مع استمرار الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي لمدة نصف عام وتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، نظر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرة أخرى بطلب فلسطين في الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة بعد 13 عاماً، ولكن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض ضده، وهذه المرة، وقفت واشنطن، باعتبارها العضو الدائم الوحيد الذي صوت ضد القرار، مرة أخرى على الجانب المقابل من المجتمع الدولي.
إن الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة يعد خطوة مهمة بالنسبة لفلسطين لإقامة دولة مستقلة، وتدعم الولايات المتحدة لفظياً «حل الدولتين»، لكنها في الواقع تعرقل حلم الفلسطينيين في إقامة دولة، الأمر الذي يفضح نفاقها وازدواجية معاييرها بشكل كامل.
تعتقد العديد من الدول، بما في ذلك الصين بأن قبول فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة من شأنه أن يمنحها مكانة متساوية مع إسرائيل ويساعد في خلق الظروف الملائمة للمفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية.
حتى اليوم، إن 140 من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة اعترفت بدولة فلسطين، ومع ذلك، فإن حق النقض الذي استخدمته الولايات المتحدة قد خنق مرة أخرى تطلعات الشعب الفلسطيني وجهود المجتمع الدولي.
الولايات المتحدة تتحدث مراراً عن «حل الدولتين»، لكن من أجل تعزيز هيمنتها في الشرق الأوسط والاحتياجات السياسية الداخلية، اعتبرت الحكومات الأميركية المتعاقبة إسرائيل أهم حليف لها في المنطقة، ويمكن وصف تحيزها وتواطؤها تجاه إسرائيل بأنه «ليس له حد»، لكن إسرائيل تعارض عضوية فلسطين الرسمية في الأمم المتحدة، ومن المؤكد أن الولايات المتحدة سوف تتعاون مع إسرائيل هنا، ومن وجهة نظرها، ليس من المهم أن تتمكن فلسطين وإسرائيل من تحقيق السلام، ولكن حماية مصالحهما الخاصة أمر مهم.
وتلتزم الولايات المتحدة دائماً بـ«المعايير المزدوجة» بشأن قضية الشرق الأوسط، الأمر الذي يدفع الشرق الأوسط إلى هاوية الحرب، فقد أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة يوم الـ25 من نيسان الجاري، ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين، جرّاء الحرب الإسرائيلية على القطاع، إلى أكثر من 34 ألفاً، وعدد المصابين إلى أكثر من 77 ألفاً، وباعتبارها صاحبة مصلحة مهمة في القضية الفلسطينية، لم تقدم الولايات المتحدة مساعدات كافية لقطاع غزة، ولكنها استمرت في تزويد إسرائيل بقدر كبير من المساعدات العسكرية، واستخدمت حق النقض أربع مرات ضد مشاريع القرارات المتعلقة بوقف إطلاق النار الفوري في قطاع غزة في مجلس الأمن الدولي.
وفي الوقت نفسه، توسع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، وبعد أن شنت إيران هجوماً عسكرياً على إسرائيل، ردّاً على الهجوم على القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، لم تخطط الولايات المتحدة لتقديم المزيد من الدعم العسكري لإسرائيل فحسب، بل أقر مجلس النواب الأميركي في العشرين من الشهر الجاري مشروع قانون المساعدة العسكرية لإسرائيل بقيمة 26 مليار دولار، كما أعلنت أنها ستفرض عقوبات جديدة على إيران.
وبعد أن شنت إسرائيل ضربات عسكرية ضد إيران وأهداف أخرى في العديد من البلدان، أظهرت الولايات المتحدة أنها لا تريد توسيع التوترات في الشرق الأوسط وذكرت أنها لم تشارك في الهجمات الإسرائيلية على إيران، وهذا النوع من النفاق الأميركي وازدواجية معاييرها كان حاضراً منذ بداية هذه الجولة من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
وفي الثاني والعشرين من الشهر الجاري، أدان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مؤتمر صحفي كشف فيه عن التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان، هجمات حماس على إسرائيل، لكنه لم يصل إلى حـــد إدانة إسرائيل بشكل مباشــر، وشــــكك مراســل رويتــرز في «المعاييــر المزدوجــة» التي تتبعهــا الولايــات المتحـدة في تعاملها مع الاتهامات بارتكاب انتهاكات إسرائيلية لحقوق الإنسان، وقال بلينكن: «هل لدينا معايـير مزدوجــة؟ الجواب هو لا».
لقد لعبت الولايات المتحدة دائماً دوراً سلبياً في جهود فلسطين لتصبح عضواً في المجتمع الدولي، لكن الولايات المتحدة تتغاضى بشكل أساسي عن استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات اليهودية والتعدي على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وبعد اندلاع هذه الجولة من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ورغم أن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل ممارسة ضبط النفس شفهياً ودبلوماسياً، إلا أنها ظلت تدعم إسرائيل عسكرياً بنسبة مئة بالمئة، الأمر الذي سمح لإسرائيل بمواصلة عملياتها العسكرية.
ومن التناقض أن تتغاضى عن استمرار الحرب، في حين تدعي الاهتمام بسلامة الحياة والاحتياجات الإنسانية للسكان في قطاع غزة، ومن خداع النفس أن تتغاضى عن استمرار الحرب في حين تدعو إلى منع الصراع من الامتداد، ومن النفاق الشديد أن تتغاضى عن استمرار الحرب في حين تتحدث عن حماية النساء والأطفال وحقوق الإنسان، فإن كل ما فعلته الولايات المتحدة أظهر لنا مرة أخرى ما هي المعايير المزدوجة.
إن القضية الفلسطينية هي في قلب قضية الشرق الأوسط، ولن تنعم منطقة الشرق الأوسط بالسلام والاستقرار الدائمين من دون حل عادل للقضية الفلسطينية، وفي مواجهة الوضع المتزايد الخطورة في الشرق الأوسط، فإن المجتمع الدولي ودول المنطقة يحتاجون إلى العمل معاً للعب دور أكثر نشاطاً.
إعلامية صينية