قراءة في مباريات الدوري الكروي الممتاز … المال صنع بطولة الدوري والمنافسة ضعيفة … الساحل والحرية الأضعف وأكثر من فريق يستحق الهبوط
| ناصر النجار
مباريات المرحلة ما قبل الأخيرة من الدوري الكروي الممتاز التي جرت يومي الجمعة والسبت الماضيين وضعت الكثير من النقاط على الحروف لتكشف الواقع الحقيقي للعديد من الأندية التي انكشف عنها الغطاء وبدت على صورة غير نقية وتحتاج إلى إعادة دراسة كاملة لواقعها.
الدوري بمجمله كان ضعيفاً، لضعف نصف أنديته وتخبطها، والحقيقة المرة التي يمكن ذكرها أن الحرية والساحل هبطا ولم يستطيعا ترك بصمة في الدوري، لكن الحقيقة الأكثر مرارة أن أندية أخرى تستحق الهبوط كالوحدة والطليعة وربما الوثبة، فهذه الفرق لم تكن على قدر الدوري الكروي الممتاز ولو باسمه على الأقل.
أما على صعيد المنافسة على اللقب فقد كانت ضعيفة جداً، ولم ينفرد الفتوة باللقب إلا على حساب ضعف خصومه وقلة حيلتهم، والفريق الذي كان من الممكن أن يكون منافساً حقيقياً على اللقب هو حطين الذي استعد وأعد، ولكنه لم يكن يملك شخصية البطل على أرض الملعب أو في غرف الاجتماعات فأضاع لقباً كان بمتناوله بسبب سوء التخطيط والعمل الإداري، والمؤسف أكثر أن الفريق ابتعد عن قائمة الكبار ومحاولته الأخيرة هي بلوغ المركز الرابع وقد لا يصل إليه مطلقاً.
لذلك نقول: ليس من الضروري أن تجمع فريقاً من أفضل اللاعبين لتحقق بطولة ما، البطولات بحاجة إلى عوامل عدة كثيرة.
وها هو بعد التغيير لم نجد أي بصمة لمدربه الجديد العزام، رغم أنه يملك نخبة من اللاعبين، فالتعادل السلبي مع الوثبة يعتبر وصمة عار، ولا يمكننا اعتبار الفوز على الحرية بالأمر الجيد، لأن كل الفرق فازت على الحرية سواء في حلب أم خارج حلب.
وبالمقارنة نجد المفارقة العجيبة التالية: فريق أهلي حلب اعتمد على مواهبه وأبناء النادي من اللاعبين الشبان، وخاض معهم تجربة غير محسوبة العواقب وصبر على هذا الفريق وها هو يصل به إلى رابع الترتيب وقد يتمسك به إن فاز على الوثبة في حلب في آخر المباريات، بينما حطين الذي أنفق وصرف واستحضر أفضل اللاعبين لم يصل إلى ما وصل إليه شباب الأهلي، واللافت للنظر أن سوء التخطيط جعل لاعبي حطين من أبنائه يفرون إلى الأندية الأخرى، أما مواهبه فصارت على الهامش، لذلك فإن مستقبل النادي على كف عفريت، وكلنا يتذكر أن فريق حطين ومنذ سنوات عدة يعاني من الهبوط وخصوصاً في الموسمين الماضيين، وفي كل موسم ينجو في الأمتار الأخيرة وبعد طلوع الروح، هذا الموسم توافرت كتلة مالية جيدة استطاعت جذب العديد من اللاعبين الذين يُعتبرون نخبة لاعبي الدوري، لكن لم تتوافر الإدارة القادرة على إيصال الفريق إلى التتويج، وأكثر شيء حدث أن الفريق هذا الموسم لم يعان من خطر الهبوط، لكن الأخطر هو مستقبل الفريق، وأي فريق لا يكون عموده الفقري من أبناء النادي فهو فريق ضعيف ومهزوز.
بطولة سهلة
حاز فريق الفتوة على لقب الدوري قبل عدة أسابيع من انتهاء الدوري بعد أن حسم البطولة بشكل مبكر، والحسم جاء بعد نهاية الذهاب عندما تقدم على أقرب منافسيه بفارق سبع نقاط وقد منحته الأفضلية لأسباب عديدة.
أول هذه الأسباب: أن نصف الفرق كانت بمستوى ضعيف والفوز عليها متاح بأسهل الطرق، وثانيها: فرق الدوري من الصف الأول لم تمتلك قدرة المنافسة أو شخصية البطل، ونقصد هنا فرق تشرين وجبلة وحطين، لذلك جاء لقب هذا الموسم سهلاً على الفتوة ليس لأفضليته إنما لضعف منافسيه، والنقطة الفارقة في بطولة هذا الموسم كانت خسارة حطين أمام الفتوة مرتين، ولو أن حطين فاز بهما لكان لشكل المنافسة صورة أخرى.
جبلة استيقظ متأخراً، ولو أنه لعب مرحلة الذهاب بالروح التي لعب بها في مبارياته الأخيرة لكان للمنافسة حرارة أخرى، أما تشرين فعاش موسماً متخبطاً مضطرباً، افتقد فيه حماس التنافس القوي الذي عودنا عليه البحارة رغم أنه يملك الكثير من اللاعبين الجيدين الذين يعتبرون من نخبة الدوري، لكن أموره الإدارية ساهمت سلباً بتراجع الروح المعنوية للفريق ولمدربه فكان ما كان.
الفائز الحقيقي في لقب الدوري هو المال، تم توظيف أموال الداعمين لمصلحة الفوز ببطولة الدوري بكل الأشكال، لكن ذلك لم يمنع من وجود ملاحظات كثيرة على الفريق وإدارته.
أولى هذه الملاحظات كانت فنية، ففريق الفتوة لم يقنع في الكثير من المباريات ولم يقدم الأداء الذي يطرب جماهير كرة القدم الذواقة، ومردّ ذلك لتدخل من ليس له علاقة بكرة القدم بالأمور الفنية، ويمكن القول إن من ساهم بتواضع الأداء رغم وجود أفضل اللاعبين بالفريق هو التخبط الفني وكثرة تبديل المدربين في الموسم الواحد، لذلك نحن في حيرة من أمرنا، فلأي مدرب سنهدي لقب دوري هذا الموسم، هل سنهديه لمحمد عقيل الذي اختار اللاعبين وأسس الفريق وأشرف على إعداده، أم لأيمن الحكيم الذي حقق مع الفريق الفارق الكبير من النقاط ومنحه الأفضلية المطلقة على بقية الفرق، أم لإسماعيل السهو الذي استطاع أن يحسم اللقاء المسمار مع حطين في وسط اللاذقية، أم لعمار الشمالي الذي وجد اللقب على طبق من ذهب.
سيناريو هذا الموسم كان مكرراً عن الموسم الماضي الذي أعدّ فيه الفريق ضرار رداوي وحقق له انطلاقة البطولة ليأتي عمار الشمالي ليقطف ما زرعه غيره.
والواضح في العملية أن إدارة النادي لو كانت مقتنعة بالشمالي لما أنهت عقده في الموسم الماضي، لكنها تعيش حالة من التخبط لأنها تفتقد الخبرة الفنية المطلوبة.
أما المدرب عمار الشمالي فإن بحثه عن المجد والمال بهذه الطريقة لا يعلي اسمه، لأنه في الموسمين الماضيين تخلى عن الفرق التي يدربها (الوحدة ثم جبلة) مقابل مجد ليس صانعه، وها هو فريقه جبلة بعد مغادرته تنفس الصعداء وحقق من الأداء والنتائج ما لم يحققه في زمن الشمالي.
ورغم أن الفتوة جمع خيرة نجوم الدوري في فريقه إلا أنه لم يعرف كيف يوظف إمكانيات هؤلاء اللاعبين، والملاحظ أن التبديل في الفريق في الشوط الثاني كان معروفاً لأنه مفروض، فالتبديل لم يكن ليخدم أسلوب المباراة وظروفها أو لدواع تكتيكية، إنما كان لزج بعض اللاعبين من أبناء النادي الذين لم يجدوا لهم مكاناً بين الأساسيين، وعملية المحاصصة هذه كانت سبباً رئيسياً في تراجع أداء الفريق بشكل عام وتراجع عطاء اللاعبين.
وعلى سبيل المثال لم يحقق هداف الدوري السابق محمود البحر المتوقع منه ولو على سبيل التسجيل، فالبحر هداف بالفطرة، ووجوده مع فريق يضم نجوم الدوري كان من المفترض أن يعزز قدرته على التسجيل أكثر من ذي قبل، وللأسف وجدنا أن مدافعاً بالفريق (كرم عمران) سجل أكثر منه واقتصر أهداف البحر هذا الموسم حتى الآن على ثلاثة أهداف واحد منها جاء من ركلة جزاء.
بشكل فردي، فإن الفريق يضم أفضل اللاعبين في الدوري، لكنه على صعيد العمل الجماعي، فالفريق لم يقدم الأداء الجماعي المطلوب منه، لذلك لم يقترن الأداء مع النتيجة في الكثير من المباريات، وكما رأينا فإن الفريق لم يحقق أي بصمة في المشاركة الآسيوية وخرج من البطولة من الباب الخلفي دون أي بصمة أو بسمة.
ومع كل ذلك فالفريق مرشح للفوز ببطولة الكأس وهو الأبرز بين الفرق التي وصلت نصف النهائي، والسبب ضعف منافسيه.
على الصعيد الانضباطي، لم يكن الفريق مثالاً للانضباط داخل الملعب أو خارجه.
الفوضى الإدارية جعلت من محترف الفريق القادم من ترينيداد توباغو جوزيف ماركوس يهرب في وضح النهار كدليل على سوء العمل الإداري، أما الجهل بالقانون وعدم الخبرة بالتعاطي مع الاحتراف الحقيقي فقد فرضا على النادي غرامة مالية من الفيفا لمصلحة اللاعب الهارب تعادل ميزانية ناد بأكمله!
الجانب الانضباطي في النادي مفقود، ففريق الفتوة من أكثر الأندية التي تعرضت للعقوبات على صعيد الكوادر واللاعبين، وكل ذلك لغياب الفكر الكروي الصحيح عن هذه الكوادر، والمفترض أن يتحلى بطل الدوري بشخصية انضباطية ليكون قدوة لغيره من الأندية.
لكن أسوأ تصرف بعيد عن الانضباط مواقع الفيس بوك التابعة للنادي التي جعلت النادي بمواجهة مباشرة مع اتحاد الكرة ولجانه ومع أغلب الأندية.
وكأن البعض أراد تسيير النادي إلى مجهول غير مستحب.
مستقبل النادي على كف عفريت، وكما نعرف فإن شبابه فشلوا بالوصول إلى الدرجة الممتازة للموسم الثاني على التوالي، مع العلم أن المنافسة في الدرجة الأولى خفيفة، لأنها لا تملك فرقاً عريقة أو قوية كما هو موجود في الدرجة الممتازة، الفتوة يسير نحو البطولات المعلبة مسبقة الصنع وهذا أمر مؤقت لا ينجح في كل موسم لأنه غير مبني على أسس متينة، لذلك فإن نادي الفتوة بلا روافد حقيقية تعزز وجوده في الدوري ليس كبطل فقط، إنما بين الكبار، ولنا أن نتصور أن مجموعة الداعمين ضاقت بهم السبل ولم يعد بمقدورهم دعم النادي مالياً فكيف سيكون شكل الفريق.
دوماً نقول: كرة القدم لا تحيا بالمال وحده، قد تصنع بطولة، لكنها لا تصنع كرة قدم، والمفترض أن تبادر إدارة النادي بإعطاء الأهمية والأولوية لفرق قواعدها لتكون القاعدة الركيزة والمتينة للنادي التي ترفد الفريق الأول بالمواهب والشبان في كل موسم.
مواقع ثابتة
المرحلة الماضية من الدوري الكروي الممتاز وضعت النقاط على الحروف فأنهت صراع الهبوط وتموضعت فرق الدوري كل بالمركز الذي يستحقه فالوصافة نالها جبلة، وتشرين ثالث الترتيب، والمنافسة الوحيدة ستكون بين أهلي حلب وحطين على المركز الرابع، أما في المواقع المتأخرة فلن يكون هناك أي تبديل، وكما ذكرنا فقد هبط الساحل والحرية.
لذلك ستكون مباريات الأسبوع الأخير تحصيل حاصل، والحدث الأهم سيكون تتويج الفتوة باللقب عقب لقائه الأخير مع الوحدة على ملعب الجلاء دون نسيان الصراع على لقب الهداف بين مهاجم الجيش محمد الواكد ومهاجم جبلة عبد الرحمن بركات.