لم يستطع الكيان الصهيوني انتشال جيشه ومجتمعه من قعر الأزمة النفسية التي وقع فيها بسبب الرد الإيراني فجر الرابع عشر من نيسان الجاري في مشهد لن يمحى من ذاكرة الكيان، والذي يماثل في رعبه فجر السابع من تشرين الأول العام الماضي.
تأثير الصدمة والمفاجأة من هول وحجم الرد وتكتيكاته وشموله وما حققه بقدرة كبيرة وثقة عاليةٍ، حاول أتباع الصهيونية العالمية تقزيمه وتصويره بشكل هزلي، إلا أن وسائل الإعلام الصهيونية ومحلليها العسكريين أكدوا بشكل واضح ولا لبس فيه أن الإحباط من القيادة الإسرائيلية الحالية وعلى جميع المستويات يسيطر على المشهد.
المحلل العسكري ألون بن ديفد في صحيفة «معاريف» الإسرائيلية قال: «كانت صورة السماء التي انعكست على الشاشات في مركز مراقبة القوات الجوية في الليل بين السبت والأحد لا تشبه أي شيء رأيناه من قبل في إسرائيل أو أي مكان آخر في العالم، مئات الطائرات الإيرانية من دون طيار وصواريخ كروز تشق طريقها نحونا على علو منخفض، تحلق فوقها عشرات طائرات سلاح الجو، وفي الطبقة الأعلى أكثر من مئة صاروخ باليستي، وأمامها عشرات الصواريخ الاعتراضية الإسرائيلية صورة «يوم القيامة»، كما عرّفها أحد الضباط الإسرائيليين».
هذا المشهد الذي حاول بعض الانهزاميين في المنطقة العربية النيل منه انتصاراً للعدو الصهيوني واعتداءً على نضال وكفاح المقاومين في غزة والجنوب اللبناني وكل الجبهات المفتوحة على الأراضي المحتلة، عاد المحلل العسكري نفسه وفي الصحيفة ذاتها ليقول: «خلال الهجوم الإيراني، مرت لحظات من الخوف على القواعد الجوية التي كانت هدفاً للصواريخ، ودخل آلاف الجنود، إلى الأماكن المحمية وتساءلوا عما إذا كانت الطبقات الخرسانية المحيطة بهم ستصمد أمام تأثير الصواريخ الثقيلة».
وأكثر من ذلك هناك حقيقة راسخة يؤكدها محللو العدو بألسنتهم وعلى وسائل إعلامهم، بأن طهران استطاعت وبسوء تقدير من القيادة الصهيونية إنشاء توازن جديد من الرعب مع إسرائيل استناداً إلى التآكل الدراماتيكي للردع الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول الماضي، وهنا يقول المحلل العسكري الإسرائيلي «يوسي يهوشع» لصحيفة «يديعوت أحرونوت» إن: «الاختبار التالي سيكون عندما تظهر إمكانية القضاء على جنرال إيراني على الأراضي السورية أو في أي مكان آخر، ومن المشكوك فيه أن يتم تنفيذه»، ويضيف: «إن الجرأة الإيرانية وضعت إسرائيل أمام نظام جديد، ففي إيران قرروا بحكم الأمر الواقع إنهاء الحقبة المعروفة باسم المعركة بين الحروب، أي ردع إسرائيل عن التحرك ضد الممثلين الإيرانيين على الأراضي السورية واللبنانية، حيث لم تُقدّر المخابرات الإسرائيلية قوة رد الفعل الإيراني الذي كاد يضع إسرائيل في جبهة أكثر تعقيداً بأضعاف من الجبهات التي هي معقدة أصلاً».
في جبهة أخرى حزب اللـه الذي يعتبر حركةَ مقاومةٍ وطنيةٍ في لبنان ولا يمكن مقارنته بإمكانيات دولة إقليمية كبرى كإيران، فعل ما فعله بالعدو وذلك باعترافات الكيان الصهيوني نفسه، ولنذكر ما قالته وسائل الإعلام الصهيونية عما فعله حزب اللـه في الجبهة الشمالية على كل المستويات وخاصة المستوى الإستراتيجي حيث قال المراسل العسكري للقناة 14 الإسرائيلية: أين سكان الشمال الذين يستطيعون التفاخر بقوة الجيش الإسرائيلي وبالقيادة الشمالية بشكل خاص مثل اللبنانيين الذي يصورون صواريخ حزب اللـه المضادة للدبابات عندما تنفجر؟ أما المراسل العسكري لموقع «والاه» الصهيوني فقال: على الجيش الإسرائيلي الإسراع في إيجاد حل للطائرات من دون طيار التي تُطلق من لبنان، الوضع الذي ينظر فيه المقاتلون إلى السماء عندما يسمعون طنيناً يجب أن يتوقف، ويضيف: المزارعون في الجليل يصرخون: نعيش وكأننا في فيلم رعب، لو تم إطلاق صاروخ واحد فقط على منزل نتنياهو لكانت الحرب قد توقفت، لكن لا أحد يهتم بالمستوطنين في الشمال.
كل من يتناول المقاومة ومحورها الممتد من طهران إلى صنعاء فبغداد ودمشق وبيروت وصولا إلى غزة عليه أن يصمت قليلا ويقرأ إعلام الكيان الصهيوني قبل أي إعلام آخر ليعرف مدى أزمة الكيان وورطته الكبيرة، لذلك لابد من قراءة ما قاله مؤخراً معهد الأمن القومي الإسرائيلي عندما أكد أن «حزب اللـه يستطيع أن يسجل لنفسه سلسلة من الإنجازات التي يتباهى بها (الأمين العام لحزب الله حسن) نصر اللـه في خطاباته» وهي:
-إحكام الحصار على الجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية في محاولة لإرهاقه.
-الإضرار بمواقع وقواعد الجيش الإسرائيلي.
-إسقاط عدد من الطائرات الإسرائيلية من دون طيار.
-تدمير البنية التحتية والمباني المدنية والمنشآت الزراعية على طول الحدود وخسائر في الأرواح.
إلا أن أعظم إنجازات حزب اللـه ينبع على وجه التحديد من إخلاء 43 مستوطنة على طول الحدود في الأيام الأولى للحرب وإنشاء قطاع شبه خال من السكان في الشمال للمرة الأولى منذ العام 1948، فرعب محور المقاومة يتسلل بين حنايا الإسرائيليين ويتركهم متأهبي الأذهان مشغولي الأفكار مترقبي الأوضاع بعيون شاخصة، حول ماقد يحدث لاحقاً في قلب مستوطناتهم إذا ما أقدمت قياداتهم على أي حماقات جديدة.