بدأت الأنباء التي تؤكد أن محكمة الجنايات الدولية ستصدر قرارات وأوامر تقضي باعتقال عدد من قادة الكيان الإسرائيلي لمحاكمتهم على جرائم الحرب التي ارتكبوها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وفي مقدمهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وبالمقابل ظهر جلياً أن نتنياهو سارع قبل أيام إلى مناشدة الولايات المتحدة العمل على منع هذه القرارات التي ستجعله مع قادة آخرين مطالباً بتسليم نفسه للمحكمة، وإلا فسوف تعمم المحكمة أمراً قضائياً باعتقاله في أي مكان يذهب إليه، وكان نتنياهو قد تبجح في يوم الجمعة 26 من شهر نيسان الجاري بطريقة لم تخف فزعه من قرار كهذا، فأعلن أن صدور أوامر بالقبض عليه واعتقاله لن تمنعه من الاستمرار في الحرب ضد الفلسطينيين وقال: «إن إسرائيل في ظل قيادتي لن تقبل بأي محاولة تقوم بها محكمة الجنايات الدولية لتقويض حقها الأساسي بالدفاع عن نفسها وليعلم الجميع أن قرارات المحكمة لن تؤثر في عمليات إسرائيل»، لكنه أضاف من خوفه إن «هذا القرار سيشكل سابقة خطيرة تهدد جنودنا والشخصيات العامة»، وهو في النهاية سيعتمد على ما يمكن أن تقدمه له إدارة الرئيس الأميركي جو بايدين من حماية لا يمكن ضمان نجاحها.
الولايات المتحدة وإسرائيل ليستا من الدول الأعضاء في محكمة الجنايات الدولية لكنهما ستستخدمان دولاً من الأعضاء في محاولة منع مثل هذا القرار، وإذا لم تنجحا، فقد تلجأ الإدارة الأميركية إلى دفع إسرائيلي لابتزاز محكمة الجنايات الدولية بتهديدها باستخدام القوة إذا ما اعتقلت أي مسؤول إسرائيلي لاستجوابه أو محاكمته على غرار ما فعله الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش عام 2002 حين وقّع على مشروع قانون يمنح صلاحية استخدام القوة العسكرية لتحرير أي مسؤول أميركي تعتقله محكمة الجنايات الدولية لاستجوابه أو محاكمته.
ويقول محرر مجلة «أنتي وور» الأميركية ديف دي كامب إن «هذا القانون الأميركي الذي يحمل اسم «قانون حماية المسؤولين الأميركيين» ينص على حق الولايات المتحدة باستخدام جميع الوسائل الضرورية المناسبة لتحرير أي فرد أميركي أو متحالف معها يجري اعتقاله أو سجنه لمصلحة محكمة الجنايات الدولية أو بطلب منها»، وأصبح هذا القانون يعرف باسم «قانون غزو محكمة لاهاي»، وبهذه القوانين الأميركية الأحادية والإجرامية التي تشكل انتهاكا لكل دول العالم ولسيادة منظماته الدولية تسعى الولايات المتحدة إلى شرعنة جرائمها وجرائم إسرائيل ومنع العقوبات عن الذين يرتكبونها، وهذا ما فعله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بموجب ما ذكره دي كامب في مجلته حين أصدرت إدارته عقوبات على مسؤولين في محكمة الجنايات الدولية لأنهم قرروا استجواب مسؤولين أميركيين متهمين بارتكاب جرائم حرب في أفغانستان، ثم أوقف الرئيس الأميركي جو بايدين تلك العقوبات بعد توليه الرئاسة عام 2020، لكنه استمر باتباع سياسة ممارسة الضغوط على المحكمة للتقليل من متابعة قرار استجواب عسكريين أميركيين أو حلفاء أفغان عملوا في أفغانستان، ويؤكد دي كامب أن صدور قرار بمحاكمة نتنياهو سيدفع واشنطن إلى ممارسة ضغوطها على المحكمة لأن بايدين نفسه متورط وشريك في جرائمه، وزوده بكل أشكال الدعم العسكري في حملته لقتل الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين في غزة، ولا شك أن قرارات المحكمة الصادرة قبل أشهر بإدانة إسرائيل بجرائم إبادة شعب في قطاع غزة ستتحول إلى لائحة اتهام واضحة وذات مصداقية ضد أصحاب القرار الإسرائيلي وهم: نتنياهو ورئيس الأركان هيرتسي هاليفي ووزير الدفاع يوآف غالانت، وسيصبح كل من قدم الدعم العسكري الخارجي بالذخائر والمعدات لإسرائيل شريكاً معهم في هذه الجرائم وخاضعاً للاستجواب ولأي عقوبات تصدرها المحكمة، وفي النهاية سيظل قرار وأوامر محكمة الجنايات الدولية سيفاً مسلطاً على الكيان الإسرائيلي أمام الشعوب كلها وأمام الرأي العام العالمي لإدانته بجرائم حرب لا يمكن محوها من جدول العمل العالمي مهما بذلت الحكومات الغربية الاستعمارية التي صنعت إسرائيل أو ساهمت في صنعها من الجهود لتصويرها كضحية لـ«الهولوكوست النازي» أو ضحية لـ«المعادين للسامية»، فقد اتضح أن إسرائيل نفذت على مرأى من كل البشرية جرائم حرب ضد أطفال ونساء وشيوخ طوال سبعة أشهر، وبدأ يندد بها يهود كثر في عواصم الغرب الاستعماري الذي شارك في جرائمها طوال الأشهر السبعة علناً بتصريحاته التحريضية على قتل الفلسطينيين وبإرساله الذخائر لقتل الأطفال وتدمير البيوت والمستشفيات والمساجد والمدارس والجامعات في أبشع صورة للإبادة الشاملة.