شؤون محلية

مذابح السرعة الفائقة

| ميشيل خياط

غادر منزله للتو متمتعاً بصحة ممتازة، هذا ما أوضحه لأمه على الهاتف، وكانت تنتظره لتناول الفطور من يديه.

وقف ينتظر الميكروباص كعادته كل صباح وبلمح البصر صدمته دراجة نارية، قيل لنا في مجلس العزاء إن راكبها كان مسرعاً كمجنون هارب من هوس ملاحقة..!!

صدم الرجل فأرداه قتيلاً على الفور..!!.

وغرابة القصة تكمن في أن مكان الواقعة في دمشق، هو تجمع لميكروباصات على عدة خطوط، وسمته العادية الازدحام الشديد.

منذ ثلاث سنوات كلما التقيت أحد أقرباء الضحية يسألني:متى سيمنعون استخدام الدراجات النارية..! وأجيبه: تكمن مشكلتنا معها في عدم تطبيق قانون السير عليها بحزم…!

ثمة قصص كثيرة مماثلة في كل المحافظات السورية، لكن شدتها في دمشق كامنة في الكثافة السكانية الهائلة، والعدد الكبير من المركبات «545 ألف سيارة»، بما في ذلك تلك الدراجات النارية التي لا تتقيد بقانون السير، ولاتلتزم بالإشارات الضوئية وتسير عكس الاتجاه في أغلب الأحيان.

بيد أن مذابح السرعة الفائقة ليست وقفاً على الدراجات النارية، بل تشاركها هذا الأذى الرهيب كل وسائط النقل الأخرى من السيارات الصغيرة إلى الشاحنات إلى البولمانات، وتلك زادت فواجعها عن الحد، ولم يعد مقبولاً السكوت على حوادثها المتكررة التي يذهب ضحيتها العديد من الركاب في البولمان الواحد، على الرغم من إيحاءاته الخارجية أنه آمن.

يجب ألا نستسلم لهذه المذابح ولذاك الموت المجاني المفجع، ونحن من جيل عاصر مثل هذه الحوادث التي كانت تقترفها البولمانات، إلى أن اتخذت إجراءات عديدة «قبل الحرب الجائرة على سورية»، ضبطت زمن انطلاق ووصول البولمان، واعتمدت شروط قاسية في اختيار السائقين.

وزيادة على ذلك كله تم وضع جهاز في «البولمان» يكشف عن السرعة التي اعتمدها في رحلته ما بين مدينة وأخرى، سرعة يجب ألا تتجاوز الـ90كم في الساعة، ويعاقب السائق بالاستغناء عنه إذا ما تجاوز تلك السرعة، ولاسيما أن الخبراء سواء في سورية أم أي دولة في العالم يؤكدون أن السرعة الزائدة، هي السبب الأول والأساسي في حوادث الطرق المميتة. وواضح أن الحرب خربت أشياء كثيرة في حياتنا.

ولعل أحدث رقم عن موتى حوادث الطرق في سورية هو 358 إنساناً في العام الماضي 2023.

وهذا الرقم ليس قليلاً ويشكل خسارة وطنية كبرى، ونثق بهذا الرقم لأنه صادر عن إدارة المرور في سورية، ونشرته وكالة سانا في 3/5/2024 على لسان العميد خالد الخطيب مدير إدارة المرور في وزارة الداخلية السورية، بمناسبة يوم المرور العالمي.

وما من شك أن جرحى حوادث الطرق وقد وصل عندنا في سورية إلى 4699 في العام الماضي، يصوغون ألماً وطنياً موجعاً، ولاسيما أن جراح بعضهم تتسبب لهم بإعاقة دائمة، تقعدهم عن الاستمرار بحياة هانئة وعن الإنتاج.

صحيح أن حوادث الطرق تشمل العالم كله وهي تقضي «حسب دراسات منظمة الصحة العالمية»، على شخصين في كل دقيقة..! أي إنه يموت كل شهر 2880 إنساناً وفي كل سنة 1.051.200 شخصاً، إلا أن الدراسة ذاتها تؤكد أن 92 بالمئة من حوادث الطرق العالمية تقع في الدول الفقيرة، بسبب تدهور حالة الطرق والعجز عن صيانة المركبات دورياً لارتفاع التكاليف المالية لتلك الصيانة «ولاسيما الحرص على استبدال العجلات المهترئة».

ومع ذلك هناك إصرار عالمي على خفض حوادث الطرق 50 بالمئة حتى العام 2030.

والسؤال: كيف…؟

يجيب الخبراء: هذا ممكن عندما ينصب الاهتمام على الأشخاص بدلاً من السيارات، في نظم النقل، وضمان سلامة المشاة وراكبي الدراجات العادية، التي تقترح كحل لأزمة المواصلات، وتقليص الحوادث، والحد من تفاقم التلوث الهوائي 70 بالمئة من تلوث الهواء ينجم عن المركبات.

للأسف 80 بالمئة من طرقات العالم تفتقر لمعايير السلامة للمشاة و0.6 بالمئة فقط من هذه الطرق تحتوي على ممرات مخصصة للدراجات…!!.

يجب ألا نيأس، نجح العالم في خفض حوادث الطرق بدءا من العالم 2010، ويجب أن نسعى معه إلى خفضها في بلادنا إلى صفر وفيات حتى العام 2030.

اهتموا بالفحص النفسي كشرط للحصول على رخصة سواقة، وخفضوا السرعة داخل المدن إلى 30كم /سا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن