سورية

انتخاب الرئيس الأسد أميناً عاماً لحزب البعث بالإجماع … الرئيس الأسد: الانتخابات ستكون مفصلاً بتاريخ الحزب .. لا يجرؤ مسؤول في سورية على التنازل عن القضية الفلسطينية ولن نتنازل اليوم

| الوطن

أعاد الاجتماع الموسع للجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي وبالإجماع، انتخاب الرئيس بشار الأسد أميناً عاماً للحزب، كما انتخب أعضاء القيادة المركزية الجديدة وأعضاء اللجنة المركزية وأعضاء لجنة الرقابة والتفتيش الحزبية

وخلال افتتاح أعمال الاجتماع الذي عقد أمس في قصر المؤتمرات بدمشق، أكد الرئيس الأسد في كلمة شاملة، أن الانتخابات التي شهدها الحزب بما أسفرت عنه من نتائج ستشكل قيمة مضافة كبيرة لمسيرة تطوير الحزب، مشدداً على أن أخطر ما يواجه الوطن هو الحروب العقائدية كالنازية الجديدة والليبرالية الحديثة والتطرف الديني، وهذه الحروب العقائدية لا يمكن أن نواجهها إلا بفكر وبعقيدة.

وأوضح الرئيس الأسد أنه في ظل الظروف العالمية التي يشهد كل العالم فيها حروباً ذات طابع ثقافي وعقائدي، تصبح الأحزاب العقائدية أكثر أهمية بكثير من قبل، وليس كما كان يسوق منذ ثلاثة عقود بأن عصر الإيديولوجيات قد انتهى، وأن عصر الأحزاب العقائدية قد انتهى، هذا الكلام غير صحيح، نحن نعيش أعلى مرحلة إيديولوجية على مستوى العالم، لأن التطرف هو عقيدة، والليبرالية الحديثة هي عقيدة، والخنوع الذي يدعو إليه الغرب تحت عناوين مختلفة هو عقيدة، فإذاً دور الأحزاب العقائدية وفي مقدمتها حزب البعث في سورية تحديداً، هو اليوم أكثر أهمية مما سبق خلال كل المراحل التي مرت فيها سورية، مشدداً على أن الحزب تبنى منذ بداياته الوقوف إلى جانب الكادحين.

وفي الوضع السياسي، أكد الرئيس الأسد أن العنوان الأهم والأبرز اليوم هو الموضوع الفلسطيني، وأبرز ما فيه عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، ولكن بشكل لم يسبق له مثيل على الإطلاق منذ نشأة هذه القضية في عام 1948، وانكشفت حقيقة الكيان الصهيوني الإجرامية بالنسبة لمعظم العالم، مشيراً إلى أن صورة المنظومة الغربية تدهورت، أولاً على مستوى العالم، وعند المواطنين الغربيين أنفسهم.

وقال الرئيس الأسد: لا حاجة لتكرار موقفنا الوطني من الكيان المجرم، موقفنا ثابت منذ نشوء القضية الفلسطينية ولم يهتز للحظة أو ظرف، ولا أتحدث عن هذه الحرب، أقول عن القضية الفلسطينية منذ عام 1948، بكل الظروف التي مرت بها سورية، والانقلابات والاستقرارات وغيرها، لم يجرؤ مسؤول في سورية على التنازل عن القضية الفلسطينية ولن نتنازل اليوم لأن جوهر القضية لم يتغير ولأن العدو نفسه لم يتغير، والمتغير الوحيد هو الأحداث بشكلها الخارجي، المجازر ليست بطارئة على سلوك الكيان الصهيوني، وطالما الوضع لم يتغير والحقوق لم تعد، للفلسطينيين ولا للسوريين، فلا شيء يبدل موقفنا، أو يزيحه مقدار شعرة، وكل ما يمكن لنا أن نقدمه ضمن إمكاناتنا للفلسطينيين أو أي مقاوم ضد الكيان الصهيوني سنقوم به من دون أي تردد.

وشدد الرئيس الأسد على أن موقفنا من المقاومة وتموضعنا بالنسبة لها كمفهوم أو ممارسة لن يتبدل، بالعكس هو يزداد رسوخاً، لأن الأحداث أثبتت أن من لا يمتلك قراره لا أمل له بالمستقبل، ومن لا يمتلك القوة لا قيمة له في هذا العالم، ومن لا يقاوم دفاعاً عن الوطن فلا يستحق وطناً بالأساس، فالخضوع يعطي شعوراً كاذباً بالأمان وربما بالقوة وأحياناً بالوجود أو الكينونة، لكن إلى حين ينتهي هذا الدور وتنتهي المهمة المطلوبة، ليتم بعدها الاستغناء عن الأشخاص وعن الدول وعن الأوطان، وعندما يتم الاستغناء عن الأوطان، هذا يعني دمارها وزوالها.

وفي التفاصيل: اعتبر الرئيس الأسد أن الانتخابات التي شهدها الحزب بما أسفرت عنه من نتائج ستشكل قيمة مضافة كبيرة لمسيرة تطوير الحزب، بإيجابياتها التي كانت متوقعة من قبلنا، وبسلبياتها التي ستشكل دروساً، والتي ستكون عناوين في المرحلة القادمة لمناقشتها ومراجعتها وإدخال التعديلات على الأنظمة المتعلقة بها، مضيفاً: صحيح أن هذه الانتخابات ليست الأولى، إذ خضنا انتخابات منذ بضع سنوات، لكن هذه الانتخابات تحديداً بتفاصيلها وبأنظمتها وبالحماس المرافق لها، وبالزخم الكبير الذي شهدناه، سأقول من دون مبالغة إنها ستكون مفصلاً حقيقياً في تاريخ الحزب باعتبار أن ما شهدناه في الأشهر القليلة الماضية هو غير مسبوق في تاريخ الحزب منذ نشأته.

الحزب وتاريخ سورية

وتابع: «في هذه الفترة يمر على سورية ثمانية عقود كان الحزب هو اللاعب الأساسي فيها على الساحة السياسية، فمنذ نشأته، والدور السياسي الذي لعبه منذ منتصف الخمسينيات، في مواجهة حلف بغداد، وفي مواجهة الإخوان المسلمين سياسياً، وبالوحدة مع مصر التي كان الحزب هو اللاعب الأساسي والمحرك الأساسي لها، ولاحقاً في مواجهة الانفصال وثورة الثامن من آذار، وبعدها مرحلة الحركة التصحيحية، وإنشاء البنية التحتية الكبيرة، ثم مواجهة عصابات الإخوان المسلمين، مرة أخرى، في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، وصولاً إلى الحرب الحالية، وما قدمه الحزب من شهداء واحتضان للقوات المسلحة، قام الحزب بتقديم شهداء وتضحيات كبيرة، ما يعني أن من الصعب أن نفصل تاريخ ودور الحزب عن تاريخ ودور سورية، وهذه حقيقة واقعة وليست ميزة، بل مسؤولية تقع على عاتق كل بعثي، ومسؤولية كبيرة بكبر التحولات الكبرى التي مرت بها سورية، وبحجم خطورة المفاصل التي مرت بها عبر تاريخها منذ الاستقلال، وحزبنا كحزب عقائدي، عبر هذا التاريخ، شكل مشكلة حقيقية للأعداء، فكل عقيدة تهدف لتوحيد المجتمع، لتمكين المجتمع، لتقوية المجتمع، لحماية الوطن، هي بشكل بديهي مشكلة للأعداء، لذلك أخطر ما يواجه الوطن هو الحروب العقائدية كالنازية الجديدة والتطرف الديني والليبرالية الحديثة، والتي لا يمكن مواجهتها إلا بفكر العقيدة، وحتى الحرب الاقتصادية، والحرب الإرهابية، ليس بالضرورة أن يكون الهدف منها هو التجويع بالاقتصاد أو القتل بالإرهاب، بل الوصول إلى ثقافة اليأس التي تتحول مع الزمان عقيدة أو ما يشبه العقيدة. وليس صحيحاً ما يسوق منذ ثلاثة عقود من أن عصر الإيديولوجيات والأحزاب العقائدية قد انتهى، فنحن نعيش اليوم مرحلة إيديولوجية على مستوى العالم، لأن التطرف عقيدة، ولأن الليبرالية الحديثة عقيدة، ولأن الخنوع الذي يدعو إليه الغرب تحت عناوين مختلفة هو عقيدة، إذن، دور الأحزاب العقائدية، وفي مقدمتها حزب البعث، في سورية تحديداً، هو أكثر أهمية اليوم مما سبق، وبعد 77 عاماً من تأسيس حزب البعث، و13 عاماً من الحرب الإرهابية على سورية، لا شك بأن حزب البعث ما زال قوياً، مؤسسة وعقيدة، ولكن هذا لا يعني عدم وجود الكثير من السلبيات التي تراكمت عبر تاريخه، خلال السبعة عقود ونيف، إما بسبب عدم التطوير أو بسبب عدم معالجة الأخطاء المتراكمة، وأنا أعتقد بأن ما يخيفنا هو ليس الأعداء مهما تكاثروا، ومهما أظهروا من شراسة، ولكن ما يخيفنا، حقيقة، هو عدم معالجة هذه الأخطاء والتراكمات، لأنها هي التي يمكن أن تؤدي إلى إسقاط الحزب، مؤسسة وعقيدة، لذلك، عندما نتحدث عن التطوير، وعندما نمارس عملية التطوير، فليس لأن هنالك ظروفاً خارجية استدعت ذلك، كما يحلو للبعض أن يحلل من وقت لآخر، أو لأن هناك ضغوطاً، والغرب يئس من الضغوط على سورية منذ سنوات طويلة، ولكننا نطور لأن التطوير حاجة حسية ووطنية وطبيعية، باعتبار أن المجتمعات تتطور بشكل مستمر، وهي دائماً في حالة حراك ولا تقف في المكان نفسه على الإطلاق، وكل بنية في أي مجتمع لا تتحرك من مكانها باتجاه الأمام تصبح بنية متخلفة وقديمة، وكلما ازدادت الظروف قسوة أو قساوة يصبح التطوير أكثر حاجة وليس العكس، إن التأجيل ليس هو الخيار الصحيح، بل السير في التطوير بأقصى سرعة هو الخيار، وهو الوسيلة والطريقة، وربما الوحيدة، لمواجهة الظروف الصعبة والتحديات.

وأضاف الرئيس الأسد: «إن التحولات الكبرى التي نعيشها اليوم، ويعيشها العالم ككل، تؤثر علينا بشكل غير مباشر، وتفرض علينا مسؤوليات كبيرة وتحديات خطيرة، ومن أولى هذه التحديات التي نواجهها الآن كحزب هي بناء مؤسسة الحزب، وهو ليس تحدي حزب مجرد، أنا أتحدث عن تطوير الحزب وكأنه بنية مستقلة عن كل البنى المستقلة في الوطن، هو تحدٍّ عام في سورية، لدينا مشكلة في الثقافة المؤسسية على المستوى العام: في الدولة، وفي المؤسسات، وخارج الدولة، ونراها في المجتمع بشكل عام».

الانتخابات عمل مؤسسي

وقال: «وإن كنا قد قطعنا بعض الخطوات على مستوى الدولة، ببناء المؤسسات، فالطريق أمامنا ما زال طويلاً، أما على مستوى الحزب فالانتخابات التي خطوناها مؤخراً، إضافة إلى ما سبقها منذ عدة سنوات، هي أيضاً خطوة باتجاه العمل المؤسسي، ولكن لابد، وخاصة بعد هذه الانتخابات، وبعد هذا الاجتماع الموسع، من أن يكون هناك خطوات متممة في طريق بناء مؤسسة حزب البعث، ولكن يجب أن تنطلق في حوار معمق، وعلى كل المستويات الحزبية، كما فعلنا خلال العام الماضي عندما ناقشنا النظام الذي سيحكم الانتخابات التي نختتمها اليوم بانتخاب اللجنة المركزية والقيادة المركزية».

وأضاف: «النقطة الأولى التي يجب أن ننطلق منها، أننا أحياناً نمتلك مفاهيم ولكنها غير مفسرة، وأحياناً تكون المفاهيم الضرورية غير موجودة، كمفهوم علاقة الحزب بالسلطة، وهذا لا علاقة له بالمادة الثامنة، كما يعتقد البعض.. ونحن يجب أن نناقش هذه النقطة إذ لم يعد هناك مادة ثامنة، لا هذا حوار ثابت يجب أن يبقى دائماً وتكون له قاعدة فكرية واضحة، أن علاقة الحزب بالسلطة ليس كما كنا نناقشها سابقاً ونحصرها بإطار ضيق كأن يتدخل فرع بالمحافظة أو قيادة مركزية (كانت تسمى قيادة قطرية) تتدخل بعمل الحكومة، لا، الموضوع مرتبط بدور الحزب ودور الحكومة باعتبار أن الحزب، أو الحزب الحاكم، وبالتالي الحكومة، تنفذ السياسات، ومن الطبيعي أن يكون الحزب هو من يكون برسم السياسات التي نسميها سياسات ما فوق حكومية، أو السياسات الشاملة، وتأتي الحكومة لكي تنفذ هذه السياسات، وهذا يعني أن تنبثق سياسات الحكومة من رؤية الحزب، من دون أن يلغي أحدهما الآخر، لأن هناك حديثاً من وقت لآخر حول تراجع دور الحزب، وتراجع دور الحزب يعني إضعاف الحزب، أبداً، هو ليس تراجعاً، هو إعادة تموضع لدور الحزب، وهو يحمي الحزب من إشكالات العمل الإجرائي اليومي التي تقوم به الحكومة، وبالتالي تحميل الحزب مسؤوليات لا يحملها».

وأكد الرئيس الأسد: «بالوقت نفسه، لا يجوز أن يقوم الحزب بتحميل مسؤولياته إلى الحكومة، إذن، علاقة الحزب بالسلطة يجب أن تكون من العناوين الأولى التي نناقشها، ما هو دورنا؟ وما هو دور السلطة التنفيذية التي تنفذ برامج الحزب؟».

وتابع: «النقطة الثانية هي البنية التنظيمية لكل المستويات، خاصة للقيادة المركزية، للفروع، وللشعب الحزبية، لدينا الآن مكاتب، ولدينا عدد متقارب من أعضاء قيادات الفروع، والأغلبية من المتفرغين بعد ستة عقود من حكم حزب البعث، فهل من المنطقي أن تكون هذه المكاتب، بقطاعاتها هي نفسها؟! تغير المجتمع، وتغير العالم، وتغير الاقتصاد والصناعة والتكنولوجيا، كل شيء، ولكن المكاتب بقيت نفسها، فهل من المنطقي أن نبقى في المكان نفسه، لابد أولاً من إعادة دراسة المكاتب والقطاعات التي يتعامل معها الحزب، وإعادة دراسة بنيه هذه القيادات، بمعنى هل ندمج مكاتب مع بعضها؟ هل نلغي قطاعات لم نعد نحتاجها؟ هل نضيف قطاعات جديدة تتناسب مع العصر الحالي؟ هذا من جانب، من جانب آخر، لابد من دراسة موضوع عدد المتفرغين، أي إننا لو قلنا إن هناك عدداً ما كبيراً، وبالتالي هناك أشخاص ليس لهم عمل بالمعنى الحقيقي، وأن هذا يشكل هدراً وإضاعة للوقت، وقمنا بتخفيض عدد الأعضاء، فهذا ينطوي على إيجابية وعلى سلبية، ذكرت الإيجابيات ولكن السلبية أن يدفع هذا القرار الحزبي لكي يكون في دائرة ضيقة، وهذا ليس شيئاً جيداً، كلما اتسعت دائرة الحوار ودائرة القرار، كلما كان العمل أفضل من الناحية المؤسسية، هناك أفكار تطرح أن لا نخفض العدد، ولكن يكون جزء من الأعضاء مفرغين، وجزء آخر غير مفرغ، هذا احتمال طبعاً بحاجه لدراسة، أنا أطرح أفكاراً لكي نحرض النقاش لاحقاً، ويكون أمامنا عناوين تشكل أرضية لتطوير مؤسستنا».

اللجنة المركزية

وقال الرئيس الأسد: «أيضاً، العنوان المهم جداً هو دور اللجنة المركزية، إن عمر اللجنة المركزية الآن نحو أكثر من عشرة أعوام ولم تعمل حتى اليوم بشكل جدي، والسبب قد يكون أحياناً الممارسة، وقد يكون هو النظام الداخلي نفسه، هناك نظام داخلي للحزب، هناك نظام للجنة المركزية، ونظام مالي ونظام هيئة للرقابة والتفتيش، أو لجنة الرقابة والتفتيش، بحاجة لمراجعة، اللجنة المركزية هي قلب الحزب، ماذا نريد منها؟ هل تتدخل في صناعة السياسات التي نتحدث عنها، سياسات الحزب، إذا كانت ستدخل في صناعة السياسات، هل من المفترض أن تتغير بنيتها لكي تتشكل من لجان اختصاصية، كما هو حال مجلس الشعب؟ وما هو الشكل المناسب لها؟ وما هي طبيعة العلاقة بينها وبين القيادة المركزية؟ هل من المنطقي أن تغيب اللجنة المركزية، وتأتي لكي تقوم بدورها خلال أيام قليلة في اجتماع لتناقش القيادة المركزية، من خلال تقارير جزء كبير منها شكلي، كما نعرف، أو إنشائي لكي لا نقول شكلياً؟ لا أعتقد بأن هذا الدور هو الدور المناسب للجنة المركزية، كيف يمكن أن تكون المعطيات الموجودة لدى اللجنة المركزية محدثة بشكل مستمر وتكون القيادة المركزية ملزمة بإرسال معلومات بشكل دوري إلى اللجنة المركزية، وعندما تأتي اللجنة المركزية إلى الاجتماع تكون قادرة على القيام بمهامها، الآن، قطعنا خطوة بالنسبة للجنة المركزية، باعتبار الجزء الأكبر منتخباً الآن وتركيبتها لم تعد – كما كانت سابقاً – إما من الفروع أو بالتعيين أو غير ذلك، وبالتالي نحن نعتقد ونأمل بأن الأعضاء المنتخبين، أو الذين سوف ينتخبون اليوم، سيكونون قادرين على القيام بعملية المحاسبة المطلوبة، والتي يحددها النظام الداخلي، أعتقد بأن ثلث الأعضاء قادرون على القيام بعملية سحب الثقة، وغير ذلك من التفاصيل التي تعرفونها، الشيء نفسه ينسحب على مؤتمرات الفروع والشعب، إذ لا يجوز أن تبقى مؤتمراتنا على تلك المستويات ظواهر صوتية، نأتي لكي نعبر وننفذ ونخرج من دون أي نتيجة، إنها مؤتمرات للحوار وللنقاش وللقرار وللمحاسبة، هذا هو دورها، هي تشبه دور اللجنة المركزية بالنسبة للقيادة المركزية، والسؤال نفسه حول علاقة اللجنة بالقيادة المركزية، وهنا نسأل: إذا تحدثنا عن المحاسبة والتغيير، هل يمكن أن نحاسب من دون أن نحدد المهام؟ وعلى أي أساس نفترض أن هناك رفيقاً ما، في قيادة على مستوى ما، مقصر؟ وما هي المهام المطلوبة منه لكي نقول له إنك قصرت؟ هذا سؤال أـساسي يحكم نجاح فكرة تطوير هذه المستويات من المؤسسات».

وتابع: «في الإطار نفسه: إذا ذهبنا باتجاه فكرة سحب الثقة، ونجحنا في الوصول إلى معايير تحدد إخفاق ونجاح الرفاق في مواقع القيادة، فهل نبقي الآلية الحالية المطبقة بالنسبة للجنة العليا للانتخابات، في تلك المستويات، أي أن تبقى مربوطة بالاجتماع الدوري الذي يسبق المؤتمر؟ أو اللجنة المركزية الموسعة؟ أعتقد بأن الآلية خلقت راحة بين الرفاق الحزبيين على مستوى القواعد، ولابد من دراسة كيف يمكن أن تستمر هذه الآلية بالعمل، لكي يكون هناك انتخابات حقيقية ومضبوطة، وفي الإطار نفسه، نسأل أنفسنا حول دور اللجنة، والنظام الذي يحكمها».

وقال الرئيس الأسد: «لو أخذنا الانتخابات الحالية، وهي انتخابات حرة بالمطلق، يعني دائرة واحدة، فإنها ستعطي صورة حقيقية عن الوضع العام بالنسبة للأعضاء، مع أن الزمن كان قصيراً لكي يقوم أي رفيق بحملة انتخابية، ولكن هل يا ترى خلقت هذه الآلية إشكالية على المستوى الوطني، على اعتبار أنه من الصعب تحديد تمثيل الشرائح في هذه الانتخابات عبر هذه الآلية، وبالتالي ضرورة العودة للوائح، لأنه يسهل ضبط تمثيل الشرائح بشكل وطني من خلالها؟

هذه نقطة أيضاً للنقاش، وبما أننا مقبلون على انتخابات مجلس الشعب قريباً، فهناك نقطة مهمة جداً، وهي كيفية اختيار ممثلين لحزب البعث يشكلون توافقاً مع الشرائح غير الحزبية، فنحن نختار ممثل الحزب إلى مجلس الشعب والإدارة المحلية، ولكننا لا نختاره ضمن عمليه حزبية مغلقة، وإنما هو ممثل لشرائح مختلفة موجودة في المنطقة نفسها، أو على مستوى دائرة واحدة هي سورية، فكيف يمكن أن نقوم بهذه العملية ونكسب رضا الشرائح غير الحزبية، أيضاً، علينا أن نناقش هذه النقطة في المرحلة القادمة».

الرقابة والتفتيش

وأوضح الرئيس الأسد أنه «يجب أن نسعى لتطوير نظام مالي للحزب فاعل وشفاف وقادر على مكافحة الهدر والفساد، لذلك فالأولوية بالنسبة لنا هي لإعادة تعيين مكتب مالي ومسؤول مكتب مالي في القيادة المركزية، وسيكون هناك دور مهم للجنة الرقابة والتفتيش التي سنعمل على تفعيلها، وخاصة أنها تتبع مباشرة للأمين العام، لتلعب دوراً في الرقابة المالية من جانب، ولكن – وهو الأهم – ستقوم أيضاً بمتابعة الأداء بشكل عام، فمن مهامها متابعة أعمال المؤتمرات، وبالتالي ما سيقر في هذا الاجتماع الموسع ستتم متابعته أيضاً من قبل لجنة الرقابة والتفتيش،

طبعاً، هذه عناوين أراها أولويات، ولكن هناك عناوين أخرى كثيرة طرحتها على شكل أسئلة لأن الإجابة عنها هي التي ستحدد الشكل المؤسسي لحزبنا في المرحلة القادمة، وهي التي ستحدد أيضاً دور الحزب وستنعكس على فاعليته، وكل هذه العناوين إطارها الفعلي هو النظام الداخلي للحزب، فلا بد من إعادة مراجعة النظام الداخلي، وبشكل سريع، فالنظام الداخلي أساس الإنجاز في أي مجال، أما التحدي الثاني فيتعلق بصياغة رؤية الحزب، وتحديداً حيال القضايا الداخلية، والمقصود بذلك هو كيف يفهم الحزب دور الدولة تجاه مواطنيها في مختلف القضايا والقطاعات، لتعمل السلطة التنفيذية على تحويل هذه الرؤية إلى برامج».

الوضع المعاشي والاشتراكية

وقال: «إن العنوان الأول والأهم بالنسبة لنا جميعاً، وبالنسبة لكل المواطنين في سورية هو الوضع المعاشي، وإذا أردنا أن ننطلق من الوضع المعاشي لا نستطيع إلا أن ننطلق من العنوان الأساسي بالنسبة لنا كحزب، وهو الاشتراكية، والاشتراكية بالنسبة لنا – حسب ما نفهمها اليوم – هي العدالة الاجتماعية، فنحن لا نستطيع العودة إلى التعاريف الأكاديمية، والنظريات القديمة، وتعريفها بأنها الملكية الكاملة للقطاع العام وإلغاء القطاع الخاص، فبهذا التعريف وبهذا الشكل، لم تكن سورية في يوم من الأيام اشتراكية، فالاشتراكية منذ طبقت منذ أكثر من قرن في أماكن مختلفة في العالم، بما فيها سورية، حيث أخذت طيفاً واسعاً من التطرف والماركسية في النصف الثاني من الستينيات، ومن ثم إلى الانفتاح بعد عام 1970، فإلى الانفتاح الذي نعيشه حالياً، نماذج كثيرة جداً علينا أن نحدد منها الأنموذج الذي يناسبنا من حيث تحقيق العدالة الاجتماعية والقدرة على مواجهة الظروف الراهنة التي نعيشها، وثالثاً قدرته على التقدم بنا قدماً إلى الأمام، طبعاً، نحن الآن لا نتحدث عن تقدم بشكل شامل، بل نتحدث بشكل واقعي عن القدرة على تحقيق خروقات في مجالات محددة نعتبرها أولويات لنا في سورية، خاصة في المجال الاقتصادي، لكن الاشتراكية تطرح علينا سؤالاً كحزب، وهو متى ينطلق النهج الاقتصادي لحزب البعث من الإيديولوجيا؟ ومتى ينطلق من القواعد الاقتصادية، بمعنى: هل هناك توافق بينهما أم تناقض أم هناك حل وسط نستطيع من خلاله أن نستند إلى الجانب الإيديولوجي، وبالوقت نفسه إلى القواعد العلمية الاقتصادية، وبالاطار نفسه: ما هي قدرة الاقتصاد على تحمل القواعد الإيديولوجية من دون أن يكون منهكاً وخاسراً؟ إن إيجاد التوازن إيديولوجيا أساسية في نهج البعث لا يمكن التخلي عنه، وعندما نقول إيديولوجيا فهي الاشتراكية، وهي الوضع الاجتماعي، أو الجانب الاجتماعي. وكما قلت أيضاً: ما هو التوازن بين الجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي، الحقيقة أنها كلها أسئلة تدور حول عنوان واحد، ولكن يجب أن نراها من كل الزوايا، لأننا عندما نتحدث عن التوازن بين القواعد الاقتصادية والقواعد الاجتماعية، فهذا يعني أن نسير بخط دقيق لا يكون فيه الجانب الاقتصادي مجرداً على حساب المجتمع، لأننا في هذه الحالة سوف نتحول إلى حزب رأسمالي، كما لا يمكن أن نسير بالعكس باتجاه الجانب الاجتماعي بشكل مجرد لأننا عند ذلك سوف نكون دولة مفلسة، لذلك أتحدث عن كل هذه العناوين لكي نصل إلى نقطة التوازن بين الإيديولوجي وبين الاقتصادي، وهنا طرح كثيراً خلال العقدين الماضيين، وتقريباً بعد المؤتمر القطري العاشر، موضوع اقتصاد السوق الاجتماعي وحمّل ما لا يحمله من معان ومن تفاسير، وحتى من أخطاء وعثرات، وتعامل معه البعض وكأنه عقيدة قائمة بحد ذاتها، ولكنه لو كانت عقيدة لما أبقينا الاشتراكية، ولو كانت الاشتراكية نظرية، أي ليست عقيدة، لكنا استبدلناها باقتصاد السوق الاجتماعي، والحقيقة أن رؤيتنا مبسطة، فالسوق هو منافسة والعملية هي تطوير الاشتراكية لا أكثر ولا أقل ولكن لو أبقينا كلمة السوق لوحدها فهذا يعني أننا تحولنا إلى اقتصاد السوق المتوحش، فكلمه الاجتماعي هي التي تحافظ على النهج الاشتراكي مع المنافسة، وبالنسبة للسوق، هناك من سيقول: لا يمكن أن يكون هناك سوق مع اشتراكية، وهذا غير صحيح لأن الأنموذج الصيني واضح، فقد تحولت الصين باتجاه اقتصاد السوق، وهي دولة شيوعية اشتراكية مركزية».

الحزب إلى جانب الفقراء

وتابع: «الجانب الآخر، وهو عنوان مرتبط بالوضع المعاشي، أن الحزب تبنى منذ بداياته الوقوف إلى جانب الكادحين، طبعاً، الكادح قد يكون بالتعريف الطبقة التي تعمل، ولكنها فقيرة، فهل نقول الكادحين أم الفقراء عامة، باعتبار المفهوم أشمل؟، سأتحدث عن الفقراء باعتبارهم الشريحة الأوسع أولاً، ومن الطبيعي أن يقف الحزب إلى جانب الشريحة الأوسع والشريحة التي تتأثر أكثر من غيرها بالأزمات الاقتصادية، ولكن حتى الأديان وقفت إلى جانب الفقير، كما أن الشريحة الفقيرة هي التي تضع كل ما يأتيها بشكل كامل في الاقتصاد، لكن الدولة التي يحكمها حزب البعث هي دولة لكل أبنائها، فإذاً ما هو البرنامج أو النهج الذي يمكن أن يتبناه حزب البعث، ويعبر عن تقاطع المصالح بين مختلف الشرائح، وليس شريحة تربح على حساب الأخرى، فالفقير عملياً هو قوة شرائية، وإن لم يكن وضع الفقراء والشريحة الوسطى جيداً لا يمكن للاقتصاد أن يتحرك، والميسورون وأصحاب رؤوس الأموال هم القادرون على خلق فرص عمل، فإذاً علينا أن ننظر إلى الطبقة الكادحة أو الفقيرة نظرة اقتصادية قبل أن ننظر نظرة اجتماعية لأن النظرة الاجتماعية تحول الحزب إلى العمل الخيري، أما النظرة الاقتصادية فهي تحوله إلى العمل الاقتصادي الذي يحقق مصلحة هذه الشريحة ويحقق مصلحة المجتمع ويحقق مصلحة الدولة بالوقت نفسه، وهنا سؤال يطرح دائماً: أين تكمن الأولوية في سعر الصرف، أم في الإنتاج، فإذا كانت الأسعار ثابتة، ولا يوجد فرص عمل كيف يعيش الفقير؟ كيف يطور نفسه؟ كيف ننقل هذه الشريحة من الفقر إلى الوسط، أسئلة مهمة جداً يجب أن نجيب عنها لكي تتمكن الحكومة والسلطة التنفيذية من وضع برامج تحقق هذه التوازنات، الجانب الآخر الدعم عبر عقود طويلة، الدعم يحمل للمصرف المركزي، وهي ليست من مهام المصرف المركزي، ولكن لأن الدعم ضروري للمواطنين بشكل عام، وخاصة لهذه الشرائح، فكان لا بد من إيجاد طريقة حملت للمصرف المركزي ماذا كانت نتيجة أن هذا المصرف أصبح أقل قدرة على التعامل مع حالة التضخم على الرغم من أنهم يقومون الآن بعمل كبير جداً وضخم للجم، وليس إيقاف التضخم ولجمه، ولكن لو كانت هذه السياسة بشكل مختلف لكان الوضع اليوم أفضل بكثير بالنسبة لسعر الصرف، وبالنتيجة لتلك الشرائح هذه مجرد أمثله تعبر عن ذهابنا باتجاه سياسات تخدم الشرائح الأفقر، ولكن بنتائج مختلفة يعني نيات صادقة ونتائج معاكسة، وهنا لا يمكن أن نناقش الإجراءات الحكومية، أنا هنا لا أدافع عن أي حكومة، لا سابقة ولا حالية، ولا لاحقة، أنا أقول إنه عندما لا يكون هناك توازن بين الاقتصادي والاجتماعي فسيكون هناك شلل للسياسات بكل مستوياتها، وعندما يكون هناك شلل بالسياسات سوف يكون هناك إخفاق في الإجراءات التي تقوم بها السلطة التنفيذية على كل المستويات، الجانب الآخر والعنوان المهم بالنسبة لنا أيضاً المرتبط بالاشتراك هو القطاع العام، ننظر للقطاع العام أحياناً بشكل مجرد، هو يعني معمل وهو عامل، الحقيقة القطاع العام لعب دوراً مهماً عبر تاريخ سورية، وما زال على الرغم من المصاعب الجمّة التي تعترضه، لكن لا يمكن اختصار القطاع العام بعنوان صغير، هناك قطاع عام إداري له دور، وهناك عام اقتصادي، ودوره مختلف كلياً، هناك قطاع عام اقتصادي إنتاجي، وهناك قطاع عام إداري خدمي يقدم الخدمات، كل واحد من هذه القطاعات له دور، نحن ننظر لها كعنوان واحد، لكن لنتحدث عن الاقتصادي بشقيه، والسؤال: ماذا نريد لو سألنا أي بعثي، ماذا تريد من القطاع العام، هل تريد منه التوظيف؟ هل تريد منه دعم الأسعار، أم هل تريد منه أن يكون رابحاً، وإذا أردنا منه الثلاثة عناصر، هل يمكن تحقيق العناصر الثلاثة مع بعض، خاصة الربح لكونه اقتصادياً من جانب مع الاجتماعي، أي الدعم والتوظيف بمراسيم إحداث أي مؤسسة اقتصادية الربح هو عنوان أساسي فماذا يعني الربح؟ يعني أن تكون الواردات أعلى من التكاليف الحقيقية، الرواتب، الكهرباء، والوقود، لكن الواقع ليس كذلك، الواقع ليس كذلك في معظم المؤسسات، خاصة عندما تكون السياسات تحمل لهذه المؤسسات بمعنى إذا كان واجبها الدعم، فالدعم هو من مهام الخزينة المركزية، وليس من مهام المؤسسات، أما التوظيف إذا كنا سوف وسنخسر، وهو اسمه اقتصادي، فلماذا لا نقوم بتوظيف الناس في القطاع الإداري أو لماذا لا نعطي الناس هذه الأموال التي تذهب تجاه الهدر والفساد وتجعل الدولة أضعف في القيام بواجباتها إذا كان من مهامها التوظيف، حسناً، إذا كان من مهام الدولة التوظيف، أو لنسال سؤالاً: أولاً ما هي حدود التوظيف، ستبقى الدولة في سورية توظف، لكن ما هي حدود التوظيف في سورية، هل من واجبها التوظيف كما كنا نرى سابقاً كل هذه هي في القطاع العام؟، حسناً كيف نوظف ونحافظ على النوعية ونحن نعرف تماماً بأنه لا يمكن أن يتطور الوضع في سورية إن لم تتطور الدولة ولن تتطور الدولة إن لم نتمكن من توظيف نوعيات عالية ونوازن هنا أيضاً بين جانب التوظيف الاجتماعي، والتوظيف النوعي، وإذا وظفت الدولة فما هي السياسة بهذه الحالة التي سنتبناها كحزب».

دعم الزراعة ليس للنقاش

وتابع الرئيس الأسد: قطاع الزراعة عنوان آخر مهم، الزراعة، أو دعم الزراعة هو ليس عنواناً للنقاش.. أعتقد في كل بلد زراعي الزراعة تعادل الأمن الوطني، ولكن النقاش هو حول آلية دعم الزراعة، هل ندعم؟ هل ندعم مستلزمات الإنتاج كما نفعل دائماً، أم ندعم المنتج الزراعي، وبالتالي يصل الدعم بشكل مباشر وكامل للفلاح ولا يصل للطفيلي على الطريق، هذا عنوان من العناوين الضرورية بالنسبة لحزب البعث، كل ما سبق يشكل بمجمله عنوان مكافحة الفساد، عنوان مكافحة الفساد ليس عنواناً منفصلاً، ليس عنواناً مجرداً، ولا عنواناً عاطفياً، ولا عنواناً انتقامياً كما يطرحه البعض، بل هو نتيجة لبناء هذه المؤسسات بهذا الشكل الصحيح؛ فمكافحة الفساد بحاجه لبيئة صحيحة والبيئة الصحيحة بحاجة لمنظومة سليمة، من دون المنظومة السليمة لا داعي لإضاعة الوقت في مكافحة الفساد؛ لأننا لن نحقق أي نتيجة حقيقية ولو ضربنا مثالاً لو كلفنا الكادر الصحي في وزارة الصحة بكل طواقمها أن تذهب إلى مدينة كي تعالج الأوبئة المنتشرة فيها، بسبب هو عدم قيام البلديات بجمع القمامة، ونطلب منهم أن يعيدوا الوضع الصحي إلى الشكل الطبيعي سوف يقولون لنا لا يمكن أن نفعل أي شيء لأنه لا مشافي ولا أطباء ولا أدوية قادرة على مكافحة الأوبئة، ابدؤوا بجمع القمامة، هكذا يجب أن ننظر إلى عملية مكافحه الفساد، لأنه إن لم نقم بجمع القمامة التي هي الخلل الإداري الموجود لدينا لا يمكن أن نصل إلى أي نتيجة في موضوع مكافحة الفساد. فإذاً علينا أن نضع أجوبة لهذه التساؤلات لكي يتمكن الحزب من وضع رؤية، ولكي تتمكن الحكومة من وضع برامج تنفيذيه لهذه الرؤية، وعلينا ألا نؤجل العمل بهذا الاتجاه، لأننا اعتدنا عبر سنوات طويلة قبل الحرب أن نستخدم جملة معروفه وهي «هلأ مو وقتها»، هذه الجملة التي تبقي الأحلام مجرد أحلام، لكي أوضح ملخص هذه الفقرة، وكي لا يفسر كما يحلو للبعض أحياناً بأن هذه الجلسة كانت جلسة بريسترويكا، والتخلي عن القطاع العام والتخلي عن الدعم على الإطلاق.. أي إن كل ما سبق لا يعني أبداً التخلي عن القطاع العام، لأن دوره مهم وسيبقى دور مهم، ولكن يجب أن يكون دور القطاع العام هو دور نوعي ومدروس وهادف، بمعنى أن كل ما سبق لا يعني التخلي عن الدعم، لأن الدعم ليس ضرورياً فقط للشرائح الأفقر فالدعم ضروري لقوة الاقتصاد، لأن المشكلة هي ليست في مبدأ الدعم، وإنما في شكل وفي طريقة الدعم، وهذا يعني أن نعزز دور الدولة لكي تكون قادرة على القيام بواجباتها على أكمل وجه في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والوطنية بشكل عام».

الحزب والعروبة

وقال: «قد يقول البعض كنا نتوقع أن نسمع من الأمين العام إجابات عن هذه الأسئلة التي طرحها، لكن ما دمت أعطيت إجابات الآن فهذا يعني أنني أقوم بقطع الطريق على النقاش، وأنا هنا اليوم كي أطلق النقاش لا كي أقطع الطريق على النقاش هذا أولاً، ثانياً إن القضايا الكبرى التي تمس المواطنين لا تبنى على أمين عام، أو رئيس جمهورية، أو رئيس حكومة، أو قيادة حزب، أو حكومة، هذه المواضيع بحاجه لإطلاق حوار واسع أولاً على المستوى الحزبي بكل مستوياته، وثانياً على المستوى الوطني، عندها يمكن لأي شخص أن يعطي رأيه ويتخذ القرار الصحيح، أما التحدي الثالث بالنسبة لنا كحزب بعث فهو إعادة صياغة فكر الحزب بالشكل الذي يتماشى مع عصرنا، شرط ألا يخالف انتماءنا بالشكل الذي يتفاعل مع حاضرنا، ولا يسلخنا عن جذورنا وحزبنا كحزب قومي عربي لا ينطلق من نظرية بضعة مثقفين أو مفكرين جلسوا منذ عام وقرروا أن يكون هناك هوية اسمها العروبة، نحن ننطلق من انتماء اجتماعي حقيقي تاريخي واقعي، أما النظرية تأتي لاحقاً كي تؤطر هذا الانتماء وتعطيه شكلاً فكرياً تنقل هذا الانتماء من الحالة الغرائزية إلى الحالة الإيجابية الفاعلة التي تعزز وحدة المجتمع، وتقويه، وتنقل حالة الانتماء هذه من حاله العصبية الجاهلية ضيقة الأفق إلى حالة شاملة واسعة تجمع كل مكونات المجتمع عبر رفع الانتماء فوق المفهوم العرقي إلى المستوى الحضاري الإنساني الذي يبنى على تفاعل الأقوام بشكل طبيعي وعفوي وتدريجي في كل المجالات في العرق، وفي الدين، وفي اللغة، وفي الثقافة، وفي الجغرافيا، وفي تبادل المصالح، وفي كل العناصر التي تكون المجتمع، لهذا السبب استهدفت الأحزاب القومية من قبل القوى الاستعمارية، ولو كانت هذه الأحزاب، ومنها حزبنا، تبنت المفاهيم الطائفية أو العرقية لكانت قد دعمت مباشرة من قبل الغرب لأنها تتوافق مع الأهداف الاستعمارية التقسيمية، واستكمل استهداف الأحزاب باستهداف العناوين والعناصر الأساسية المكونة لمجتمعاتنا العربية، وهي العروبة، والإسلام والمسيحية، وعملوا على خلق شروخ بين هذه المكونات، وبالفعل فقد بدؤوا بالموضوع العربي- المسيحي منذ عقود طويلة، وتحديداً في سورية، لا أتحدث عن بلاد الشام بأن هذه المنطقة مسيحية والعرب والمسلمين فيها، فاللغة هي نتيجة الغزوات التي حصلت بعد قدوم الإسلام، يعني جمعوا كل تلك العناصر ووضعوها في بوتقة واحدة، وبالتالي الهوية الحقيقية لبلاد الشام ليست الهوية العربية، هي هوية مصطنعة عمرها قرن- أكثر بقليل أو أقل بقليل- لأنه عندما نتحدث عن العرب، وعندما نتحدث عن اللغة، وعندما نتحدث عن الدين الإسلامي، فكل واحدة منها لها تاريخ يختلف عن الأخرى فالعرب مذكورون بالوثائق التاريخية قبل الميلاد كعرب، واستمر هذا التواجد خلال المرحلة الآرامية وخلال المرحلة السريانية، وصولاً إلى الممالك العربية المسيحية، وصولاً إلى دخول الإسلام. أما اللغة العربية – المحكية والمكتوبة- فدخلت كل واحدة منها بزمن مختلف».

وأوضح: «على سبيل المثال، مملكة الأنباط العربية التي عاشت جنوب سورية قبل الميلاد واستمرت إلى ما بعد الميلاد بحوالى قرن كان أهلها يتحدثون اللغة العربية، وباللغة الآرامية، ولكنهم كانوا يكتبون باللغة الآرامية هكذا وصولاً إلى دخول الإسلام، ولتبسيط هذا الموضوع بأن هناك قوماً يدخلون إلى مكان وفجأة يختفي القوم الأصليون ويحل محلهم قوم جدد، أو تأتي ثقافة وتحل محل ثقافة، وتختفي الثقافة الأولى، لكن هذا الكلام غير منطقي خاصة أن اللغة السريانية استمرت في سورية خمسة قرون بعد دخول الإسلام، فالمنطق يقول إن الشعوب تتفاعل مع بعضها ثقافياً ولغوياً في المنطقة الواحدة، وفي المناطق المتجاورة، ولا توجد قوة تستطيع، بما فيها الحروب والغزوات، أن تسيطر على هذه الديناميكية بالاتجاه نفسه وفي إطار تفتيت الهويات الاجتماعية أو الوطنية الموجودة إلى هويات تتصارع مع بعضها، ولهذا طرحوا إشكالية العروبة والإسلام التي سمعنا بها منذ زمن، ربما بدايات القرن الماضي أو بعده بقليل، وهذا الطرح الإشكالي أو الصراع يدفعنا لسؤال محدد هو هل هناك فعلاً مشكلة أو صراع بين العروبة والإسلام؟ وهنا نستطيع أن نسأل سؤالاً موازياً يعطي الجواب السهل جداً هو إذا كان هناك مشكلة بين الدين والقومية، لماذا لا نسمع عن هذه المشكلة في الدول الإسلامية غير العربية، علماً أن الإسلام منتشر من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي؟ لماذا لا نسمع عن إشكاليه الإسلام والقومية الفلانية في دول مختلفة؟ هل هناك إشكالية، إذا كان هناك إشكالية بين القومية والدين هل هناك إشكالية بين العروبة والمسيحية؟ بكل تأكيد لا، لأن أهم المفكرين القوميين كانوا من المسيحيين، لماذا لا نسمع عن إشكالية الأديان بشكل عام مع القوميات المتعددة في الأميركيتين، وفي إفريقيا، وفي آسيا، وفي أوروبا، وفي كل مكان؟ الجواب واضح لأن القضية مفتعلة، وليست حقيقية، فالدين هو أحد الأوجه المهمة والأساسية لأي هوية في أي مجتمع، لكن الدين لا ينفي ولا يحل ولا يتعارض ولا يتناقض مع الهويات القومية للشعوب، لذلك عندما نزل الدين الإسلامي في منطقة الجزيرة العربية أيام الجاهلية لم يكن هناك إشكالية قومية، بل كانت المشكلة مختلفة باعتبار أن المجتمع وثني ينطوي على مصالح شخصية، وباعتبار أن الإسلام دعا للعدالة، فما كان من زعماء القبائل – أصحاب المصالح – لهذا حصل التعارض، لكن الإسلام لم يتناقض مع القومية الموجودة في ذلك الوقت، وبالنسبة لكلمة الجاهلية، فالجاهلية لا تعني عدم وجود حضارات قديمة، وإنما تعني أن هذا المجتمع كان على ضلال، فالشعر والأدب واللغة عالية المستوى لا يمكن أن تأتي من أقوام متخلفة أو من بدو رحل، كما كان أو كما يصور اليوم، لا يمكن لدين أن ينزل على شعوب أو على مجتمعات بدائية، لأن هذه المجتمعات لن تكون قادرة على حمل رسالة إلهية عظيمة، والشيء نفسه بالنسبة للغة، إذ لا يمكن للقرآن الكريم أن ينزل على شعوب بلغة غير قادرة على حمل معانيه العميقة، فإذاً المجتمع العربي بأوجهه الحضارية كان موجوداً، ولكن هذه الطاقة الحضارية كانت كامنة غير مفعلة، لكن أتى الإسلام لكي يطلق العنان لهذه الطاقة الموجودة، ويعطيها البعد الإنساني الأشمل والعالم الأوسع، هنا تكمن العلاقة المتبادلة بين العروبة والإسلام، لذلك نحن لسنا بحاجة لاختراع روابط، أو أن ننظر من أجل روابط بينهما، فهذه العلاقة هي علاقة طبيعية وعضوية لا تناقض بينهما ولا صدام ولا إقصاء، بل تكامل وانسجام، كذلك هي العلاقة بين العروبة والمسيحية، كذلك هي العلاقة بين المسيحية والإسلام، كلها عناصر مكونة لهويتنا الجامعة، هوية هذه المنطقة التي تكونت ليس عبر القرون، بل عبر الألفيات من السنوات وإلغاء أي عنصر من عناصر هذه الهوية يعني إلغاء الهوية برمتها».

التنوع والثراء

وتابع الرئيس الأسد: «بالسياق نفسه خلقوا تناقضاً بين العروبة وباقي المكونات القومية في منطقتنا على اعتبار أن العرب هم يمثلون عرقاً، وباقي المكونات تمثل أيضاً أعراقاً، فكل الناس متساويين يعني كل الناس عبارة عن أعراق وهذا خطير، لأنه حصر الفكر العروبي في العرق، والعروبة التي نتحدث عنها دائماً هي العروبة الحضارية الشاملة المبنية على التنوع العرقي، والتنوع الديني، وهذا يعني أن العروبة الحضارية تعني الاندماج بين المكونات، ولا تعني الذوبان، بالعكس تعني الحفاظ على مكون كل هوية من الهويات في مجتمعنا، لأنه كلما ازداد هذا التنوع في المجتمع السوري كلما ازدادت العروبة غناً وثراءً، وكلما ظهر وبرز هذا التنوع كلما ازدادت العروبة ثقةً ورسوخاً، ونحن أنموذج حقيقي عن هذا التنوع، ففي هذه القاعة معظم مكونات المجتمع السوري، وربما كل المكونات، وهم منتسبون لحزب قومي لم يشعروا في يوم من الأيام بأن المطلوب أن تكون جزءاً من العروبة وأن تتخلى عن الهوية الأصلية، بالعكس، نحن نشجع على التمسك بهذه الهويات، وعلى التمسك باللغة، إلى آخر ذلك من التفاصيل التي تمثل عناصر تلك الهويات، لكل ما سبق، ستبقى العروبة هي أساس فكرنا وتوجهاتنا، وانتمائنا الفطري والطبيعي؛ لأن العروبة بالنسبة لنا هي العمود الفقري الذي يحمل مكونات المجتمع، وعندما ينهار العمود الفقري تتفكك الروابط بين الأعضاء وينهار الجسد كاملاً، فإذاً نحن بحاجة لتطوير فكر الحزب، والتركيز على العلاقة بين العروبة الحضارية الشاملة والهوية الوطنية المتنوعة، وبالوقت نفسه القيم الإنسانية الراقية، هذه العناصر الثلاثة هي التي تخلق الاستقرار في مجتمعنا؛ لأنها هي التي تحمينا من العناصر الفكرية الشاذة سواءً الناشئة في مجتمعنا كالتزمت الفكري، وعندما نقول تزمتاً فكرياً، فهذا يعني قد يكون دينياً، قد يكون اجتماعياً، قد يكون سياسياً أو أي تطرف آخر كالتزمت الفكري بأشكاله أو الإحباط، أو الدونية، أو في مواجهه الأفكار الواردة إلينا من الخارج، وفي مقدمتها الليبرالية الحديثة المدمرة للمجتمعات، وهذا يدفعنا للسؤال أين هو موقع الفكر بالنسبة لنا كحزب البعث العربي الاشتراكي؟ وهذا يعني بشكل بدهي أين هو موقع المفكرين، بكل تأكيد لدينا فكر، وبكل تأكيد لدينا مفكرون، لكن لا توجد لدينا آلية واضحة، ولا يوجد لدينا بنية واضحة لتجديد الفكر وبقاء الفكر عملية متجدّدة بشكل مستمر، وليس بشكل طارئ أو موسم أو بعقود ومناسبات متباعدة».

فلسطين العنوان الأبرز

وتابع الرئيس الأسد: «وفي الوضع السياسي أيتها الرفيقات أيها الرفاق فالعنوان الأهم والأبرز اليوم هو الموضوع الفلسطيني، وأبرز ما في هذا العنوان هو عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، ولكن بشكل لم يسبق له مثيل على الإطلاق، بشكل غير مسبوق على الإطلاق منذ نشأت هذه القضية في عام».

وقال: «اليوم اتضحت عدالة هذه القضية على مستوى العالم، انكشفت حقيقة الكيان الصهيوني الإجرامية بالنسبة لمعظم العالم، وتراجع الدعم العالمي الذي حظيت به إسرائيل على الأقل على مستوى العالم، طبعاً وليس على مستوى الغرب منذ البداية، ولكن على مستوى العالم منذ تم توقيع اتفاقيات أوسلو، وهذا الشيء سوف يخلق مشكلة مزدوجة، الأولى هي للكيان الصهيوني الذي عاش على تعاطف العامة من الغربيين ليس فقط السياسيون وإنما عامة المواطنين في الغرب منذ الأشهر الأولى لقيامه، وهذه المشكلة ستخلق مشكلة للساسة الغربيين الذين بدؤوا يجدون أنفسهم في مواجهة مع الرأي العام في بلادهم».

وأشار الرئيس الأسد إلى أن: «المشكلة الثانية هي إصابة وتدهور صوره المنظومة الغربية أولاً على مستوى العالم، فمنذ الحرب العالمية الثانية، ولكن بشكل خاص بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في عام 1991، ولدينا أجيال من المنبهر والمفتون بالغرب، مفتونين لدرجة أنهم منومين تنويماً مغناطيسياً؛ فكل ما يحصل في الغرب هو مذهل، وهو رائع، وهو جميل، هذه الصورة بدأت تتدهور وتصاب بالصميم»، لافتاً إلى أن الأهم من ذلك أن هذه الصورة بدأت تتدهور عند المواطنين الغربيين أنفسهم الذين كانوا يؤمنون بالمبادئ التي تقوم عليها هذه المنظومة، اكتشفوا اليوم حقيقة المبادئ التي تقوم عليها، وهي الكذب والنفاق والخداع، وخداع شعوبهم أولا قبل الشعوب الأخرى في العالم؛ لذلك عندما نرى القمع الوحشي الذي لم نره سابقاً في الجامعات الأمريكية، ومثلها في فرنسا، ومثلها في ألمانيا، وأي تظاهرة تدل على انتقاد إسرائيل أو الوقوف إلى جانب غزة؛ فالهدف الأول هو ليس بالضرورة إسرائيل تحديداً، ولو أن إسرائيل هي ربيبة الغرب، الحقيقة هذا القمع الوحشي الذي نراه وغير المسبوق يعبر عن حالة هلع للمنظومة الغربية بشكل عام، هذه الحالة مرت بها المنظومة الغربية في نهاية الستينيات وفي بداية السبعينيات، وكان هناك تمرد، جانب له علاقة بالتطور الاجتماعي، وجانب له علاقة بحرب فيتنام، وجانب له علاقة بأن الجيل الشاب في ذلك الوقت كان ينظر باحتقار وبكره للمنظومة السياسية القائمة في الغرب، فكان هناك قمع، وكان هناك قتلى في الجامعات، ولكن الغرب يعتقد بأنه منذ ذلك الوقت بعد خمسة عقود قد تمكن من تدجين الشعوب الغربية، وخاصة الشباب، وكانت ذروة هذا التدجين هي مرحلة الكورونا، كما رأينا ما يحصل الآن خلق حالة هلع ورعب لدى هذه المنظومة من أن يكون هناك إمكانية لتمرد شعبي على تلك المنظومة، أما بالنسبة لمنطقتنا فقد فضحت الحرب على غزة حقيقة الكثير من الأنظمة، وميزت بين المواقف الحقيقية من الشكلي وميزت الصادق من المنافق وجعلت الموقف من القضية الفلسطينية هو المرجع في تقييم تلك المواقف فالموقف من القضية الفلسطينية هو اليوم الذي يرفع أشخاصاً ودولاً، وهو الذي يهز العروش، وأهم أنموذج نراه اليوم هو الأنموذج التركي؛ فأردوغان تذاكى على شعبه على الرغم من أن الإنسان الذكي فعلاً يجب أن يعرف حقيقة بسيطة بأن الذكاء الجماعي الشعبي أقوى من أي ذكاء فردي، هذه هي طبيعة الإنسان، مع ذلك أعتقد بأنه يستطيع أن يخدع الشعب التركي، ويهاجم إسرائيل بلسانه ويدعمها بيده، ولكن الشعب التركي لقنه درساً كبيراً في الانتخابات، وهذا الدرس مضمونه أن قوة الموقف الرسمي والحزبي تكمن في تماهيهما مع الموقف الشعبي، وهي حالة قلما نراها في كثير من الدول؛ إما لعدم مبدئية الدول أو المسؤولين أو الحكومات لنفاقها، لخضوعها أصحاب الفضل في مجيئه وغير ذلك، فإذاً أردوغان اليوم قدم أنموذجاً مهماً جداً في هذا المجال، وكما نرى فهم يتحدثون الآن في تركيا عن قطع العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل ولا نعرف لماذا لم يقم أردوغان بهذه الخطوة منذ أشهر، يعني هل سمع مؤخراً منذ شهر فقط بأن هناك مجازر ترتكب في غزة، أعتقد بأن الأوان قد فات، والصورة الحقيقية قد ترسخت، والشخص قد افتضح الأكثر أهمية بالنسبة لنا في سورية تحديداً وهي حالة عامة أيضاً ليست مربوطة بسورية.

موقفنا لم يهتز

وتابع الرئيس الأسد: إن الحرب على غزة فضحت دعاة الاقتداء بالغرب في الوطن العربي وفي سورية، الغرب بحريته، الغرب بديمقراطيته، الغرب بقيمه العظيمة الرائعة بحضارته بإنسانيته بمدنه إلى آخره، أولئك الأشخاص الذين يحملون في عقولهم أقصى ما يمكن لإنسان أن يحمل من عقد نقص ودونية تجاه الأجنبي لم نسمع هؤلاء يتحدثون أو ينظرون حول موقف الغرب من الحرب على غزة، موقف الغرب الداعم لـ«إسرائيل سياسياً، مشاركة القوات العسكرية والأمنية الغربية بشكل مباشر في الحرب، وإرسال السلاح لإسرائيل، لم نسمع أي كلمة أو تصريح أو ملاحظة، لم نسمع عن الديمقراطية المتعلقة بقمع الطلاب في الجامعات الأمريكية وغيرها على الرغم من أنها كلها كانت تحت سلطة القانون أي متوافقة مع الدستور والقانون، لم نسمع أي شيء عما يطرح الآن في الكونغرس الأميركي بالنسبة لتوسيع مفهوم السامية، وبالتالي يمنع على أي شخص انتقاد إسرائيل كدولة كما يفترضون، أو الحديث عن الهولوكوست، أو أي شيء آخر يمس هذه المفاهيم لم نرَ الخونة يذهبون كالقطعان إلى الكونغرس لكي يطالبوا بقانون لمحاسبة إسرائيل، هم ذهبوا كالقطعان من أجل قانون محاسبة سورية، لا يوجد لدينا مشكلة نحن نقبل أن يكون هناك قانون لمحاسبة سورية في الكونغرس، ولكن أن يعملوا بالتوازي من أجل قانون لمحاسبة إسرائيل، وهذا كله عبارة عن خيال وأحلام، لم نسمع بثيران الثورة الذين سموا خطأ بالثوار، لم نسمع بأنهم أطلقوا صاروخاً واحداً من أجل كرامة أهل غزة، لم نسمع أيضاً تصريحاً أو تظاهرة مع لافتات دعماً لهم، كل هذا ليس بجديد علينا، معروف بالنسبة لنا ولكم ولكل سوري، ولكن كل ما يحصل ثبت كل ما قلناه منذ الأيام الأولى للحرب على سورية، القضية هي قضية عمالة، والقضية هي قضية خيانة، لكن أهم الدروس التي تقدمها غزة هي الدرسين الفلسطيني واليمني قدما دروساً للعرب بشكل عام وللسوريين بشكل خاص، لماذا للسوريين بشكل خاص؟ لأن مبادئ الحرب متشابهة، قتل إرهاب، حصار، تدمير، وغير ذلك من المعاناة التي نراها في هذه الدول الثلاث، لكن كلنا نعرف بأن الوضع في فلسطين لا يقارن في سورية، وأيضاً الوضع في اليمن لا يقارن في سورية، أوضاع الفلسطيني واليمني أصعب بكثير من أوضاعنا، من كل المعاني والأوجه، مع ذلك فقد قدموا دروساً في العزة في الكرامة في الشهامة في الإرادة، وفي حب الوطن، طبعاً وهذه العناصر لوحدها من دون وجود إمكانات حقيقية قد حولت اليمن وغزة، وإذا أردنا أن نقول فلسطين بشكل عام ليس إلى قوة إقليمية بل إلى قوة عالمية حقيقية فرضت نفسها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً تمكنوا من ذلك لأن فكر العمالة لم ينتشر، ولأن عقيدة الهزيمة لم تزدهر عندهم، لا حاجة لتكرار موقفنا الوطني من الكيان المجرم، وموقفنا ثابت منذ نشوء القضية الفلسطينية، ولم يهتز للحظة، أو ظرف، ولا أتحدث عن هذه الحرب، أقول عن القضية الفلسطينية منذ عام كل الظروف التي مرت بها سورية، والانقلابات والاستقرار وغيرها لا يجرؤ مسؤول في سورية على التنازل تجاه القضية الفلسطينية، ولن نتنازل اليوم لأن جوهر القضية لم يتغير، ولأن العدو نفسه لم يتغير، والمتغير الوحيد هو الأحداث بشكلها الخارجي، فالمجازر ليست بطارئة على سلوك الكيان الصهيوني سواء ارتفعت، ازدادت، أم انخفضت، لا يهم، والانحياز الغربي الأعمى للصهيونية من قبل الدول الغربية هو ليس بجديد، أما التخاذل العربي تجاه القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا فهو ليس بمفاجئ، الفارق اليوم أن عناصر القضية تعرت وانكشفت وافتضحت بسبب وسائل التواصل الاجتماعي من جانب، وبسبب آخر وطبعاً هو الأهم، الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني، هذا الصمود الذي أربك وأنهك الغرب وأذناب الغرب في منطقتنا، وقبل كل هؤلاء الكيان الصهيوني الغير قادر على هزيمة مليوني شخص محاصرين منذ عقود، مجردين من كل مقومات القوة والحياة، ويعيشون في شريط طوله نحو 40 كيلومتراً وعرضه بضعة كيلومترات بتحالف غربي صهيوني لم نرَ له مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، وطالما أن الوضع لم يتغير والحقوق لم تعد للفلسطينيين ولا للسوريين فلا شيء يبدل موقفنا أو يزيحه مقدار شعرة، وكل ما يمكن لنا أن نقدمه ضمن إمكاناتنا للفلسطينيين، أو لأي مقاوم ضد الكيان الصهيوني سنقوم به من دون أي تردد، وموقفنا من المقاومة وتموضعنا بالنسبة لها كمفهوم أو كممارسة لن يتبدل، بالعكس هو يزداد رسوخاً لأن الأحداث أثبتت أن من لا يمتلك قراره لا أمل له بالمستقبل، ومن لا يمتلك القوة لا قيمة له في هذا العالم، ومن لا يقاوم دفاعاً عن الوطن، فلا يستحق وطناً بالأساس؛ فالخضوع يعطي شعوراً كاذباً بالأمان، وربما بالقوة، وأحياناً بالوجود أو بالكينونة لكن إلى حين ينتهي هذا الدور، وتنتهي المهمة المطلوبة ليتم بعدها الاستغناء عن الأشخاص، وعن الدول، وعن الأوطان، وعندما يتم الاستغناء عن الأوطان فهذا يعني دمارها وزوالها.

الرفيقات والرفاق.. أتمنى لكم كل التوفيق لاجتماعكم هذا وكل النجاح، وأرجو أن يكون هذا الاجتماع مفصلاً حقيقياً في مسيرة الحزب والوطن، وشكراً لكم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن