قضايا وآراء

مآلات الحراك الطلابي الغربي

| منذر عيد

قد يكون من المجحف بحق ما تشهده الساحة الطلابية من احتجاجات على امتداد الولايات المتحدة الأميركية، رفضاً للإبادة الجماعية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان غزة، ومطالبتهم بوقف الدعم الأميركي للكيان، تشبيهها بأي حدث طلابي سابق مماثل، وإن كان ذاك الحدث مظاهرات الطلاب في الجامعات الأميركية عام 1968 احتجاجاً على حرب فيتنام، وذلك لسببين، الأول أن كرة نار التظاهرات الحالية آخذة في التدحرج والاتساع، لتتجاوز الجغرافيا الأميركية وتصل إلى أوروبا، وثانياً وهو الأهم، أن نتائج تداعيات ونتائج التظاهرات الحالية المتوقعة والمرجوة، تتجاوز الشأن الأميركي، بل قد تصيب إسرائيل بمقتل من خلال تحجيم هيمنة الفكر الصهيوني على عقلية القادة الغربيين.

إذا كنا نختلف مع الكثيرين حول فكرة «زوال» الكيان الصهيوني، حيث نؤمن بذلك، ويؤكد الآخرون استحالة ذلك، فإنه من المتوقع أن يكون هناك إجماع بيننا، وإن لم يقروا صراحة بما سندعي، بأن ما تشهده الساحة الطلابية الغربية من حراك في أميركا وأوروبا يمثل حدثاً تاريخياً بامتياز، نقل القضية الفلسطينية ومظلومية الشعب الفلسطيني، بعد أن أحياها ومن الحراك الجماهيري الأوروبي، نقلها إلى ضفة أخرى وجعلها تحت شمس الواقع، وجعل منها قضية إنسانية بأبعادها الكثيرة، متجردة من أي صفة يمكن أن تلصق بها، دينية أو قومية، وعرى الخلل البنيوي في السياسات الخارجية لتلك الدول، وارتهانها الأعمى لمصالح إسرائيل، وخضوعها بشكل أو آخر للوبي والفكر الصهيوني.

من المؤكد أننا لا نتحدث عن طلاسم، بل بدهيات صدرت عن كبار المفكرين والأكاديميين والسياسيين في الغرب، ممن لم تصبه آفة الهيمنة الصهيونية، وعليه فإن الأهمية الكبرى لتلك المظاهرات تكمن بأنها حركة مناهضة للصهيونية وبداية لوعي جديد وفكر سياسي مقاوم في الغرب، مقاوم لارتهان بلدانها لإسرائيل، فإذا ما نجح الطلاب المتظاهرون في تحقيق مرامهم وتحرير القرار السياسي من الهيمنة الصهيونية، فهذا سيؤدي إلى بطلان فعالية وضغط اللوبي الصهيوني في أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وهذا سيؤدي إلى نتيجة حتمية وهي زوال إسرائيل، لكون الحكومات الغربية تشكل السند الكبير لديمومة الكيان، وهي شريكة في كل الجرائم التي ينفذها قادة الكيان في المنطقة وخاصة فلسطين.

ثمة أمر إضافي مهم كان نتاج الحركة الطلابية تلك، وهو أن تلك التظاهرات أسقطت بشكل كامل السردية الإسرائيلية، التي تدعي فيها المظلومية، وبأن الشعب الفلسطيني إرهابي يعمل على قتل الأطفال، بل كسرت عصا الكيان الغليظة المتمثلة بحجة «معاداة السامية» التي دائماً ما يشهرها في وجه من يتحدث بكلمة حق، حيث نفى طلاب يهود في جامعة كولومبيا الأميركية صحة ادعاءات رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون، أن التظاهرات الداعمة لفلسطين تعد تهديداً معادياً للسامية، ليقول أحدهم وفق تصريحات صحفية: «أعتقد أن الطلاب الذين يزعمون أنهم يواجهون الكثير من معاداة السامية في الحرم الجامعي يخلطون بين معاداة إسرائيل ومعاداة السامية».

من غير المستبعد قيام الإدارة الأميركية بإصدار الأوامر لاستخدام القوة ضد المتظاهرين من أجل فض حراكهم، فهي لا تحترم حرمة وحرم جامعة أو مستشفى، فرغم بعد المسافة بين الساحتين والحرمين، إلا أن ثمة نقاطاً كثيرة تجمع بين حرم المشافي في قطاع غزة الذي استباحته قوات الاحتلال الصهيوني خلال 206 أيام من العدوان، وحرمة الجامعات في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، والتي طالتها أيضاً يد القمع والتنكيل الصهيونية الغربية الحاكمة في كلا البلدين.

وإذا كانت الأولى سبباً لقيام الثانية، فإن في المحصلة باتت الآلام واحدة، ومفرزات ما تتعرض لهما الحرمتان مؤشر كبير وخطير على مدى الانحطاط الأخلاقي والإنساني والديمقراطي الذي وصل إليه حكام الدول الغربية، وانجرارهم وراء قادة الكيان، وبلوغهم حد الوقاحة والتباهي بصهيونيتهم أكثر من الصهاينة الأصلاء، وفاقوا تطرفاً مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل ذاته.

انتهاك الغرب الفاضح لحرمة الجامعات، سبقه جريمة الكيان الصهيوني بانتهاك حرمة المستشفيات والقطاع الصحي في غزة، تلك الحرمة المحمية بالقانون الدولي من خلال اتفاقية جنيف الرابعة إضافة إلى البروتوكولين الأول والثاني لاتفاقيتي جنيف لعام 1977 ولاهاي لعام 1954.

الكيان الصهيوني لم يقم أي حرمة للمشافي، ولم يأخذ وزناً للقانون الدولي، فكانت مشافي القطاع ومنظومته الصحية، هدفاً رئيساً لعدوانه، لتكون النتيجة انهياراً شبه كامل للمنظومة الصحية، وخروج 32 مستشفى و53 مركزاً صحياً عن الخدمة، واستهداف 160 مؤسسة صحية و126 سيارة إسعاف.

إن اليد التي انتهكت حرمة المشافي في غزة، هي نفسها التي انتهكت حرمة الجامعات في أميركا وفرنسا، واللسان الذي حرض ضد مشافي غزة واتهمها زوراً بأنها مقرات عسكرية للمقاومة الفلسطينية، هو اللسان ذاته الذي اتهم الطلاب المحتجين بأنهم «معادون للسامية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن