عندما اخترت عنوان هذه الزاوية لم أقصد المسلسل الذي يحمل هذا الاسم، وإنما أقصد عصرنا الراهن الذي سيكتب التاريخ صفحاته لتكون عبرة لشعوب الأرض في المستقبل البعيد.
فكل ما يجري في عالم اليوم هو تجسيد حي للجنون في أعلى درجاته على مستوى الدول وسياساتها وحروبها وآفاتها وأمراضها التي يتم تصنيعها في مخابر ومعامل مهمتها إنتاج الأوبئة والجوائح القاتلة.
الجنون على المستوى الفردي يعتبر مرضاً عقلياً يصيب الدماغ، وله الكثير من الأعراض، فيغيب صاحبه عن الواقع ويعيش في خيالات وأوهام، ويأتي بتصرفات وسلوكيات شاذة وغريبة.
التعريف السابق ليس من بنات وصبيان أفكاري، بل هو تعريف علمي للجنون، وتستطيعون التأكد من ذلك من خلال البحث في الشبكة العنكبوتية.
البحث الذي أجريته شخصياً عن الجنون وأعراضه جعلني أشعر أنني شخصياً على طريق الجنون رسمياً، فأنا والكثير من السوريين غائبون عن الواقع، ويعيشون في خيالات وأوهام مستحيلة التحقيق.
ستجدون هؤلاء يسيرون في الشوارع بلا هدف محدد وهم يتحدثون مع أنفسهم همساً أو بصوت مرتفع عن أمور الحياة، ويطرحون العشرات من الأسئلة التي لا جواب لها مثل: كيف أستطيع تأمين طعام الأسرة وراتبي يعادل طبخة واحدة في الشهر؟
إذا مرضت واحتجت لعلاج، هل أشتري الأدوية أم أوفر ثمنها لشراء ربطة خبز ونصف كيلو بندورة ومثله باذنجان وربع أوقية دهنة، وكيلو لبن وخمسة أقراص فلافل لتأمين وجبة غداء متواضعة؟
الأدوية صارت مرتفعة الثمن كثيراً لا يقوى على شرائها سوى التجار والفاسدين الذين يبلعون المال العام، أو الذين يتلقون الرشاوى لقاء موافقتهم على معاملات الجماهير الكادحة التي يتغنى بها الشعراء والزجالون والدجالون الخارجون على القانون.
أشعر أنني بدأت مسيرتي نحو الجنون وخطوت خطوة واسعة نحو الجنون حسب توصيف علم النفس، لأن كل ما حولي يدعو للجنون، حسب توصيف علم النفس.
أول أعراض جنوني أنني أسير في الشوارع وأتكلم مع نفسي، ألم تسمعوا عن شخص يمشي و«يحكي مع حالو» هذا هو أنا والمئات من السوريين الذين ينتظرون رسائل ملونة منها رسالة الغاز والبنزين والمازوت والرز والسكر والعدس والتونة «الطون» وغيرها من مواد ضرورية لبني البشر صارت عملة نادرة في عصر الجنون، وعلى الأخص البنزين الذي صار سعر اللتر منه بسعر كيلو التفاح!
كتبت اليوم عن عصر الجنون وعن جنوني شخصياً فقط لأطرح سؤالاً على المسؤولين والراسخين في علم الاقتصاد والمجتمع: كيف أتجنب مرض الجنون، وهل يوجد دواء يخفف من أعراضه ويجعل المصاب بالجنون أنه سوي وعاقل، وأن بقية خلق اللـه هم المجانين حسب مسرحية توفيق الحكيم «نهر الجنون»؟
خلاصة الكلام: توصلت إلى نتيجة مفيدة للجميع وتتلخص بالاستسلام للجنون عن طيب خاطر، لأن الجنون نفسه هو أحسن وأفضل دواء لنا، ألا تذكرون فيلم إسماعيل ياسين «المجانين في نعيم»؟
ونعيماً سلفاً.