الملف الفلسطيني المتشابك، يعج في المرحلة الراهنة بتحركات وتصريحات، يرتقب العالم أن تنضج وتخرج إلى العلن، لنكتشف ما وراءها من تحولات سترخي بظلالها على المنطقة عموماً وعلى القضية الفلسطينية خصوصاً، وسط سيل من التساؤلات المشبعة بالتعجب والاستغراب.
لقد اقتربت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر من إتمام شهرها السابع على التوالي، من دون أن يتمكن كيان الاحتلال من تحقيق أهدافه المعلنة لهذه الحرب، الهدف الأول، وهو تحرير «أسراه» لدى المقاومة الفلسطينية، والهدف الرئيسي الثاني، وهو القضاء على هذه المقاومة، حتى إنه أخفق في تحقيق أهداف جزئية من قبيل القضاء على قادة المقاومة في قطاع غزة، وكل ما استطاع تحقيقه حتى الآن هو زيادة عدد مجازره بحق الفلسطينيين العزل، والتسبب في مقتل العديد من أسراه لدى المقاومة، والتدمير الممنهج لغزة المحاصرة.
وعلى الرغم من أن قدرة المقاومة القتالية، وبشكل خاص ما يخص قدرتها على استهداف مستوطنات العدو، قد تراجعت، وبقيت عملياتها محصورة في مقاومة قواته المقتحمة للقطاع، إلا أن حرب غزة تعتبر مقياساً يحتذى به على الصعيد الدولي، إذ إن صمود هذه المجموعة الصغيرة من المقاتلين المحاصرين في رقعة جغرافية صغيرة لمدة سبعة أشهر، يعتبر انتصاراً، بالقياس مع المواجهة غير المتكافئة مع جيش الاحتلال المتطور والمدعوم استخباراتياً وعسكرياً وتكنولوجياً من الغرب.
في خضم هذا الواقع الذي وصلت إليه حرب غزة، وبالتزامن مع تصاعد الرأي العام العالمي والغربي الداعم للقضية الفلسطينية، بدأت مؤخراً تتوالى الأخبار عبر وسائل الإعلام، حول تحولات في المشهد، تنبئ بتطورات على الساحة الفلسطينية بشكل عام، إذ قالت حركة حماس: إن «إدارة غزة يجب أن تتم بإرادة فلسطينية»، وأضافت: «حماس ليست متمسكة بالتمثيل المنفرد فنحن جزء من الشعب الفلسطيني ويمكن أن نبني حكومة وحدة وطنية وأن نتوافق على إدارة غزة على قاعدة الشراكة»!
يتقاطع ما سبق مع تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال زيارته الأخيرة إلى قطر، إذ قال: «إن ممثلي الحركة (حماس) كرروا له أنهم يقبلون بإنشاء دولة فلسطينية ضمن حدود 1967»، ومن ثم ضمنياً حسب فيدان «وجود دولة إسرائيل والتخلي عن الكفاح المسلح بعد إنشاء الدولة الفلسطينية»، وأوضح فيدان أن «حماس لن تحتاج بعد ذلك إلى وجود جناح مسلح، وستستمر في الوجود كحزب سياسي»، معرباً عن «سعادته» بتلقي مثل هذه الرسالة، وتأتي تصريحات وزير خارجية تركيا بالتزامن مع أنباء حول تلقي حماس طلباً قطرياً بمغادرة البلاد، وأن «الحركة» تبحث عن وجهة جديدة، يرجح أنها تركيا، وسط أنباء عن أن مشاورات تتم بين «حماس» وأنقرة حول ذلك.
إن التحركات السابقة، قد تحتمل تفسيراً، بدور قطري تركي في ترويض حركة حماس لمصلحة تسوية شاملة غير عادلة للملف الفلسطيني، ترضي كيان الاحتلال وواشنطن، وما صدر عن حماس من تصريحات يأتي في إطار التعبير عن الاستعداد الجاد للانخراط في تسوية كهذه، خصوصاً أنها أتت بالترافق مع أنباء عن اجتماع سيضم وفدين من حركتي «فتح» و«حماس»، في العاصمة الصينية بكين، للتباحث في مصالحة تعيد لم شمل القوى الفلسطينية، وهو أمر يعمل عليه منذ عدة سنوات وكان برعاية جزائرية، يبدو أنه يستكمل اليوم برعاية صينية، بحيث تُهيّأ جميع الظروف لتسوية شاملة للملف الفلسطيني، والصين طرف دولي يحظى باحترام ومقبولية للعب مثل هذا الدور، خصوصاً بعد دوره الكبير في إجراء المصالحة السعودية الإيرانية.
في خضم كل ما سبق، تثار موجة من التساؤلات التي تحمل طابع الاستغراب، وتتمحور تلك الأسئلة حول الأدوار والمواقف والتحولات فيها، فمثلاً، دولة مثل قطر ذات علاقات وثيقة بإسرائيل وحلفائها الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، كيف يمكن لها أن تستضيف حماس وأن تمولها؟ لتقوم الأخيرة بحراك عسكري واسع مثل «طوفان الأقصى»؟ وكيف يمكن لحماس أن تنقل مقارها إلى دولة مثل تركيا خصوصاً أن مؤشرات التبادل التجاري والعسكري بين إسرائيل وتركيا ازدادت بشكل ملحوظ خلال الحرب على غزة؟ وكيف يمكن لحماس أن تتخلى عن العمل المسلح؟!
ويبقى السؤال الأبرز، كيف يمكن لأي تحولات من هذا الشكل أن تنعكس على شكل تسوية عادلة للقضية الفلسطينية؟ وكيف سيكون تأثيرها في مختلف الملفات الشائكة في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الملف السوري؟
كاتب سوري