من دفتر الوطن

المستقبل في رحاب الماضي

| حسن م. يوسف

صدمتني الحياة بخشونة خلال الأيام الماضية إذ سلبت مني الصديق والزميل العزيز والأخ الأصيل محمد نعيم طاهر بشكل مفاجئ يذهل العقل ويصفع القلب، إلا أنها حققت لي حلمين قديمين لطالما تطلعت إليهما، الحلم الأول هو أن أطل على المستقبل من خلال نهائيات المسابقة البرمجية العالمية لطلاب الكليات الجامعية التي تقام متنقلة في مدن العالم منذ سبعة وأربعين عاماً، والحلم الثاني هو أن أرى بعيني مدينة الأقصر الباهرة التي كانت عاصمة لمصر الحضارة طوال 2252 عاماً.

صحيح أنني أهتم منذ سنوات طويلة بالحواسيب وتكنولوجيا المعلومات إلا أنني لم أسمع بالمسابقة البرمجية العالمية إلا منذ اثني عشر عاماً عندما شارك فيها فريق من الطلاب السوريين بدعم ورعاية من الدكتور المهندس جعفر محسن الخير عميد كلية المعلوماتية في جامعة تشرين الذي آمن بأهمية هذه المسابقة وكرس لها الكثير من جهده واهتمامه وأصبح منذ سنوات مديرها الإقليمي، وتسلط هذه المسابقة، الضوء على الطلاب والمدربين والجامعات وصناعة البرمجيات والمعنيين بها من خلال تكريس البرمجة التنافسية القائمة على عمل الفريق وقد نجحت عبر تاريخها في رفع تطلعات وأداء أجيال ممن يحلون مشكلات علوم الحوسبة والهندسة، كما سلطت أضواءها الكاشفة على أكثر من أربعمئة ألف مبرمج ينتشرون في مختلف أنحاء العالم.

تقوم الفرق المتسابقة بالتعاون لحل التحديات البرمجية بغية بناء أنظمة كمبيوتر يمكن الاعتماد عليها، وتبدأ المسابقات محلياً في الكليات الجامعية بين فرق البرمجة التي يضم كل واحد منها ثلاثة طلاب، يتصدون معاً لحل مجموعة من المسائل البرمجية، ثم تجري مسابقات مماثلة بين الفرق الفائزة على مستوى الجامعات ثم على المستوى الوطني، فالمستوى الإقليمي وصولاً إلى المسابقة البرمجية العالمية التي تتنافس فيها أفضل الفرق من مختلف القارات لحل أكبر عدد من التحديات البرمجية.

المثير هو أن حلمي الأول تحقق خلال الأسبوع الماضي بشكل مضاعف فما جرى هو أن الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري لم تستضف مسابقة عالمية واحدة بل استضافت اثنتين! إذ أجرت المسابقة السادسة والأربعين والمسابقة السابعة والأربعين في وقت واحد.

وقد شارك في ذلك الحدث الهائل مئتان وواحد وستون فريقاً جامعياً جاءت من 3450 جامعة موزعة في 111 دولة من مختلف البلدان، والحق أن حضور شبابنا في هذه الفعالية العالمية الكبرى يمثل إنجازاً بارزاً بحد ذاته «في ظل مشاركة 70 جامعة ضمن المئة الأولى في تصنيف الجامعات العالمية».

كانت حصة سورية في المسابقة المزدوجة هي «تسعة فرق من جامعات دمشق وحلب وتشرين والبعث والمعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا والجامعة الافتراضية تأهلوا للنهائي من أصل 29 فريقاً يمثلون إفريقية والدول العربية» وقد حصل فريق المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا على لقب بطل إفريقية والوطن العربي في المسابقة.

أما حلمي الثاني فكان رؤية الأقصر التي كانت تلقب بمدينة المئة باب أو مدينة الشمس، وطيبة التي جرى حفل افتتاح المسابقة في باحة معبدها المهيب، كما جرى حفل الختام في رحاب معبد ختشبثوت الفخم المتكئ على جبل شاهق، وهكذا رأينا المستقبل يتقلب بكل زخمه في أحضان الماضي وآثاره الباهرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن