ثقافة وفن

تدمر في الوجدان الشعبي والتراثي المادي واللامادي … الموروث الشعبي هو ثقافة أجيال وذاكرة وطن بآماله وأحلامه وتطلعاته

| عبد الحكيم مرزوق

بين العامية والفصحى عوامل مشتركة تتضافر لتعكس لنا تاريخ الشعوب وعاداتها وهي نفسها الأسباب التي حدت بالدارسين لدراسة التراث الشعبي في العديد من بلدان العالم للكشف عن ملامح شخصية شعوبها، وعن سلوكهم الروحي واحتياجاتها النفسية، ثم ربط تراث الشعب حاضره بماضيه، وقد اتسمت هذه التجربة بالعفوية والفطرة، ثم النظم والتأليف، هكذا بدأ الباحث برهان الشليل محاضرته عن الموروث الشعري الشعبي في مدينة تدمر التي دعا إليها المركز الثقافي العربي بحمص.

صورة شعبية

وقال: الأدب هو صورة الشعب بآماله وأحلامه وتطلعاته، والشعب مدرسة حقيقية يتعلم منها الإنسان مبادئ وقيماً عظيمة، وهو ذاكرته وثقافته التي نستمع إليها في سهراتنا، في قرانا كل ليلة، أما النهارات فكانت للعمل في الأرض التي كانت تولد الأغاني، وكثيراً من الأشعار الشعبية في مواقف العمل، في جمال وصفاء الطبيعة الجميلة، أو حكايا الحب والعشق والغرام، والغزل ولواعج الفراق والهجر وعتاب الأصدقاء والأحبة.

وقال ابن حاضرة تدمر:

– نحن في تدمر ما نزال نتذكر المناسبات من أعراس وأفراح، وصوت الربابة، والمزمار، والأغاريد والأهازيج، والأناشيد التي كانت تقال في تلك المناسبات، وتحرك، مشاعر الآخرين، فيشعرون بالفرح والسرور والطرب.

ورأى أنه أصبح من المسلمات أن الآداب والفنون الشعبية فيها من الفنية ما في غيرها من إبداع الخاصة، والخلاف في ذلك يقع في التقنية بساطةً أو تعقيداً، والنتيجة أنه لا يوجد خط فاصل من ناحية المعاناة في الإبداع والفن بين ما هو رسمي وما هو شعبي.

ذاكرة وطن

ووجد أن الموروث الشعبي هو ثقافة أجيال، وذاكرة وطن، وهو يمثل جانباً مهما من حياة دثرت، وحري بنا (حسب قوله): إننا نهتم ونعتني بتوثيقه ليبقى في ذاكرة الأجيال أبد الدهر، ثم تحدث عن بعض الأهازيج الشعبية التي كانت تقال وتغنى في مدينة تدمر سيدة مدن التاريخ، وهي أقوال وأهازيج وأشعار حفظها ووثقها من أفواه الأمهات والجدات وكبار السن وهم يرددونها متألمين في عجزهم ومرضهم وأحزانهم ووحدتهم متذكرين أياماً جميلة خلت، زمناً جميلاً عاشوه بكل ما في قلوبهم من حب وأمل وعمل وإحساس، إنه جزء من ذاكرة الشعوب وحامل القيم الثقافية والاجتماعية السائدة في العصر الذي قيلت فيه، هو موروث شعبي شعري يعبر عن جوانب من تراثه المادي والثقافي والروحي، وإن عدّه آخرون وصنفوه من التراث المادي المحسوس.

المادي واللامادي

وأشار المحاضر للتراث المادي واللامادي ورأى أنه جزء من هوية الأمة الذي يمثل عاداتها وطبائعها، وألعاب أطفالها، وتنوع أطعمتها، وعاداتها وتقاليدها، والحرف اليدوية، والأشعار، والأغاني والحكايات والقصص، وهي تختلف في كل دولة، وفي كل مدينة وقرية حتى في الوطن الواحد، وتوصل المحاضر إلى القول:

– إن الحفاظ على التراث هو حفاظ على الهوية، وبه نعتز ونفتخر، وما أجدرنا أن نكتب هذا التراث، ونوثقه، بكلام، وصور، كي تتوارثه الأجيال القادمة، جيلاً بعد جيل، وترى فيه هويتها الثقافية المعبرة عن وجودها وتنميتها المعرفية المستدامة.

وعن الشعر الشعبي رأى المحاضر أنه طرق كل المواضيع والأغراض المطروقة في الأدب «الغزل، الرثاء، الفخر، وصف الأماكن، البكاء على الأطلال، ووصف الأحداث، ورأى في الشعر الشعبي الكثير من العاطفة المتوقدة والمؤثرة، والمعاني الواضحة والصور البلاغية الجميلة».

وقال: إن الألفاظ مستقاة من البيئة التي نشأ بها الشاعر، حيث إن تدمر كانت عاصمة المسافرين ومدينة قوافل طريق الحرير بالإضافة إلى أن فيها قبائل وعشائر بدوية مستوطنة فيها وعلى أطراف باديتها وألقى بعض الأهازيج الشعبية المتداولة في تدمر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن