ثقافة وفن

رحيل عمدة الدراما المصرية … صلاح السعدني.. اصطحبه عادل إمام إلى عالم الفن فتربع على قمة الدراما التلفزيونية

| وائل العدس

نعت الأوساط الفنية العربية الممثل المصري صلاح السعدني الذي فارق الحياة يوم الجمعة الماضي عن عمر ناهز 81 عاماً بعد صراع طويل مع المرض.

وأعلن نقيب المهن التمثيلية المصرية أشرف زكي عن رحيله فنشر صورة للراحل وكتب: «البقاء لله الفنان صلاح السعدني ربنا يرحمه».

الراحل غاب عن الظهور الإعلامي منذ سنواتٍ طويلة، واختتم مسيرته الفنية الغنية التي بدأها في ستينيات القرن الماضي، بمسلسل «القاصرات» الذي عرض في موسم 2013.

أكثر من 200 من الأعمال الفنية قدمها السعدني للجمهور العربي، في مشوار امتد لنصف قرن، اختلطت فيها لغته الرصينة ذات المخارج العربية السليمة، باختياراته الفلسفية لأدوار تتناول هموم المجتمع، قدمها تارة بأداء جاد، وأحياناً أخرى بحسه الفكاهي.

كانت أصعب لحظة على صلاح السعدني هي تلقيه خبر وفاة صديقه نور الشريف عام 2015، فشعر وقتها أنه فقد جزءاً كبيراً من عمره، ومن وقتها ساءت حالته الصحية، وتوارى عن الأنظار.

صلاح السعدني كما ذكر عمرو دوارة في دراسة له نشرت في كتاب «صلاح السعدني.. ابن الحلم واليقظة» قال عنه إنه يتميز بصفات وسمات فنية كثيرة لن تجدها في أغلب الفنانين مجتمعة، فهو يجيد أداء الأدوار الميلودرامية والتراجيدية بكفاءة أدائه للأدوار الكوميدية نفسها التي برع واشتهر بها، ومتميز في التمثيل باللغة العربية الفصحى بدرجة تميزه في التمثيل باللهجة العامية نفسها، كما أنه يمتلك الحضور القوي المحبب والتمكن الواضح من مختلف مفرداته الفنية، كما يتمتع بخفة الظل والقدرة على خلق الابتسامات وتفجير الضحكات وإشاعة جو من البهجة، إضافة إلى حرصه الكبير على تنوع أدواره وعدم الوقوع في دائرة النمطية أو تكرار بعض الشخصيات الدرامية، ومن أهم سماته كممثل القدرة الكبيرة على الارتجال ما يتناسب مع المواقف المختلفة مع مهارة عدم الخروج عن أبعاد وملامح الشخصية الدرامية.

النشأة الأولى

في ستينيات القرن الماضي، ظهر على الشاشة الصغيرة، شاب عشريني نحيف خمري البشرة، ينادونه باسم «أبو المكارم»، بملامح بريئة، وثياب مهلهلة وطاقية فلاح، يتكلم بلغة الإشارة، ويتمايل هائماً مع قول الذاكرين «الله حي» يمنة ويسرة.

كانت هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها الجمهور هذا الفنان المصري بالأبيض والأسود، من خلال مسلسل «الضحية» الذي كان الجزء الأول من خُماسية «الساقية» التي لم تكتمل للأديب الكبير عبد المنعم الصاوي.

ولم يدر بخلد المشاهد آنذاك، أن همهمات الشاب الأبكم ستتحول إلى صوت خشن رصين، يرتبط باسم صلاح السعدني، الذي امتزج اسمه الذي يحمل عبق التاريخ، بخطوط الحقول التي ولد في رحابها بمحافظة المنوفية جنوبي دلتا النيل عام 1943.

تخرج في كلية الزراعة بجامعة القاهرة التي وقف على خشبة مسرحها بجانب زميل الدراسة عادل إمام، الذي بدوره اصطحبه إلى عالم الفن وربطت بينهما صداقة امتدت طوال حياتهما.

عن هذه المرحلة قال الراحل في أحد اللقاءات: «كان مالي ومال التمثيل.. أنا كنت منذ طفولتي وأنا أعد نفسي لأصبح مهندساً زراعياً، ومن أجل هذا الغرض التحقت بكلية الزراعة، ومضت الأمور على ما يرام إلى أن قادني قدري والتقيت الزميل عادل إمام الذي استطاع أن يقلب حياتي رأساً على عقب.. فمن خلاله عرفت التمثيل، ومن هنا بدأت البحث عن إظهار الموهبة التي تكمن في داخلي».

في المسرح والإذاعة

رغم أن المسرح كانت بداية ميلاده الفنية، إلا أن ما عُرف من مسرحياته، لم يكن بشهرة ما قدمه على الشاشتين الصغيرة والكبيرة، وكان من بين ما قدمه «حارة السقا» و«الجيل الطالع» و«الملك هو الملك»، و«قصة الحي الغربي» التي قال عنها الفنان الراحل سعيد صالح في لقاء تلفزيوني إنها فاقت في نجاحها مسرحية «مدرسة المشاغبين»، لكن لم تُعرض على الشاشات فيما بعد لأنها كانت تهاجم الحكومة.

كما قاده صوته الخشن المميز إلى تقديم عدد من المسلسلات الإذاعية، منها «رحلة في الزمن القديم»، «عشاق لا يعرفون الحب»، «أحلام أحلام»، «قبض الريح»، «المغتربون»، و«فارس عصره وأوانه».

التلفزيون والسينما

حجز السعدني مكانه بين الكبار مبكراً، وتربع على قمة الدراما التلفزيونية مراراً لما يتمتع به من قدرة على تجسيد الملامح النفسية لمختلف الشخصيات، ولتحاشيه النمطية والتكرار، ورهانه على المحتوى الهادف. إلى جانب موهبته الكبيرة في تقديم التراجيدي والكوميدي.

لم يكن «عمدة» بعد، عندما دخل بيوت المصريين مع الاختراع الجديد المسمى بالتلفزيون، من خلال تمثيلية «الرحيل» 1960، فقد كان عمره آنذاك 17 ربيعاً، وكانت البيوت القادرة على اقتناء هذا الجهاز تعد على أصابع اليد الواحدة في كل حي.

ليعود في 1964 ويدخل إلى مزيد من البيوت مع تمثيلية «الضحية» في دور «أبو المكارم»، الأخرس بلا صوت ولا أرض ولا بيت، لكنه يملك قلباً يفيض رحمة على الضعفاء، ولا يخلو من جرأة على المستبدين.

استمر لاحقاً في تقديم المسلسلات التي شكلت الجزء الأبرز من رصيده الفني، وحافظ على نجاحه التلفزيوني في حقبتي السبعينيات والثمانينيات بمسلسلات «أم العروسة» و«قطار منتصف الليل» و«أبنائي الأعزاء.. شكراً» و«الزوجة أول من يعلم».

لكن يبقى مسلسل «ليالي الحلمية» بأجزائه المتتالية للمؤلف أسامة أنور عكاشة والمخرج إسماعيل عبد الحافظ أيقونة مشواره الفني، حيث قدم فيه دور «العمدة سليمان غانم» الذي لا يوقفه شيء، ولا يسلم من لسانه ولا يده أحد، ليطلق عليه النقاد لاحقاً لقب «عمدة الدراما المصرية».

ومن أبرز مسلسلاته أيضاً: «أرابيسك، بيت الباشا، حارة الزعفراني، سنوات الشقاء والحب، سنوات الغضب، شارع الماوردي، الزوجة أول من يعلم».

ولعب السعدني أدواراً سينمائية مختلفة في نحو خمسين فيلماً، من أهمها: «أغنية على الممر» و«الأرض» و«لمراكبي» و«طائر الليل الحزين» و«الرصاصة لا تزال في جيبي» و«شحاتين ونبلاء» و«عمارة يعقوبيان» و«كيف تسرق مليونير» و«زوجة بلا رجل» و«بائعة الحب» و«الأشقياء».

لم يكن النجم المتفرد يعلم وهو منهمك في تصوير مسلسل «القاصرات» أن هذا سيكون آخر أعماله الدرامية الرمضانية، بعد 5 عقود من التألق غير القابل للمنافسة. لكن المرض أبى إلا أن يوصله إلى خط النهاية مبكراً، كما بدأ من نقطة البداية مبكراً أيضاً، ويحرم جمهوره العريض من إطلالته المشاغبة المبهجة.

في أحدث لقاءاته قال الراحل: «حققت خلال مشواري الفني الذي امتد نحو نصف قرن أكثر مما توقعت، وأخذت أكثر مما أستحق، فقد كان شغلي الشاغل البحث عن الجودة بغض النظر عن المقابل المادي».

رثاء إلكتروني

سوزان نجم الدين: صلاح السعدني، هالاسم بيعنيلي كتير عالصعيد الفني والإنساني، لأنو كان أول نجم مصري بوقف قدامو بمصر بمسلسل «نقطة نظام»، وكان أخاً وأباً وصديقاً بكل معنى الكلمة، وجمعتنا لحظات حلوة ومواقف أحلى رح تضل بالذاكرة العمر كلو أكيد، اللـه يرحمك يا غالي ويغفرلك ويصبر أهلك وحبايبك يارب وإلى جنة الخلد إن شاء الله».

سلاف فواخرجي: «الكبير والمتفرد صلاح السعدني لروحه المبدعة كل السلام وخالص العزاء لعائلته وأصدقائه ولكل محبيه في العالم العربي».

فادي صبيح: «الهرم الكبير وابن البلد والأصيل صلاح السعدني لروحه الرحمة والسلام، العزاء الكبير لمصر والشعب المصري بفقدانه، رحمه الله».

أيمن رضا: «الله يرحمك، فنان من الطراز الرفيع».

هيما إسماعيل: «حسن أرابيسك والعمدة سليمان غانم، شخصيات من كتر ما انعملت بجمال وشفافية واحتراف بلشت حس أن لهم وجوداً بالتاريخ، إلى روحك ألف رحمة ونور وسلام صلاح السعدني العظيم».

إياد أبو الشامات: «صلاح السعدني الفنان الجميل.. العمدة سليمان غانم وحسن أرابيسك وياسين عبد الجواد في ثلاثية نجيب محفوظ في ذمة الله، وداعاً وستبقى في ذاكرة جيلنا دائماً كفنان رائع وقامة من قامات الفن الجميل».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن