو أن واشنطن تعرف جيداً أن إيران لا يمكن إلا أن ترد مرة أخرى على تل أبيب إذا ما هاجم نتنياهو أهدافاً بشكل مباشرة بقواته فوق أراضيها، ولذلك تعلن أنها تحاول ثني نتنياهو عن الرد المباشر، وهذا يعني أن تل أبيب لن يكون أمامها سوى اتباع طريقتها السابقة بتوظيف مجموعات مسلحة إرهابية تستهدف إيران، وفي وضع كهذا تكون إيران قد فرضت قاعدة اشتباكها الذي ضربت فيه أراضي الكيان وعززت ردعها ضد الكيان وحلفائه، فنتنياهو بعد الهجوم الإيراني سيظهر لدول المنطقة بأنه غير قادر على ضرب إيران وحده، وحماية دولها من طهران كما يزعم، ولا أحد يشك أيضاً أن واشنطن ذاتها لن تجد في هذه المرحلة ما يشجعها على إعطاء أوامرها لنتنياهو بشن حرب مباشرة لأنها تدرك أن أسلحة إيران التي لم تستخدم في الهجوم على الكيان سيجري استخدامها هذه المرة وخصوصاً إذا ما وجد محور المقاومة أن الخيارات في توسع الحرب ستجعل فصائله المسلحة تشارك بها مباشرة، وحرب كهذه لن تتحملها واشنطن في عام الانتخابات التي يخشى الرئيس الأميركي جو بايدين والحزب الديمقراطي من نتائجها السلبية على إعادة انتخابه، ومع هذا الهجوم المباشر الإيراني العسكري على الكيان ستجد كل دول المنطقة أنها تواجه مرحلة جديدة سواء تجاه الكيان أو تجاه إيران ومحور المقاومة.