الأعمال المسرحية الكاملة للأب إلياس زحلاوي … تحمل فكراً نيراً ونفحة إنسانية وروحانية عالية منطلقاً من أن المسرح أبو الفنون
| مصعب أيوب
الأب إلياس زحلاوي رجل مثقق ومؤمن بالقضايا الإنسانية وإنسان فاعل في المجتمع، وهو رجل مسرح ومترجم ومبدع من إعلام سورية يسعى ليصل بشعاع نوره إلى كل أصقاع العالم وتجاوز الحدود الجغرافيّة السورية.
عزم على الإصلاح والأخذ بناصية الأمة للنهوض منطلقاً في ذلك من الحضارة والتراث، كان جامعاً لأبناء الوطن حوله المحبين للإنسانية والرافضين للاعتداء وأشكاله ليغدوا شيخاً جليلاً يهتدي بنوره الناس ويثقون بخياراته.
وعليه قام اتحاد الكتاب العرب بتقديم طبعة جديدة من الأعمال المسرحية الكاملة للأب إلياس زحلاوي ليسهم في نشر الثقافة وتأصيل الفن الرفيع لأن الفن هو أكثر ما يلامس مشاعرنا ويداعب أحاسيسنا، وليؤكد اتحاد الكتاب العرب حرصه الدائم على تكريس القيمة العالية للفن والإبداع فقد كرم الزحلاوي عبر جمعية المسرح بالتزامن مع إصدار الطبعة الثانية من الأعمال المسرحية الكاملة.
ولعل ما ميز الأعمال المقدمة في الكتاب هو النفحة الإنسانية التي تحملها نصوصه ذات الطابع الفكري والتي لا ينقصها سوى التقديم على المسرح برؤية مخرج مرهف الإحساس يستطيع استنباط ما في هذه المسرحيات لمؤلف يؤمن بأن المسرح أبو الفنون والقاعدة الرئيسية لبناء فكر إنساني نير.
مسرحيات خمس
وقد حملت المسرحية الأولى عنوان «ليتك كنت هنا»، حيث تجسد فيها ألم وأسف زحلاوي وقلقه فيما يخص هجرة البشان عن أوطانهم، وآلام الغربة وصعوبتها وضرورة تأصيل ثقافة الانتماء للوطن وللتراب والأهل مستعرضاً ذلك في حكاية اجتماعية ووطنية مؤلفة من ثلاثة فصول، ومن أبرز أبطالها، الأب عادل الذي يظن نفسه الحاكم المطلق في البيت، والأبناء غسان العائد من السفر والذي يحمل الكثير من الحنين لعائلته ووطنه وعروبته، والإخوة الذين يجدهم غسان في سهرة سكر وعربدة احتفالاً بنجاح أحدهم بالبكالوريا بعد رسوبه مرتين، ومنهم منير وماجد وعفاف وماجدة وغيرهم.
وفيما يخص المسرحية الثانية التي ضمها المنشور «المدينة المصلوبة» تكمن مأساة الأرض المحتلة فيرد بين سطورها سؤال جوهري مفاده أنه لو كان زحلاوي في القدس يؤدي دور كاهن شاب ما الذي يمكنه فعله؟، فقد كتب النص وتخيل نفسه كاهناً شاباً يعيش في القدس ويخوض غمار حوار وجدال مع أحد كهنتها الفلسطينيين المصاب بالإحباط عبر سنوات طويلة، وهي مسرحية قدمت على مسرح القباني وقام بإخراجها سمير سلمون، ومن شخصياتها الأب والكاهن عيسى والأب إبراهيم ومخلص وأحمد وديفد وبطرس وفواز وليلى وغيرهم.
كما كان في مسرحية الطريق إلى كوجو يتجلى تمسك أصحاب الأرض بحقهم واقتلاع عيون من يريد الاقتراب منها، لتحمل المسرحية إسقاطات معينة على الواقع المعيشي في معظم الدول العربية حول استيلاء بعض أصحاب النفوذ على أراض معينة للبعض بحجة إنشاء طرق خدمية وحدائق ومساكن شعبية على حين تصبح لاحقاً فيلات للسادة.
ومن شخصياتها الكاهن ديوني وخوسيه رب عائلة موظف في دائرة حكومية وزوجته ماريا وابنته أوليفيا وباقي الأبناء والجيران وغيرهم، والمسرحية مؤلفة من فصلين.
على حين أنه أنجز مسرحيته «الأدغال» بعد أن استمع لقصة أحدهم في أحد المستشفيات خلال أيامه الأخيرة، وبناء على بعض ما سمعه من ذاك الرجل، رسم زحلاوي خطوطاً واضحة لمسرحيته واستل قلمه وراح يخطها ببراعة وإحساس عال.
لتشرح المسرحية جمال العيش بمنأى عن الناس وبراحة بال بعيداً عن القيل والقال وحتى مع الحيوانات، إذ تجلى ذلك في علاقة سعيد الوطيدة بكلبه.
ومن أبرز شخوص هذه المسرحية حنان وصبحي وسعيد وناديا وسمير وفريد وأبو عصام وزوجته وغسان ورياض وغيرهم.
وتمحورت مسرحية وجبة الأباطرة، ١٩٨٠ حول بعض الأحداث التي جرت في روما الإيطالية أواخر القرن الثاني للميلاد وهي تشبه إلى حد كبير ما يعيشه وطننا العربي، فعالجت المسرحية سقوط إمبراطورية الرومان ومراحل انحدارها بعد أن تم بيع منصب القيصر لأحد التجار الذي قدم وجبات طعام لبعض الجنود والعساكر من حامية المدينة.
ومن أبرز أبطال هذه المسرحية كوموديوس وجوليانوس وإكيلتوس وفيليبوس ومارشيا وفلافيوس وغيرهم.
وهو بكتابته للنص المسرحي يؤكد أنه يحس ويلتصق بالممثلين الذين يخمرون موضوع المسرحية في أذهانهم وأعماقهم.
في النهاية
جعل إلياس زحلاوي من (الكنيسة) مكانا ثقافياً وحوارياً يدعو للتكاتف والتعاضد بين الأديان إذا ما انطلقنا في ذلك من المواطنة، والانتماء إلى أمة واحدة، وقد طلب من (أدونيس) و(نزيه أبوعفش) وغيرهم من الشعراء، وأهل الأدب والفن، أن يتحدثوا عن الأدب، وطرح رؤاهم، وجهات نظرهم حول ما يعيشه الناس وما يعانوه والشؤون الثقافية والفكرية التي تهم الجمهور، وبالتالي كسر نمطية أن الكنيسة مجرّد مكان طقسي للصلاة ويقسده الناس للتعبد فقط، وإنما فضّل أن يكون مكاناً للتبادل الفكري النير.
بطاقة تعريفية
ولد الأب إلياس زحلاوي في دمشق عام 1932، درس في سورية ولبنان، وواصل دراسته للفلسفة واللاهوت في القدس، كما أنه درس علم النفس في جامعة ليون بفرنسا.
ومن مؤلفاته: «عرب مسيحيون»- 1969، «حول الإنجيل وإنجيل برنابا»- 1971، «المدينة المصلوبة»- 1973- مسرحية، «الطريق إلى كوجو»- 1976- مسرحية، «تاريخ المسرح» في خمسة أجزاء- 1979، «وجبة الأباطرة»- 1981- مسرحية، «شهود يهوه من أين إلى أين؟»- 1991، «الصوفانية»- 1991، «اذكروا الله»- 1995، «ومن الكلمات بعضها»- 1997.
كما أنه ترجم عدداً من الكتب منها: «المجتمع والعنف»- 1976، «فكر هيغل السياسي»- 1979.
وقد أسس بتكليف رسمي من السلطة الكنسية في العام 1968، أسرة الرعيّة الجامعيّة في كنيسة سيدة دمشق، وأسّس كذلك مع المخرج سمير سلمون في العام 1968 فرقة «هواة المسرح العشرون».
كما أسّس عام 1977، في الكنيسة نفسها، جوقة الفرح، وهو يواصل العمل في مختلف هذه النشاطات إضافة إلى عمله ككاهن رعيّة في كنيسة سيدة دمشق، وقد عُيّن فيها منذ العام 1977.
درَّسَ الأب إلياس زحلاوي اللغة اللاتينية والترجمة في جامعة دمشق بين العام 1975 و1980، ودرّسَ تاريخ المسرح في المعهد العالي للفنون المسرحية في العامين 1978 و1979، وهو أيضاً عضو في اتحاد الكتّاب العرب منذ العام 1973.
وقد اختير عضواً في اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة منذ تأسيسها في شهر أيار 2001، كتب في شؤون كثيرة، منها الشأن الفلسطيني.