من دفتر الوطن

السعدني وآفة (الترند)!

| حسن م. يوسف

تتفاقم بسرعة في الحياة العربية ظاهرة اللاهثين خلف (الترند) من حملة الكاميرات والهواتف الذكية، الذين يصورون جنائز المشاهير وما يتخللها من انهيارات وحزن وبكاء، لجذب المزيد من الإعجابات والأرباح، دون مراعاة جلال الموت ومشاعر أسرة الفقيد. وقد انفجرت هذه المشكلة مؤخراً عندما أصر أحد المصورين على تصوير جثمان النجم الفقيد صلاح السعدني الذي توفي يوم الجمعة ما قبل الماضي، ما أغضب ابنه الفنان الممثل أحمد السعدني. وقد تأزم الوضع لدرجة أن نقابة المهن التمثيلية ناشدت المراسلين ورجال الصحافة والإعلام أن يحترموا رغبة أسرة الفنان بعدم حضور عزاء السعدني، لاقتصاره «على العائلة والزملاء فقط»

ولد الفنان صلاح السعدني في كفر القرينين من محافظة المنوفية في مصر ونشأ في كنف أخيه الأكبر الصحفي الكبير محمود السعدني.

حصل صلاح السعدني على شهادة بكالوريوس في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، ومن زملاء دفعته الفنان عادل إمام، ورئيس الوزراء السوري السابق محمود الزعبي. مثل السعدني وإمام معًا على مسرح الجامعة ثم دخلا المجال الفني معاً. مثل صلاح السعدني بطولة العديد من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات لكنه اشتهر بدور العمدة سليمان غانم في مسلسل «ليالي الحلمية» للمبدع أسامة أنور عكاشة، مع يحيى الفخراني وصفية العمري، وكان آخر أعماله مسلسل «القاصرات» الذي عُرض عام 2013.

في مطلع ثمانينيات القرن الماضي قام صلاح السعدني بأداء دور البطولة في مسرحية «الملك هو الملك» تأليف سعد اللـه ونوس إخراج مراد منير، وقد شارك العرض في مهرجان دمشق للفنون المسرحية وقدم على خشبة مسرح العباسية حيث أتيحت لي الفرصة لمشاهدته.

أدى صلاح السعدني في المسرحية دور «أبو عزة» التاجر المفلس الذي يمضي وقته سكران يحلم أن يصبح ملكاً ليوم واحد كي ينتقم من أعدائه القاضي وشهبندر التجار. وعندما يسمع الملك قصته يقرر أن يلبسه ثيابه ويجعله ملكاً ليوم واحد كي يضحك عليه. وهكذا يستيقظ أبو عزة في ثياب الملك فيصرخ: «أأنا مسحور أم أصاب عقلي أمر من الأمور؟»… وعندما يقتنع بأنه قد غدا ملكاً بالفعل يصرخ: «الآن آن القهر للحساد ما دمت سلطان البلاد، أنقش الختم على بياض فينقضي أمري بلا اعتراض»!

خلال العرض خرج صلاح السعدني عن النص أكثر من مرة، ففي المشهد الذي يروي فيه أبو عزة حلمه قال: «ورأيت نفسي أمشي وخلفي الوزراء والكبراء وعلية القوم… « وهنا التفت صلاح السعدني نحو رئيس الوزراء الذي كان يجلس في الصف الأول قائلاً بالمحكية المصرية: «واخد بال سيادتك، الوزراء والكبراء وعلية القوم خلفي. »!

في أحد الأيام قرر الصديق سعد اللـه ونوس أن يدعو عدداً من أسرة المسرحية لتناول العشاء في بيته ونظراً لضيق المكان اقتصر الحضور على المخرج مراد منير والنجم صلاح السعدني، والمغني محمد منير والنجمة فايزة كمال، وقد حضر المناسبة من السوريين الروائي الكبير حنا مينة وكاتب هذه الحروف ومذيعة لا داعي لذكر اسمها.

سألت سعد اللـه قبل مجيئي عما إذا كان بحاجة لأي شيء، فطلب مني أن أحضر ما في برادنا من ثلج. في تلك المرحلة كنت قد تعودت أن أعلق مفاتيحي في حزامي من الجهة اليمنى وقد كان عددها يزيد على عشرة مفاتيح. يومها وقفت مقابل باب صالون بيت سعد الله، لأناول زوجته حاوية الثلج، كان المرحوم السعدني يجلس على أريكة محاذية لي في الصالون، فما كان منه إلا أن ضم مفاتيحي بكفه مخشخشاً بها قائلاً بجدية تامة: « الله! هو حضرتك تشتغل حرامي»!

السلام لروح الفنان القدير الظريف المبدع صلاح السعدني، ستبقى ذكراه حية فينا ما بقينا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن