اقتصاد

الحماية الاجتماعية لا تتمثل بالدعم فقط … سيروب لـ«الوطن»: ما تتذرع به الحكومة بوجود عجز بالموازنة يستدعي تقليص الدعم يعد «غير صحيح»

| جلنار العلي

أكدت الدكتورة رشا سيروب العميد الأسبق لكلية الاقتصاد في القنيطرة أن الحرب أدت إلى جعل الناس أكثر هشاشة وعرضة للمخاطر، معتبرة أن برامج الحماية الاجتماعية تعد إحدى الآليات الرئيسة للمساعدة في بناء القدرة على الصمود وتحسين سبل العيش وضمان نوع من أمن الدخل، وذلك نتيجة للتدهور الحاصل في المستوى المعيشي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتسارع الكبير في المستوى العام للأسعار.

وفي محاضرة ألقتها الدكتورة سيروب أمس بعنوان «الحماية الاجتماعية في سورية.. تحديات وتوصيات»، أشارت إلى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 1948، نص على أن لكل فرد الحق في الضمان الاجتماعي بوصفه عضواً في المجتمع، كما لكل فرد الحق في مستوى معيشي ملائم لصحته ورفاهه وأسرته، بما في ذلك المأكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية، والحق في الضمان في حالة البطالة أو المرض أو الإعاقة أو الترمل أو الشيخوخة أو أي نقص آخر في سبل العيش في ظروف خارجة عن إرادته، لذا فإن السؤال يجب أن يكون «كيف يمكن للدولة تحمل تكاليف عدم تقديم حماية اجتماعية تصل إلى الجميع بسرعة؟»، وليس «هل تستطيع البلدان تحمل تكاليف الضمان الاجتماعي؟».

وفي تصريح لـ«الوطن»، بيّنت سيروب أن الحماية الاجتماعية لا تتمثل في الدعم فقط، لافتة إلى أن ما تتذرع به الحكومة بشكل دائم حول وجود عجز بالموازنة يستدعي تقليص الدعم أو ما يسمى بإيصال الدعم إلى مستحقيه لعدم وجود موارد، يعد غير صحيح، فلو حصّلت الحكومة مواردها المالية المستحقة من التهرب الضريبي فقط، لكانت استطاعت تقديم خدمات اجتماعية أفضل بكثير من دون الانعكاس على المواطن بالشكل الحالي.

وحول حجم الإنفاق على الخدمات الاجتماعية، لفتت سيروب إلى أنه إذا تم تقسيم الأرقام الضخمة التي تذكرها الحكومة على عدد الأفراد، يتضح أنها أرقام ضئيلة جداً وليس بمقدورها مساعدة الفرد بشكل فعلي على تحمل مشكلات الحياة، ناهيك عن أن هذه الخدمات غير المتوفرة أساساً تدفع الفرد إلى الإنفاق من جيبه الخاص لتلبية جزء من هذه الخدمات.

سياسات مكافحة الفقر

واعتبرت سيروب ضمن المحاضرة أن الحماية الاجتماعية تعد جزءاً لا يتجزأ من إستراتيجيات سياسات مكافحة الفقر، وهي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها العقد الاجتماعي فلا يمكن للمجتمعات مهما كان مستوى تنميتها أن تضمن تماسكها وازدهارها من دون هذه الحماية، ووفقاً للبنك الدولي فإن الحماية الاجتماعية تساعد الأفراد والأسر على مواجهة الأزمات والصدمات، والعثور على فرص عمل، وتحسين الإنتاجية، والاستثمار في صحة أولادهم وتعليمهم، وحماية المسنين، مشيرة إلى أن الحماية الاجتماعية هي أكثر من الحد من الفقر، فهي استثمار في رأس المال البشري، وتتكون من المساعدات الاجتماعية والتأمين الاجتماعي وسوق العمل.

وحول واقع الحماية الاجتماعية في سورية، بيّنت سيروب أن الدستور السوري لعام 2012، نص في المادتين 22 و25 منه على أن الدولة تكفل كل مواطن وأسرته في حالات الطوارئ والعجز واليتم والشيخوخة، وتحمي صحة المواطنين وتوفر لهم وسائل الوقاية والمعالجة والتداوي، كما تكفل الضمان الاجتماعي والصحي للعمال، كما تعمل الدولة على تحقيق التنمية المتوازنة بين جميع مناطق الجمهورية العربية السورية، متابعة: «وفي العقد الأول من الألفية الجديدة، شرعت الحكومة بالانتقال من نموذج اقتصادي تقوده الدولة ويتم التخطيط له مركزياً، إلى اقتصاد سوق اجتماعي، وقد دعت الخطة الخمسية العاشرة إلى إبرام عقد اجتماعي جديد، ولكن أدى تحرك عمليات التحرير الاقتصادي وتعزيز تدابير الحماية الاجتماعية بسرعات متفاوتة إلى تآكل تدريجي للعقد الاجتماعي.. أما عن برامج الحماية الاجتماعية المطبقة في سورية، فكشفت سيروب أنها تتوزع بين مساعدات اجتماعية تشمل دعم السلع والتحويلات الاجتماعية والتحويلات النقدية التي تضم الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية ومصارف التمويل الأصغر وهيئة دعم أسر الشهداء وذوي الإعاقة، وبين التأمين الاجتماعي الذي يشمل معاش الشيخوخة التقاعدي ومعاش العجز والإجازة المرضية المدفوعة الأجر ومعاش إصابة العمل والأمومة، كما تتضمن تلك البرامج الرعاية الصحية، مؤكدة أن الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية هو الجهة الوحيدة المعنية بوضع وتنفيذ برامج المعونات التي تستهدف الفئات الفقيرة والهشة، حيث يعمل على تعزيز تنمية رأس المال البشري وتقديم معونات دورية أو طارئة، وتمكين المستفيدين اقتصادياً واجتماعياً وصحياً وتعليمياً.

الخطة الوطنية لإعادة الإعمار

وخلال المحاضرة عرضت سيروب رسماً بيانياً يوضح نسبة المشمولين بالتأمينات الاجتماعية، حيث استهدفت الخطة الوطنية لإعادة إعمار سورية، تشميل 69 بالمئة من المواطنين في عام 2023 بالتأمينات الاجتماعية، ولكن اتّضح أنه لم يتم الوصول إلى هذه النسبة وذلك بناء على النسب المحققة بالأعوام السابقة، فمثلاً في عام 2022 وصلت النسبة إلى 39.2 بالمئة (أي يوجد فارق كبير بين ما هو محقق في هذا العام وما هو مستهدف في العام الذي يليه)، أما في عام 2019 فقد كانت النسبة 38 بالمئة، وفي عام 2015 وصلت النسبة إلى 42 بالمئة، في حين كانت في عام 2010، 33 بالمئة، لافتة إلى أن هذه الأرقام تبيّن وجود انخفاض بنسبة التغطية بالتأمينات الاجتماعية، وعدم وجود تأمينات ضد البطالة، أي ما زال هذا الأمر غائباً عن سياسات الحماية الاجتماعية، كما أن الاقتصاد السوري يواجه انتشار الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية والعمالة غير المنظمة، وبالتالي فإن هذه العمالة غير قادرة على الاستفادة من خدمات الحماية الاجتماعية في حال وجودها.

وفي رسمٍ بياني عن نصيب الفرد من الإنفاق على الخدمات الاجتماعية، أشارت سيروب إلى أن نصيب الفرد السنوي من تلك الخدمات التي تشمل التعليم والدعم والصحة، بلغ في عام 2022، 214.7 ليرة فقط، وفي عام 2019 وصل إلى 45 ألف ليرة، وفي عام 2015، 36 ألف ليرة، وفي عام 2010 نحو 11 ألف ليرة.

الحماية المنشودة

وحول الحماية الاجتماعية المنشودة في سورية، اقترحت سيروب أن يكون هناك معاش اجتماعي يشمل تحويل نقد شهرياً غير مشروط يغطي الاحتياجات الأساسية لجميع الأفراد الذين تزيد أعمارهم على 60 عاماً، باستثناء من هم ضمن أغنى 20 بالمئة، وتقديم منحة للإعاقة تشمل تحويل نقد شهرياً غير مشروط يغطي خط الفقر الوطني، يمثل معاشات التقاعد والتأمينات الاجتماعية لجميع الأفراد من كل الأعمار المصنفين من ذوي الإعاقة الشديدة، كما اقترحت تقديم منحة الطفل، التي تشمل تحويل نقد شهرياً غير مشروط بقيمة 60 بالمئة من خط الفقر الوطني، لجميع الأطفال دون سن 6 سنوات، باستثناء من هم ضمن أغنى 20 بالمئة.

كما اقترحت سيروب تقديم منحة للتعليم تشمل تحويل نقد شهرياً مشروطاً تم اختباره من الأثرياء، يستهدف الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً، بشرط الحضور في المدرسة.

ولم تنفِ سيروب وجود الكثير من التحديات المتعلقة بتنفيذ برامج الحماية الاجتماعية كما هو مطلوب، إذ تعاني سورية من التمويل والبيروقراطية الإدارية والفساد والفقر المدقع وشح البيانات وهجرة الكفاءات وخاصة الطبية منها، والثقة بالحكومة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن