بعد أشهر من الأخذ والرد في مجلس النواب الأميركي فيما يخص قضية المساعدات لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان، ومع تبلور الشكل القادم لكل من أوكرانيا وإسرائيل من دون تدفق هذه المساعدات المالية والعسكرية الضخمة لكل منهما، والذي ظهر مؤخراً على هيئة خسارة نظام كييف مزيداً ومزيداً من القرى والبلدات الاستراتيجية شرق البلاد لحساب تقدم الجيش الروسي المستمر، وكذلك حاجة إسرائيل لدعم واسع من الطيران الأميركي والبريطاني والفرنسي وغيره لصد الرد الصاروخي الإيراني المحدود، وحاجتها كذلك طوال الأشهر الستة الماضية لدعم لوجستي أميركي كبير بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة واستعادة أسراها، ومن ثم فشلها في كل هذه الأهداف، جاءت موافقة مجلس النواب الأميركي على تقديم حزمة مساعدات غير مشروطة لكل من أوكرانيا وسلطات الاحتلال وتايوان بقيمة 95 مليار دولار أميركي لتضرم واشنطن بذلك النيران في هذه المناطق الثلاث وتدفعها بقوة نحو الهاوية.
فمع مضي أكثر من عامين على الحرب الروسية- الأوكرانية التي قدمت فيها إدارة بايدن وحدها مساعدات مالية مباشرة للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بقيمة 80 مليار دولار ذهبت على شكل هدر وسرقات وتجنيد مرتزقة وإطلاق هجوم مضاد لم يزحزح الروس شبراً واحداً، تأتي 60 ملياراً أخرى الآن كهدية من مجلسي النواب والشيوخ لتوضع في يد زيلينسكي ويقتل بها المزيد من الأوكرانيين في حرب خاسرة باعتراف الأميركيين أنفسهم، حيث أكدت النائبة المعارضة لحزمة المساعدات مارغوري تايلور غرين أن «هذا الدعم سيؤدي للقضاء على جيل كامل من الأوكرانيين، وترك شعب من الأرامل والأيتام»، فيما علق الملياردير الأميركي ديفيد ساكس على الاحتفالات داخل المجلس والتي أعقبت الموافقة على حزمة المساعدات بالقول: إن «مشاهد الاحتفال هذه ستبدو غبية بشكل خاص عندما تنهار أوكرانيا على أي حال».
إلا أن قناعة واشنطن بحتمية الانتصار الروسي في هذه الحرب ولو طال أمدها، وأن مزيداً من النفخ على نيرانها لن يجلب سوى المزيد من الموت والدمار لأوكرانيا، فالهدف هنا يبقى إشغال الروس ومحاولة إضعافهم عبر إغراق جيشهم في حرب طويلة، فيما تحاول الولايات المتحدة استعادة شبابها الذي رحل إلى غير رجعة وإعادة فرض هيمنة القطب الواحد في العالم بكل ما أوتيت من قوة، ولأجل هذا الهدف فقط جيّرت الولايات المتحدة جزءاً من حزمة المساعدات هذه لتايوان في محاولة لإشغال الصين أيضاً وعرقلة صعودها القوي على المسرح العالمي والذي من المفترض أنه عاملٌ حاسمٌ في تراجع سطوة واشنطن وخلق نظام عالمي متعدد الأقطاب.
أما بالنسبة لإسرائيل التي حظيت بـ26 مليار دولار من حزمة المساعدات الأميركية على الرغم من ارتفاع منسوب المعارضين لهذا القرار داخل مجلس النواب إلى مستوى تاريخي عند 58 عضواً غالبيتهم من الديمقراطيين، فهو ليس إلا التزام أميركي متجدد بدعم إسرائيل وحمايتها من الانهيار أو الضعف، حيث تكبد الاقتصاد الإسرائيلي عامة منذ بداية الحرب خسائر بأكثر من 70 مليار دولار، وضخ هذا المبلغ من المال من قبل الولايات المتحدة الآن يعتبر مساهمة في تغطية تكاليف الحرب وتدمير غزة وقتل وجرح أكثر من 100 ألف من سكانها، وضوءاً أخضر لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لتدعيم ترسانته العسكرية وتذخيرها مجدداً بمختلف أنواع الأسلحة لبدء مرحلة ثانية من القتل وهذه المرة قد يكون جنوب لبنان هو الهدف طالما أن الدعم الأميركي ثابت لا يتغير، ولكن برأي بعض الخبراء الإسرائيليين فإن هذه المساعدات وما تبع إعلانها من مباركات وارتياح رسمي إسرائيلي تكشف بما لا يدع مجالاً للشك حجم حاجة الكيان للدعم الأميركي المتواصل ومآلات فقدانه ولو لوقت قصير وكيف سيكون الحال لو تأخر هذا الدعم قليلاً فيما لو اندلعت الحرب في الشمال، حيث توازي قوة حزب اللـه ومساحات التحرك الممنوحة له أضعاف ما تمتعت به المقاومة في غزة.
يمكن القول إن الرئيس الأميركي جو بايدن لعب إحدى أهم أوراقه الانتخابية قبل 6 أشهر على انطلاق الانتخابات الرئاسية الأميركية بمواجهة خصمه الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب الذي لم يرفض هو الآخر تقديم المساعدات لكنه طالب بإرسالها كقروض وليس كهدايا لزيلينسكي أو نتنياهو، كما يمكن التأكد من أن الولايات المتحدة بقرارها هذا اختارت التصعيد على مستوى العالم بدلاً من تهدئة بؤر التوتر والسعي لإيجاد حلول سلمية تبعد شبح الحرب العالمية الثالثة الذي بات يقترب أكثر فأكثر.