قضايا وآراء

لم يعد الكيان يُقنع بأنه قوة إقليمية

| تحسين حلبي

يخطئ من يعتقد أن الحرب التي تستهدف الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تقتصر فقط على ما يقوم به جيش الاحتلال وحكومة الكيان الإسرائيلي لأن كل الوقائع الملموسة تثبت يومياً وبأبسط التفاصيل والمواقف أن الولايات المتحدة تعد إسرائيل حقاً ثكنة عسكرية أميركية تهتم بها في كل لحظات وجودها وتشارك حسب الحاجة في كل حروبها وتفاصيل سياساتها ضد الشعب الفلسطيني وقضيته الأكثر عدلاً في تاريخ القضايا المعاصرة، وفي مهمتها هذه تقوم الولايات المتحدة برعاية ومتابعة مصالح يهود العالم كلهم أيضاً وليس يهود إسرائيل فقط فهي تزود ثكنتها بكل أسلحة التدمير من ناحية عسكرية وتتعامل مع حكومة الكيان وكأنها قيادة إضافية لقائد القوات المركزية (سينتكوم) ومقرها في المنطقة، فواشنطن هي التي تقوم بإدارة الحروب وبإشراف كل وزارات الولايات المتحدة ودورها في حماية الكيان وخاصة من وزارتي الخارجية والدفاع لتحقيق أهداف واحدة هي حماية وتوسيع المصالح الشاملة الأميركية والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، وفرض التطبيع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي مع الإسرائيليين على العالم العربي والإسلامي المجاور.

على الساحة العالمية تعتبر الإدارات الأميركية يهود العالم، بقيمة الخزان البشري الأميركي نفسه، وتعمل على المحافظة عليه كقوة بشرية عسكرية تتطلب من الإدارات الأميركية حمايتها من خلال منع توجيه أي انتقاد سياسي لأي فرد يهودي أو انتقاد لإسرائيل والتنديد بالصهيونية وبالاحتلال الإسرائيلي، وهي تستخدم لتحقيق هذه الغاية تطبيق قانون حظر ما يسمى بـ«معاداة السامية» في تلك الدول وفي العالم كله، وقد تبنت هذا القانون جميع دول أوروبا وأولها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، ولكي تدير الإدارات الأميركية حربها الإمبريالية عن طريق هذا القانون افتتحت دائرة خاصة باسم حماية اليهود من «المعادين للسامية» وأولهم الفلسطينيون وكل من يدعمهم لاستعادة حقوقهم، وعينت مسؤولاً أميركياً من يهود الولايات المتحدة بمهمة وزير يدير مندوبين في كل السفارات الأميركية والمكاتب الخاصة لتنفيذ مهام حظر ومعاقبة المعادين لإسرائيل والصهيونية تحت مبرر معاداة السامية، ولذلك لم يكن من المستغرب أن يتصل وزير الخارجية الأميركي توني بلينكين أول أمس بوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ويعزيه بشكل مباشر بمقتل أربعة من الجنود الإسرائيليين قتلوا في موقع عسكري في كرم أبو سالم، وهو الذي لم يقم بتعزية الفلسطينيين بمقتل أكثر من أربعين ألفاً من النساء والأطفال في حرب إسرائيل ضد قطاع غزة رغم أن يهوداً في العالم وفي إسرائيل أعربوا وعبروا عن تعاطف إنساني مع أهالي الضحايا الفلسطينيين، وطالبوا رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو بإيقاف الحرب، فواشنطن تعد كل جندي يقتل بمنزلة خسارة للجيش الأميركي، وهذا في الواقع ما اعترف به سايروس فانس الذي تولى منصب وزير الجيش الأميركي ثم منصب وزير الخارجية عام 1977 وعام 1980 حين قال علناً إن «إسرائيل بالنسبة لنا هي حاملة طائرات أميركية غير قابلة للغرق»، فإسرائيل لم تنشئ صناعات أسلحة ومعدات قتالية وذخائر على الأرض لاستخدامها حين تنفد الذخائر وتدمر المدافع والعربات المسلحة لأنها تعتمد على تزويدها بهذه الوسائط القتالية والذخائر من الولايات المتحدة على غرار أي حاملة طائرات أميركية تستهلك ذخائرها، وقد تبين أثناء الأسابيع الأولى من مواجهتها لعملية طوفان الأقصى أن إسرائيل فقدت جزءاً كبيراً من القذائف والذخائر ولولا إسراع واشنطن بإرسال الذخائر والمعدات الحربية الضرورية لها لما تمكن جيش الاحتلال من الصمود أشهراً قليلة أمام التحديات التي فرضتها المقاومة عليه وعلى مواقعه، وهذا ما يجعل الولايات المتحدة قادرة على فرض شروطها على الكيان متى شاءت لأنه لا يستطيع لوحده الاستمرار بحرب لأسابيع قليلة حتى لو كانت حربه ضد فصائل المقاومة لوحدها كما جرى في طوفان الأقصى، ولو تخلت عنه واشنطن أو خفضت ما تقدمه له من دعم عسكري لأجبر على الخضوع للقرارات الدولية، لكي يتجنب الهزيمة الحاسمة.

ولا شك أن عملية طوفان الأقصى كشفت أن الكيان يصعب تسميته بالقوة الإقليمية بقدراته الذاتية من دون شريان الدعم المباشر والفوري الأميركي، وهو بالمقارنة مع الجمهورية الإيرانية لا يساوي لوحده شيئاً أمام طهران التي تصنع ذخائرها وصواريخها ومعظم معداتها القتالية البرية والبحرية والجوية، لذلك تتجنب واشنطن أي حرب إقليمية كان نتنياهو يسعى إلى توريطها فيها، ومع ذلك سيظل هذا الكيان قابلاً للهزيمة لأن واشنطن تخلت عن فيتنام الجنوبية حين عجزت عن الاستمرار في الحرب ضد فيتنام الشمالية وبعد مقتل أكثر من 55000 جندي أميركي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن