ثقافة وفن

زيناتي قدسية يفتح قلبه أمام ملتقى الإبداع … قدسية لـ«الوطن»: لا أنادي بسير الخريجين الجدد على خطا الجيل القديم ولا ضير في تقديم دماء جديدة وروح مختلفة

| مصعب أيوب - تصوير طارق السعدوني

حلّ الفنان المسرحي المخضرم زيناتي قدسية ضيفاً على المعهد العالي للفنون المسرحية في ملتقى الإبداع استكمالاً للبرنامج الذي بدأه المعهد قبل أعوام وانطلاقاً من حرصه على الاهتمام بالمبدعين وأصحاب التجارب السابقة في الفن والواقع الدرامي والمسرحي السوري والعربي، ليجدد المعهد العالي مساء الخميس اللقاء بين الفنان زيناتي قدسية وطلاب المعهد الذين قدموا لينهلوا من علمه ويستزيدوا من خبرته ويلقوا نظرة سريعة على بعض نتاجه الفكري ومواقف مهمة في حياة الرجل القادم من مدينة حمص حيث يقيم.

وقد أدار اللقاء الناقد والإعلامي سعد القاسم مرحباً بالضيف وبالطلبة وكل من حضر مشدداً على أنه وأبناء جيله من المحظوظين لأنهم عايشوا فترة نهضة المسرح وعصره الذهبي والتي كان ولا يزال زيناتي قدسية من أبرز روادها وألمع من حمل رسالتها.

انطلاقة وبداية

تحدث في البداية قدسية عن فترة طفولته ومراهقته وبداية دخوله عالم المسرح بطريقة عفوية وقريبة من القلب، مشيراً إلى أن لكل فرد فينا صندوقاً أسود لا يعلم ما فيه أحد إلا صاحبه وهو ما وصف به بعض القصص أو المواقف التي عاشها سابقاً والتي غيبها عن الصحافة والإعلام، فنوه أنه لم يكن لديه أي حلم أو تخطيط للعمل المسرحي بحيث أنه كان منشغلاً بالجانب التشكيلي وبالنحت.

وأضاف: بعد حرب 1967 طلب مني أحد المخرجين عندما كنت أعيش في مدينة إربد الأردنية أن أعمل في إحدى المسرحيات فكان جوابي أنني لا أفهم شيئاً في هذا المجال ولا أنتمي له بأي شكل من الأشكال وأنه يمكنني فقط تقديم المساعدة في تصميم المناظر والديكور ولكن من دون أن أدري وجدتني داخل المسرحية وبعد أسبوع وجدت نفسي مولعاً بهذا المسرح وشيئاً ما يوسوس لي بأن أقحم نفسي فيه بأي طريقة.

ولكونه ولد لأبوين فلسطينيين فكان لا بد أنه رجل صاحب قضية بشكل أو بآخر شاء أم أبى، وتزامن ذلك مع وجود الأديب الفلسطيني غسان كنفاني في الكويت بحيث كان يتم تهريب بعض القصص التي يؤلفها على وريقات طويلة وبعد الاطلاع عليها لم يكن يدرك أهمية ما فيها وغنى مضامينها لأنه لم يتجاوز السابعة عشرة من العمر، فلم يكن يملك الفهم العميق للقضية بعد، ولكن بعد كثرة اطلاعه على تلك القصص وعلى ماضي كنفاني ورواياته فقد استطاع أن يجد بعض الأجوبة التي كانت تشغله، ليمثل غسان كنفاني مفتاح وعيه.

مسرح قضية

ولفت إلى أنه بعد أن قدم عدة عروض في الأردن اكتشف أن هذا المسرح قضية حقيقة مهمة وورطة كبيرة وتحتاج إلى رجال مهمين، وأنه حظي بالتعرف إلى شخصيات مهمة في دمشق في وقت مبكر، لاسيما بعد أن قرأ في كثير من المجالات والعلوم والفنون وقد تأثر في المدرسة الإنكليزية في المسرح.

ونوّه أنه يعد نفسه اليوم وبعد مرور خمسة عقود صاحب تجربة مهمة في المسرح يمكنه أن يقيّم أو يقول كلمة أو يرفض أو يقدم وجهة نظر وما إلى ذلك بحيث أنه رفض في بداياته قول شيء أو تقييم عمل ما أو إبداء رأيه في أمر ما منذ استقر في دمشق 1971 لأنه ليس مخضرماً بعد في هذا المجال ويعد نفسه بحاجة إلى أن يتعمق أكثر في العلم والتعلم، حتى عام 1986 بعد أن سجل موقفاً أو قال رأياً في ندوة أقيمت في دمشق حول الممثلين والمسرح وما إلى ذلك وقد وثقت تلك الندوة في كتاب القابض على الجمر الذي يتمحور حول تجربته في المونودراما وبعض الحوارات التي أجراها في وقت سابق وقد تولى ابنه قصي مهمة توثيق ذلك.

اختلاف رؤية

أشار الضيف في حديثه إلى أنه لم يحصّل دراسات أكاديمية عليا وقدم فحص شهادة التعليم الثانوي بمنهاج مصري في القاهرة وقد حجبت عنه وعمن معه وزارة التربية والتعليم حينها النتيجة لأسباب مجهولة، وقد حاول في وقت لاحق أن يدرس عدة اختصاصات علمية ولم يوفق بأي منها إلى أن قرر الاستقرار في دمشق وراح يدرس المسرح، وقد شارك في معظم المؤسسات الثقافية والفنية التي أنتجت مسرحاً في سورية بالإضافة إلى أنه أحد الأساسيين في المسرح الوطني الفلسطيني حتى 1985 بعد أن اختلفت الرؤية بيني وبين القائمين على المسرح.

وتابع: التقيت بسعد اللـه ونوس الذي كتب مسرحية الاغتصاب وذهب بها إلى القاهرة ليطلب منه المسؤول عن المسرح هناك أن يرسل في طلب زيناتي للمشاركة في العرض وتناقشنا في عدة أمور فيما يخص هذا العمل ولكن لم نتفق على عدة أمور وقررت أن أغني وأتغنى بفلسطين وحدي.

خط خاص ومنفرد

وفي تصريح لـ«الوطن» أوضح قدسية أنه ليس ممن ينادون بأن يسير أبناء جيل الفن والمسرح الآن على خطا أبناء الأجيال السابقة بحيث أن عليهم رسم خطهم الخاص وطريقهم المحدد مسبقاً والذي اختاروه بحب وشغف وملئ إرادة لأنهم أساساً دماء وروح جديدة في هذا الميدان، منوهاً أن الطريق الذي سلكه وأبناء جيله لم تعد تجدي نفعاً في هذا الوقت وآلية التعاطي مع الأمور ومعطيات المرحلة جميعها اختلفت، ولاسيما بعد أن تطور العالم وتغيرت الأحوال ودخلت التقانة وتطورت العلوم، وبالتالي فهم أقدر على اختيار الطريق الذي بإمكانهم السير فيه قدماً نحو طموحهم وحلمهم، ليشدد على أنه لا يمكنه أن يسحب بيدهم إلى التجارب الماضية ولكن بقدر المستطاع يساعدهم في الطريق الذي اختاروه لأنه ليس بإمكاننا أن نفرض عليهم شيئاً، فنحن لنا زمن وهم لهم زمنهم ولكل مرحلة أبطالها وروادها وإن معظم خريجي المعهد نراههم اليوم يزينون الشاشات في الدراما والسينما والتلفزيون الذي لا يقل أهمية عن المسرح.

وأشار قدسية إلى أن اللقاء الذي جمعه بطلاب المعهد جدد روح الشباب بداخله وأعاد له بريق التجربة الناجحة التي عاشها في المسرح ولعل هذا اللقاء يعد تتويجاً ومؤشراً مهماً على أنه قدم شيئاً مهماً في حياته، وإن هذا اللقاء يعد مصدر سعادة كبيرة له.

شهادات مصورة

وكما كل ملتقى، فقد تضمن اللقاء بعض الشهادات والكلمات المصورة التي وجهها أصدقاء ومحبو الضيف وشركاؤه في أعمال سابقة، ومنها:

المخرج السوري نجدت أنزور: من حيفا في فلسطين المحتلة إلى دمشق كان زيناتي قدسية القامة الفنية العالية الفلسطيني السوري، من المسرح الجامعي إلى مسرح الشباب إلى المسرح القومي ممثلاً وكاتباً ومخرجاً، شكل ثنائية مسرحية فذّة مع الراحل الكبير ممدوح عدوان، من التلفزيون إلى السينما حمل معه التراجيديا التي ميزته، هو بصمة فنية في أي عمل وجد فيه لكن المسرح بقي دوماً بيته الأخير، زيناتي قدسية تجربة منفردة وفنان شامل ذو موهبة شامخة وهو من الجيل الذهبي الذي يستحق التكريم كل يوم.

المخرج والممثل الفلسطيني غنام غنام: عندما تريد الحديث عن زيناتي قدسية فلن تجد وصفاً أفضل من ذلك الذي وضعه قصي زيناتي قدسية في كتابه الذي وثق فيه تجربة زيناتي عندما وضع العنوان القابض على الجمر، فهو بالتأكيد فنان قابض على جمر الإبداع، وعلى جمر الموقف وجمر الفكر في زمن كان من الصعب أن تجد من يجمع هذه المواقف الثابتة كما فعل زيناتي فناً وفكراً، بالنسبة لي كانت لي تجارب كثيرة مع الفنان زيناتي قدسية جمعتني به وأتشرف بها ومنها نصه الجاروشة الذي تناول الانتفاضة الفلسطينية، كما رافقته بمهرجان في الرقة وقد استضافني كعضو لجنة تحكيم وقدمت مسرحيتي يا مسافر واحدك في مهرجان الشباب الذي كان يديره، وتزاملنا في العديد من المحطات المسرحية خاصة عندما ألقى رسالة اليوم العالمي للمسرح 2016 في الكويت، زيناتي قدسية أنموذج حقيقي للفنان المسرحي ولا يمكن لك إذا فكرت أن تقدم أنموذجاً لصاحب الموقف والفن والفكر إلا أن تلجأ إلى زيناتي قدسية.

وفي الختام قدم عميد المعهد د. تامر العربيد درع المعهد للضيف تكريماً له واحتفاء بمسيرته ومنجزه الفني والتقط الجميع صورة تذكارية مع قدسية بعد أن اطلع على بعض أعمال الطلاب في المعهد في أقسامه المختلفة.

زيناتي قدسية مواليد اجزم في حيفا 1948 ومن الأعمال التلفزيونية التي شارك فيها البواسل، الراية والغيث، الظاهر بيبرس، خالد بن الوليد، ممالك النار، ما ملكت أيمانكم، هارون الرشيد، باب الحارة، قريش، ومن أبرز مسرحياته: دونكيشوت، جويا، زيارة الملكة، نبوخذ نصر، حلاق بغداد، الملك هو الملك، حكاية بلا نهاية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن