الصحفي الإسرائيلي رون بن يشاي يعد من أقدم المحللين العسكريين في الصحافة العبرية، وكان قد خدم في سلاح الاستخبارات قبل أكثر من خمسين عاماً، يعترف في تحليل نشره في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية أول أمس بأن «إسرائيل تمر بأخطر أزمة ستحدد مستقبلها نتيجة أي إخفاق تقع فيه في الأراضي الفلسطينية والمنطقة»، فتحت عنوان: «نحن عالقون وإذا استمر الجمود فسوف نهزم» يقول بن يشاي: إن الجهود المبذولة لاستعادة الأسرى الإسرائيليين لم تثمر، وعملية اجتياح رفح لا تحقق تقدماً ولا يوجد بديل لسلطة حماس في القطاع، ولا يوجد أفق لنهاية الحرب التي يشنها حزب اللـه من الشمال، والتطبيع مع السعودية لا يلوح، وكل هذه المشاكل والتحديات مرتبطة ببعضها بعضاً، وذات صلة بواشنطن التي تطالب إسرائيل بتقديم تنازل في الموضوع الفلسطيني، لكن نتنياهو يصر على السير في ممر إستراتيجي مغلق».
ربما بهذه العبارات يختصر بن يشاي تحليله وعرضه للوضع الإسرائيلي، وكأنه يؤكد أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لم يعد لديه أوراق يراهن عليها للخروج من آخر أزمات كيانه، بل إن أحداً لم يعد بمقدوره تخفيف ورطته سوى الولايات المتحدة التي اعترفت بتراجع دور الكيان ووظيفته في الشرق الأوسط بسبب تزايد قدرة إيران ومحور المقاومة المستعد لكل الخيارات الهجومية ضده، ويبدو أن الولايات المتحدة فضلت الآن التقاط أنفاسها في هذه المرحلة من العام الانتخابي، لأنها تشهد فيها خيبة أمل من ضعف القوة الإسرائيلية في الأشهر الستة الماضية أمام المقاومة في قطاع غزة والضفة الغربية وحزب اللـه من جنوب لبنان وتزايد عجزها عن ردع هذه المقاومة وحدها، وهذا ما يقلق لأول مرة الولايات المتحدة التي بدأت تجد نفسها مضطرة بقواتها لحماية هذا الكيان وتعويض ضعفه بتدخل مباشر يحول دون انهيار قوته، فمن الواضح أن واشنطن وتل أبيب بذلتا كل الجهود الحربية وغير الحربية للتخلص من قوة إيران وسورية ومحور المقاومة منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 وإعلانها التصدي للكيان ودعم المقاومة ضده بكل إمكاناتها، وخلال تلك العقود لاحظ الجميع أن الاتحاد السوفييتي انهار عام 1991 وازدادت القوة الأميركية والتدخل الحربي المباشر في المنطقة من حرب احتلال العراق إلى أفغانستان إلى مؤامرة الربيع العربي ومن دون أن تتمكن واشنطن ومعها تل أبيب من فرض شروطهما على الشرق الأوسط والتخلص من كل المناهضين لهيمنتهما في المنطقة.
وإذا كان المستوطنون في الكيان يشعرون لأول مرة منذ عام 1948 بخطر انهيار كيانهم بعد العجز عن تصفية المقاومة وإرهاب الشعب الفلسطيني، فإن الولايات المتحدة نفسها بدأت تدرك في الوقت نفسه أن عليها مطالبة تل أبيب بتقديم تنازلات لإنقاذ نفسها، وخاصة في موضوع إجبارها على فتح الباب أمام الحل القائم على وجود دولة فلسطينية، وهو الحل الذي تدعمه كل دول العالم علناً باستثناء الولايات المتحدة التي صوتت ضده في مجلس الأمن الدولي، وحين تتابع واشنطن بقلق واضح تطورات هزيمتها في أوكرانيا وعجزها عن تحقيق أهدافها ضد روسيا، فإنها ستخشى أيضاً من أي انهيار لكيانها الإسرائيلي الذي حولته إلى أكبر ثكنة حربية بدأت تفقد قدرة الردع أمام محور المقاومة. وحين يعترف بن يشاي بأن مظاهر الضعف التي تزداد في داخل إسرائيل فإن عوامل التآكل في عوامل قوة الولايات المتحدة في الخارج وعلى جبهتي روسيا في أوروبا وآسيا في الصين، ستجعل هذه الثكنة الحربية الإسرائيلية أمام مرحلة انهيار لا نظير له، وهذا ما يحذر منه عدد من المحللين في تل أبيب وليس بن يشاي وحده، والكل يرى في المنطقة والعالم أن حرب الأشهر الستة التي واجهتها تل أبيب أمام الشعب الفلسطيني ومحور المقاومة، لا يمكن أن تعيد الكيان إلى ما كان عليه، بل ستجبره على دفع ثمن مضاعفات تلك الحرب وتجعله يفقد قدرته على البقاء.