قضايا وآراء

«أيباك» الإسرائيلية والتغلب عليها عربياً

| تحسين حلبي

كشفت وزارة التعليم الأميركية في آخر إحصاءاتها أن قيمة المساعدات التي حصلت عليها الجامعات والكليات الأميركية في الفترة الممتدة من عام 1986 حتى 17 تشرين أول عام 2022 بلغت 44 مليار دولار جاءت من مصادر خارجية أجنبية و25 بالمئة منها، أي ما يقرب من 11 ملياراً من هذا المبلغ، جاء من حكومات ومؤسسات وشخصيات عربية لهذه الجامعات.

وفي 14 تشرين ثاني عام 2023 كشفت مجلة «فوكس بيزينيس» الأميركية أن العالم العربي قدم ملياراً وثمانمئة مليوناً لجامعة كورنيل و830 مليونا لجامعة جورج تاون و823 مليوناً لجامعة كارنيجي ميلوني و807 ملايين لجامعة تكساس و648 لجامعة نورث ويستيرن و228 مليوناً لجامعة هارفارد و180 مليوناً لجامعة نيويورك، وحين تتلقى هذه الجامعات الأميركية هذه المبالغ من العرب تقوم الإدارات الأميركية بمنع العالم العربي عن منح الدعم والمساعدات المالية للجامعات الفلسطينية أو غيرها من الجامعات العربية التي تعد بأمس الحاجة للمساعدة، كما أن الإدارة الأميركية تتخذ قرارات بإيقاف دعمها المالي لوكالة «أونروا» المكلفة مساعدة اللاجئين الفلسطينيين، ولا تكتفي بهذا الموقف المناقض لالتزاماتها تجاه «أونروا»، بل تقوم في الوقت نفسه بعدم السماح لعدد من الدول العربية الغنية بتقديم دعم مالي لـ«أونروا» يعوض عما نقص في ميزانيتها، وهي بهذه الطريقة تتحكم حتى بحركة الأموال العربية وتمنع وصولها إلى من يحتاجها، كما لا تسمح بوجود منظمة ضغط عربية على غرار منظمة «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية- أيباك» التي تشكل مجموعة نفوذ كبير داخل الكونغرس والبيت الأبيض برغم أن «أيباك» لا تقدم أي مساعدات مالية للجامعات الأميركية بل تقوم بابتزاز المؤسسات الأميركية لتغطية نفقات نشاطاتها بالإضافة إلى الميزانية السنوية التي تخصصها وزارة الخارجية الإسرائيلية لها لخدمة السياسة الإسرائيلية وفرض الخطاب الإعلامي الإسرائيلي على الساحة الإعلامية الأميركية، فالأموال التي تتلقاها «أيباك» من اليهود الأميركيين الأثرياء تقوم بتوظيف جزء كبير منها في التأثير على الصحف والقنوات التلفزيونية الأميركية وتفرض في كثير من الأحيان نشر الفبركات الإعلامية التي تخدم سمعة وصورة إسرائيل في أميركا، وعادة ما تستخدم وسائل الابتزاز في توجيه بعض وسائل الإعلام المهمة في أميركا لمصلحة إسرائيل، فعلى سبيل المثال قامت «أيباك» بتهديد صحيفة «نيويورك تايمز» بسحب اشتراكات الشخصيات اليهودية بالصحيفة إذا كررت نشر أنباء عن مقتل أطفال ونساء أثناء اجتياح جيش الاحتلال للضفة الغربية عام 2002، واضطرت الصحيفة الأميركية إلى التكيف مع ملاحظات «أيباك» من دون أي تردد وبدأت باتخاذ الحذر من ظهور أنباء لا تسر إسرائيل في صفحة الرأي التي تنشر فيها آراء كبار المحللين الأميركيين، وتبين أن اشتراكات اليهود الأميركيين في تلك الصحيفة تشكل جزءا مهما من ميزانية وأرباح الصحيفة، وتدرك معظم المنظمات اليهودية الأميركية التي توظف نفسها لخدمة إسرائيل أهمية هذه الأشكال من الابتزاز التي تبلغ درجة التهديد بتشهير بعض المحررين في الصحف أو بشن حملة تشويه لسمعتهم بهدف منعهم من انتقاد إسرائيل أو قيادتها، فالمسألة هنا لا تتعلق بالنسبة لهذه المنظمات بإقناع المحررين أو الصحفيين بالميل إلى الترويج لإسرائيل بل بتعريض مصالح الصحفيين الذين ينشرون آراء معارضة لإسرائيل للخطر، وغالباً ما ترسل هذه المجموعات الصهيونية إلى بعض أصحاب الصحف أو المسؤولين عن بعض زواياها تحذيرات غير مباشرة تطلب فيها تقليل عدد ما ينشره الصحفيون المستهدفون من آراء، وهذه الوسائل بدأت مجموعات التأثير اليهودية الصهيونية الأميركية استخدامها مع رؤساء الجامعات والكليات بهدف التحريض على الطلاب والأساتذة الذين لا يروق نشاطهم وآراؤهم للمصلحة الإسرائيلية برغم أن هؤلاء الرؤساء والمسؤولين في الجامعات هم أكثر من يعرف أن ما يحصلون عليه من رواتب ومكافآت تقدم 25 بالمئة منها حكومات ومؤسسات وشخصيات ثرية عربية بموجب إحصاءات وزارة التعليم الأميركية نفسها في حين أن إسرائيل لا تقدم لهذه الجامعات شيئاً بل تبتزها من دون مقابل، ومع ذلك لا يبدو أن الإدارة الأميركية تضع مثل هذا الاعتبار في سياساتها مع العرب بل تقوم بتجميد أموال لمصلحة الفلسطينيين باسم «أونروا» أو غيرها من المؤسسات الأخرى، ولو أراد العرب من الدول الصديقة للولايات المتحدة إيجاد مجموعات تأثير عربية أميركية أو إسلامية أميركية من المواطنين الأميركيين لوجدوا أن بنية تأثيرها ونفوذها ستكون ذات جدوى لمصلحتهم ومصلحة قضاياهم وفي مقدمها فلسطين وبشكل يزيد على جدوى منظمة «أيباك» الإسرائيلية الأميركية ومن دون اتباع طريقتها بالابتزاز والتحريض العنصري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن