اقتصاد

الصراف الحرامي!

| محمد راكان مصطفى

نجحت أخيراً في استعادة أموالي التي سرقها صراف المصرف التجاري بعد رحلة استمرت على مدار نحو 20 يوماً، توسط خلالها ثلاثة مديرين مشكورةً جهودهم في تسريع استعادتها لكن كانت من دون الجدوى المأمولة.

تبين لي خلال رحلتي أن الحظ حالفني عندما انتبهت مصادفة أن الصراف اختلس أموالي، إذ إنه ومن غير الممكن للمصرف أن يكتشف مثل هذه الحالات ويعيد الأموال إلى أصحابها إلا عبر تقدمهم بطلب رسمي؟! الأمر الذي دعاني إلى التساؤل، ما مصير الأموال الإضافية التي تبقى في الصرافات في حال عدم مطالبة أصحابها بها؟ سؤال أضعه بين أيدي أصحاب الخبرة في مصارفنا.

هذه الحادثة تضاف بمراحل معاناتها إلى المعاناة الدائمة التي يتعرض لها جميع السوريين الموطنة رواتبهم عبر الصرافات الآلية لدى مصارفنا الحكومية، التي لم تحل اتفاقياتها مع المصارف الخاصة من معاناتهم، إذ إن في كثير من الحالات لا يتاح السحب من خلال هذه الصرافات خلال السحبة الواحدة أكثر من 100 ألف ليرة، وبالتالي يحتاج المتعامل إلى إجراء أكثر من عملية سحب تترتب على كل منها عمولة ألف ليرة، أي إن الحال نفسها بالنسبة للسواد الأغلب من الرواتب حيث تصل الحاجة إلى ثلاث سحبات أي إلى ثلاثة آلاف ليرة (نحو واحد بالمئة من الراتب)، ما يدفع الكثيرين من ذوي الدخل «المهدود» إلى تفضيل الوقوف ولو لساعات عدة أمام الصرافات الحكومية لتوفير هذا المبلغ على بساطته، ناهيك عن افتقار صرافات مصارف الصناعي والتوفير والتسليف لتخديم زبائنها الموطنة رواتبهم لديها، ما يضطرهم إلى صرافات العقاري والتجاري.

مشكلات الدفع الإلكتروني لا تقف عند هذه الحالات بأبسط أشكالها، وما حصل من تعثر في ولادة تطبيق بنك الإنترنت للمصرف العقاري والمشكلات التي يعاني منها بعض الأشخاص في التعامل مع التطبيق الجديد، والرسوم التي فرضتها مصارفنا العامة على خدمات الاستعلام على الرصيد عبر برامجها التي عادة تقدم في كل المصارف بما فيها مصارفنا الخاصة، والعمولات المبالغ فيها على عمليات تسديد فواتير الهواتف المحمولة مقارنة بما تتقاضها المصارف الخاصة، إلى جانب أخطاء وعثرات التسديد التي وقعت فيها مرتين، حيث اكتشفت بعد تسديد رسوم دراسة أخي في الجامعة الافتراضية استنزاف كامل رصيدي، ليتدخل حينها مدير المعلوماتية في المصرف مشكوراً بإعادة حسابي إلى حالته الطبيعية، وفي المرة الثانية حيث اكتشفت مصادفة بعد تسديد فواتير الهاتف الأرضي اقتطاع الفاتورة مرتين، هذا ما اكتشفته مصادفة وما خفي كان أعظم؟

من الجميل همة حكومتنا وإصرارها على أتمتة العمل الحكومي وجهدها عبر مؤسساتها إلى إلزامية التسديد الإلكتروني بهدف تخفيف الأعباء عنا وعن إخوتنا المواطنين، لكن هل وصلنا فعلاً إلى بيئة عمل إلكترونية تسمح بهذا الأمر ونحن حتى الآن نعاني من إمكانية حجز معاملة جواز سفر عبر منصة الاتصالات؟ هل بإمكان مصارفنا إيجاد طريقة تحفظ حقوقنا وحقوق إخوتنا المواطنين ممن لا يتقنون التعامل بالتقنيات الحديثة في حال وقع خطأ أو سلب تطبيق أو صراف خلسة من دون علمنا جزءاً من أموالنا؟

نحن بكل تأكيد مع التطور والتطوير ومع الحداثة بكل جوانبها لما فيها من راحة لنا وتسهيل معاملاتنا، لكن مع التأكيد على ضرورة أن تتم بطريقة صحيحة تحفظ بها حقوقنا وتبعث فينا الطمأنينة عند استخدام هذه القنوات والوسائل التقنية.

فالصراف سرق أموالي والمصرف كاد يعجز عن إعادتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن