قضايا وآراء

واشنطن قبل تل أبيب تمنع وجود دولة فلسطينية

| تحسين حلبي

في الثامن عشر من شهر نيسان الجاري اتخذت الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي أبشع قرار ضد موافقة جميع حكومات العالم على الاعتراف بدولة فلسطين كاملة العضوية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهذا التنكر والرفض الأميركي موجه ضد كل شعوب العالم بما في ذلك الشعب الأميركي، لأن كل الشعوب توافق على أن يكون لفلسطين دولة طالما تطلع إلى تأسيسها الشعب الفلسطيني منذ قرن من الزمان فوق وطنه، وأكدت الإدارة الأميركية رفضها هذا حين أعلن جميع المسؤولين فيها من الرئيس الأميركي جو بايدين حتى وزير الخارجية وصولاً إلى أغلبية الكونغرس أنه «ممنوع على دول العالم الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة العضوية في الأمم المتحدة إلا إذا وافقت إسرائيل في مفاوضات مباشرة مع السلطة الفلسطينية على هذه الدولة»، والكل يعرف أنه منذ توقيع منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقات أوسلو مع الحكومة الإسرائيلية القاضية بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على الأراضي المحتلة منذ حزيران 1967 جرت مئات من جلسات المفاوضات المباشرة، وكانت إسرائيل ترفض إقامتها، وهذه الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها تثبت أن الموقف الأميركي يتبنى كامل الموقف الإسرائيلي الذي يشترط وجود هذه الدولة بموافقة إسرائيل وبموجب شروطها التي لم تجعل هذه الدولة تنشأ منذ ثلاثين سنة لأن أهم شروطها هي منع نشوء الدولة الفلسطينية، وهذا تماماً ما قاله مندوب إسرائيل في جلسة مجلس الأمن نفسها المنعقدة للتصويت على هذا المشروع قبيل استخدام واشنطن حق النقض الفيتو ضده فمنعت المجلس من اتخاذه وتبنيه رغم موافقة الأغلبية عليه واتخاذ دولتين موقف الحياد تجاهه بامتناعهما عن التصويت، وهذا يعني أن الولايات المتحدة كانت منذ وساطتها ورعايتها لاتفاقات أوسلو كانت قبل ثلاثين سنة تستدرج منظمة التحرير بموجب هذه الاتفاقية للتخلي عن 78 بالمئة من أراضي فلسطين المحتلة منذ عام 1948 أي الاعتراف بحق إسرائيل عليها مقابل التفاوض معها على استعادة الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة وإنشاء دولة عليها ليتبين أن واشنطن كانت تتوسط لكي تحقق إسرائيل سياستها بمنع إنشاء دولة فلسطينية، وخاصة أن كل الإدارات الأميركية منذ إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، راعي اتفاقية أوسلو، حتى إدارة باراك أوباما، لم تمنع إسرائيل من بناء المستوطنات في 70 بالمئة من أراضي الضفة الغربية وكل أراضي مدينة القدس الشرقية، وتزج في هذه المستوطنات مليوناً من الإسرائيليين، بل ما تزال واشنطن حتى هذه اللحظة لم تعمل على منع الاستيطان حتى لو قررت إسرائيل إعادته إلى قطاع غزة بعد المذابح التي ارتكبتها فيها منذ سبعة أشهر، فالمندوب الإسرائيلي غيلعاد ايردان قال في آخر جلسة في مجلس الأمن قبل أيام وبحضور المندوب الأميركي إن إسرائيل «لن توافق على دولة فلسطينية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد ما قام به الفلسطينيون من عمليات ضد الإسرائيليين»، واستخدم عبارة: «بعد المحرقة الثانية التي قاموا بها ضد اليهود في السابع من تشرين الأول»، وبيت القصيد هنا أن الولايات المتحدة وليس الكيان الإسرائيلي فقط هي التي تمنع إنشاء هذه الدولة وخاصة أنها لم تطلب من تل أبيب التراجع عن مواقفها الرافضة للدولة الفلسطينية منذ ثلاثين سنة التي سلبت فيها معظم أراضي الضفة الغربية بدعم أميركي لا يتوقف وما تزال تقيم مشاريع الاستيطان في بقية الأراضي.

والسؤال هو: إلى متى سنظل نتجنب قول الحقيقة للولايات المتحدة التي تتأكد في كل لحظة بأن واشنطن هي التي ترسم وتفرض سياستها في كل المنطقة، وهي التي لا ترغب بوجود دولة فلسطينية وتفضل أن تسلب إسرائيل كل أراضي فلسطين من النهر إلى البحر لكي تتعزز وظيفتها وكأنها ولاية أميركية في هذه المنطقة، وقد آن الأوان بعد المذابح التي صمتت عليها الإدارة الأميركية وبعد الهولوكست الذي نفذه جيش الاحتلال على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة أمام كل شعوب العالم، لتحميل كل ما جرى للشعب الفلسطيني خلال قرن من الزمان، لدولتين استعماريتين هما بريطانيا والولايات المتحدة واستخلاص سياسة دفاعية عربية وإسلامية، وعدم تجاهل هذه الحقيقة وما تتطلبه من الدول العربية والإسلامية في هذه الظروف، وسيظل موضوع الدولة الفلسطينية في حكم الغائب مادامت واشنطن تستمر في سياستها التي تقف ضد الضحية وتساند الجلاد إلى أن تتمكن المقاومة وحشودها من فرض شروطها على واشنطن قبل تل أبيب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن