شؤون محلية

الكهرباء: هل انتهى المأتم..؟

| ميشيل خياط

لفتتني الحفاوة التي خصت بها جريدة الوطن السورية، واقعة رفد الشبكة العامة للكهرباء بـ10ميغا من مشروع لشركة خاصة، في مدينة حسياء الصناعية في حمص، احتفاء بذكرى الجلاء العظيم.

وتلك الكمية جزء من مشروع تبلغ طاقته 60 ميغا واط ينفذ على أربع مراحل.

لأول مرة منذ زمن بعيد، يجري الحديث عن الكهرباء في سورية بفرح…!! ما جعلني أتساءل: هل انتهى المأتم..؟

هذا التساؤل جعلني أقلب صفحات دفتري السميك بحثاً عن سيرتنا مع الكهرباء، لا بالمعاناة التي يتذوق مرارتها كل الناس، بل بالأرقام والمعطيات الملموسة، التي تصوغ في النهاية تقنيناً مضنياً، وانقطاعات طويلة في التيار الكهربائي. فنحن ننتج 2000ميغا واط على حين أننا نحتاج إلى 5000 ميغاواط على الأقل. والمحزن في الأمر أن لدينا محطات قادرة حالياً على إنتاج 5500 ميغا، لكننا لا نستطيع أن نوفر لها الغاز والفيول الكافيين (كل ما لدينا حالياً 6ملايين م3من الغاز و5 آلاف طن من الفيول يومياً، وقد اضطررنا لإيقاف مصنع الأسمدة لتوفير 1,2 مليون م3 غاز لمصلحة الشبكة العامة للكهرباء إذ محرم علينا استيراد الغاز الطبيعي بفعل الحصار الأميركي).

يتحدث وزير الكهرباء عن دعم مالي لأسعار الكهرباء في سورية وصل إلى 18277مليار ليرة سورية قبل اعتماد الأسعار الجديدة، وهي أسعار موجعة جداً على كل الناس في سورية، بصفتهم سكان منازل، إذ جرى رفع سعر الكيلو واط المنزلي حسب شريحة الاستهلاك بدءاً من 10 ليرات للكيلو واط الواحد حتى 600 كيلو واط كأبسط استهلاك، إلى 25 ليرة لـ 601-1000 و135 ليرة لـ1001-1500- و600 ليرة للكيلو واط الواحد لمن يستهلك (1501-2500) و1350 ليرة سورية سعر الكيلو واط لمن تجاوز استهلاكه الـ2500 كيلو واط ساعي من الكهرباء…!! أرقام مخيفة في ظل عدم القدرة على التحكم بالاستهلاك عند حد معين.

علما أن وزير الكهرباء يؤكد أن المنازل في سورية تستهلك 60 بالمئة من الكهرباء السورية.

وإذ نعرج على ما ينجم من خسائر وآلام بسبب انقطاع الكهرباء، وهي ليست بالشيء السهل والهين ولاسيما لأصحاب الورش والمهنيين ومن يعملون في الصيانة داخل البيوت، والقطيعة مع الإعلام المرئي، وصعاب التحصيل الدراسي في ظل- العتمة- لساعات طويلة، وانتشار مئات ألوف محركات توليد الكهرباء أمام المحال التجارية والمهنية وما يرافق ذلك من ضوضاء استثنائية وأدخنة ضارة بالصحة والبيئة، إذ يقدر الدكتور أحمد إدريس الخبير في الاستشعار عن بعد أن خسائرنا السنوية تصل إلى 200 مليون دولار بسبب التقنين الكهربائي، وهذه التقديرات أعلن عنها قبل القصة المؤثرة، للاعتداء على خط كهرباء دير علي -عدرا- وسرقة أمراس هوائية بطول 26 كم من الألمنيوم والفولاذ وتكسير عوازل ومتممات السلاسل الحاملة للفواصل والأبراج..!!

نخلص إلى أن الهدية الكهربائية في عيد الجلاء كانت- محرزة- كمبادرة، مهمة في اتجاه آخر يؤمن لنا الكهرباء من الشمس وليس من الفيول.

إن إنتاج 10ميغا فقط سنوياً يوفر علينا -كما تقول- راما أبو لبن- في خبرها لـ«الوطن» السورية 32 ألف طن من المحروقات (الفيول)، واستناداً إلى سعر طن الفيول نكون قد ربحنا من الشمس- 275,6- مليار ليرة في السنة، وأنقذنا من ويلات 96 ألف طن من غاز ثاني أكسيد الكربون الممرض للصحة والبيئة، ذلك أن احتراق طن فيول ينجم عنه ثلاثة أطنان غاز ثاني أكسيد الكربون.

وإذ نتذكر أن هناك مشاريع لإنتاج الكهرباء من الشمس في عدرا الصناعية (100ميغا وهو مشروع مشترك عام وخاص) وفي المدينة الصناعية في الشيخ نجار بحلب (33ميغا)، ومبادرات للإنارة وضخ المياه للشرب والري في عدة محافظات سورية، ومشاريع منزلية، وسخانات شمسية إضافة إلى قروض للألواح الشمسية بـ 18مليون ليرة والسداد خلال 8 سنوات، فإن ذلك يجعل راية كهرباء الشمس مرفوعة، بغض النظر الآن عن النسب البسيطة، إذ بالإصرار على المحطات الكهرضوئية في بلد تسطع فيه الشمس 312 يوماً في السنة، وبالمثابرة والتشجيع والدعم، وكثير من التشريعات الملائمة التي تحفز على الاستثمار في هذا المجال الحيوي والمربح، لوجود طلب شديد عليه، ستقلب طاولة الكهرباء رأساً على عقب، وسينتهي المأتم إلى غير رجعة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن