آفة الآفات
حسن م. يوسف:
قد يكون الغباء أحياناً أسوأ من العمالة، لكنه عندما يجتمع مع العمالة يتحول إلى كارثة كبرى كالتي تعصف بمنطقتنا الآن. لقد حصلت الدول المحيطة بروسيا على مليارات الدولارات مقابل السماح لأميركا بنصب الدروع الصاروخية في أراضيها، لكن ممالك ومشيخات الخليج دفعت وتدفع لأميركا مليارات الدولارات مقابل الشيء نفسه «فيا له من عملٍ صالح يرفعه اللـه إلى أسفل!».
لقد علم العرب باتفاقيات سايكس بيكو عقب قيام ثورة في روسيا، لكنهم لم يحولوا المعرفة إلى قوة لأن المخلصين من العرب كانوا منقسمين على أنفسهم، كما هو الحال الآن.
لقد بات أكيداً أن الغرب يحرص على عدم وصول أي سياسي وطني عربي حصيف إلى مركز القرار، وإذا ما وصل مثل هذا الشخص، أشعلوا النيران فيه وحوله لإلهائه تمهيداً لإقصائه، كما حدث في العراق مؤخراً.
قبل أيام سمعت مسؤولاً عراقياً يقول إنه لن ينسق مع سورية إلا بعد حسم المعركة ضد داعش! والحق أن هذا الكلام ذكرني بنكتة عن فتاة ساذجة قدم لها حبيبها زجاجة من المشروب الغازي، ثم سألها عما إذا كانت تريد «شلمونة»؟ فأجابته متسائلة: ألا يجب أن أنهي «الكازوزة» أولاً!
إن قصور الفكر السياسي العربي كان ولا يزال هو آفة الآفات ومصيبة المصائب.
فجل سياسيينا يرفضون أن يتعلموا، لذا يأكل الواحد منهم ألف كف على غفلة!
قبل أيام نجحت مجموعة حقوقية يمينية أميركية تدعى Judicial Watch أي «المرصد القضائي» في إجبار وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين على رفع السرية عن عدد من الوثائق التي تتعلق بمقتل أربعة أميركيين في بنغازي عام 2012 بينهم السفير الأميركي. وقد حللت جريدة الأخبار اللبنانية في عدد أمس الأول، ثلاثاً من تلك الوثائق، وأنا سألخص لكم محتواها. الوثيقة الثالثة تدين الإدارة الأميركية إذ تثبت علم مخابراتها بتوقيت الهجوم على سفارتها في بنغازي وهوية مرتكبيه قبل وقوعه بعشرة أيام.
الوثيقة الثانية تتضمن كشفاً تفصيلياً بالأسلحة التي كانت تشحن بعلم الإدارة الأميركية، وتحت إشرافها، من ميناء بنغازي إلى موانئ بانياس وبرج إسلام على الساحل السوري.
أما الوثيقة الثالثة وهي الأهم لنا كسوريين فتثبت أن «الغرب ودول الخليج وتركيا» كانت تدعم قوى «التمرد» منذ البداية، رغم معرفتها بأن القوى الأساسية التي تقوده هي من «السلفيين، والإخوان المسلمين، والقاعدة. وأخطر ما في هذه الوثيقة التي ترجع كسابقتيها لعام 2012 هو أن تلك القوى كانت تهدف من دعمها للجماعات المسلحة لـ«عزل النظام» وإقامة إمارة سلفية، في شرق سورية. وأهمية هذه المعلومة تنبع من أنها تكذِّب الجوقة التي كانت تدعي أن ما يجري في سورية هو «حراك مدني غير مسلح»!
يعلم قارئي أنني نشرت في هذا الركن بالذات بتاريخ 22 كانون الثاني 2012 مقالاً بعنوان «ينقصنا القلق» توقفت فيه عند معلومة إخبارية وردت في حديث ميشيل كيلو لجريدة الفيغارو، هي قوله: «لا يوجد إسلامي واحد بين من يقودون المظاهرات في حمص قلب التمرد».
يومها قلت إن «نظرة واحدة إلى هذه العبارة القاطعة المانعة تكفي لكي نتأكد من أنها ليست وجهة نظر أو اعتقاد بل معلومة يقدمها قائلها على أنها حقيقة لا يرقى إليها الشك. والحق أن من هم في حمص نفسها لا يعرفون كل حقيقة ما يجري فيها، فمن أين جاء الأستاذ كيلو بهذا اليقين المكين وهو يقيم على بعد آلاف الكيلومترات في مأمنه الباريسي؟»
الآن علمت من أين جاء كيلو بيقينه! لقد قالوا له… وأشياء أخرى!